الشأن السوري

في سورية فقط يخرج الشاب من سجون الظلم مسناً عقيماً !!

بقلم : ولاء عساف

” أبو جعفر ” شاب يحب الحياة انطلق ليبني مستقبله بيديه، درس بكلّ جدّ حتّى تخرج مهندساً مدنيّاً، و بدأ مسيرته في الحياة بعد التخرج ، حيث عمل حوالي السنة تقريباً ثمّ تزوح قبل ثلاثة أشهر فقط من الوقت الذي رماه فيه القدر أمام سيارة عناصر أمن دولة الأسد ليسألوه عن هويته و أوراقه الثبوتية و لأنّه تأخر بإخراجها، أدخلوه في أقبية الوحشة و بقي فيها عشرين عاماً ذاق فيها أقسى أنواع الظلم و الوحشية.

يقول ” أبو جعفر ” متأسفاً على العمر الذي مضى دون أن يكون ملكه، بل كان ملك سجانه ( عشتُ عشرين عاماً كان كلَّ يومٍ يمرُّ أحلم فيه بضوء الشمس لا أكثر، رائحة العفونة تملأ المكان و مع الزمن باتت رائحتنا كرائحة الجدران و الغرف التي نسكنها بات القلب متعفناً أيضاً، فبعد كل الحماس و حب الحياة التي أريد أن أعيشها و سلبت مني، تغير شكلي و ملامحي و تضاريس جسدي حتّى بتُّ نحيل ، شاحب ، أصفر اللون ، عيناي غارقتين في وجهي ، و أفكاري غارقة في عقلٍ لم يعد يحمل أيّ أفكار سوى حلم الخلاص بالموت أو الخروج ) .

و يضيف ” أبو جعفر ” كنتُ يتيمَ الأب و الأم، قتل أبي في أحداث الـ 1982، لم أفكر بالانتقام يوماً لأنّني كنت أبحث عن مستقبلي و بناء طموحاتي، حيث عشتُ مع أختي، التي تزوجت رجل خلوق و عشتُ عندهما و باتت تساعدني حتّى تخرجت مهندساً، فكان لها الفضل الكبير في دراستي.

و تابع ” أبو جعفر ” قوله : خرجتُ من السجن لأجد العالم عالم آخر، الأطفال باتت شباباً، والشباب باتوا عجائز، و أنا خرجتُ عجوزاً حيث هرمتُ صغيراً فكلّي هرم .. قلبي هرم .. روحي هرمة.

خرجت ﻷجد زوجتي مازالت تنتظرني خرجت لأجد شاب أمامي ذو خدود وردية وعندما أشرت بعيناي متعجباً .. قالت لي زوجتي إنّه ابنك .. ابنك الذي كنت حامل فيه قبل شهر واحد من دخولك السجن و ها هو ذا شاب يحمل من الطموحات أكثر مما كنتَ تحمل.

و في هذا السياق قال ” أبو جعفر ” خرجتُ غير قادر على الإنجاب بسبب الإبر التي كنت أُضرب بها، تحتوي مخدر و مواد أصابتني بوجع رأس لا يحتمل، و استطعت بعد معالجة أن أتخلص منها و لكن بقيت آثار الإبر تترسب في جسدي حتى أصابتني بالعقم، هذا ما اكتشفته بعد أن خرجت وزرت عدة أطباء.

حيث كان يدخل السجّان ليخيرنا بين إبر أو حبوب و طبعا الخيار لهم لكن كي يزيدون من عذابنا و بالنهاية كلّها تحتوي مخدرات ومواد ضارة بأجسادنا، نضرب حتّى الإغماء لنُرمى بكمية من الماء و نصحو ليعودون مجدداً بضربنا بكلّ قسوة.

فالموجع في الأمر ليس الضرب ولا الإبر .. إنّما الموجع أنّني دخلت السجن لا أعرف ما هو جرمي .. ما هو الذنب الذي ارتكبت .. وخرجت لا أدري لماذا.. و أنا في سنواتي الأخيرة لم أكن أتوقع أن أخرج ولا حتّى في أحلامي ، كنت انتظر موتي المحتّم تحت سوط السجّان الذي لا يرحم.

و ختم حديثه قائلاً : ( خرجت يائساً .. حاقداً .. كارهاً للحياة .. متعباً من كلّ شيء كما راحت تلاحقني الكوابيس اليومية، و ما زلت أرى نفسي هناك، توقظني زوجتي كل يوم أتألم و أطلق أنين موجع، حيث اقتصرت حياتي على الألم حتى بعد خروجي ).

29260ff4 3e4f 4d15 b5ee

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى