مسابقة خطوة 2014

لاشيئ يعجبني

اسم المتسابق : محمد العبدلله

ملاحظة : المقالة المشاركة بالمسابقة لا تمثل رأي الوكالة بل تعبر عن رأي المتسابق فقط دون ان تتبنى الوكالة اية افكار او اراءا شخصية مذكورة ضمن المقالة

————————————–

في هذه الأثناء والجميع مشغولون بالنوم ….

الثانية من بعد منتصف اليل هذه اليله وذاك الشارع مزدحم بفراغه المظلم المخيف ولا شيئ يكسر هدوءه الا قطة تبكي تتتأوى من البرد او غصن يميل ليلتقطه احد أبناء الحي الجياع لشيئ يضرم النار بمدافئهم المثلجه وحولها أطفال ليسو كالأطفال العاديين بل أشبه بهياكل من فلم لمصاصي الدماء وتكاد تعد عظام اجسادهم واحدة تلو الأخرى وتلك الحاوية ترمي فائضها من القمامه على جوانبها من الاوساخ القديمة القديمة القديمة …

وتجري ساعات اليل حتى صارت في الثانية والنصف وفاجئني صوت مخيف تخلل الصمت المعتاد وبديهيا بدأت التفت حولي لأدرك من اي أين مصدر هذا الغريب وبدأت افسره ذاك الذي لا يدركه سواي وحيدا بهذا الفراغ .

دموعه تملآ جسده النحيل وتكاد تكسيه اللون الاحمر بعد ان اشرت اليه بمصباح بسيط بيدي

نعم هذا هو مصدر الصوت الحزين المبكي المبحوووح

كما في كل احيائنا في كل اليالي البارده جرحى ينامون بدون نوم نفسي روحي عقلي بل ذاك النوم الفلسفي ينامه السوري فقط في الغوطة الغربية وهو نوم تمدد جسد نحيل مريض ليرضي فيزيولوجيته فقط ..

اووووه كيف جلت بالوصف حتى ظننت نفسي اصف الدمع  لكم يغطي الجسم كالدم سامحوني ..

انها الآن الساعه الثالثه حقا لكنه جريح يتأوه من شدة الوجع الذي خلفته له رصاصة لم تكن عمياء بل لها عيون تبصر الاحرار من الشبان المدافعين عن اراضيهم واعراضهم وبعد برهة اختفى كغيره في الذاكرة الممتلئه…..

هاقد حل الصباح ..

وبدأت أصوات الاشياء تعلو ولكن اي شيئ يا ترى لا ادري فتارة صوت محتطب يطرق بعض الاخشاب الخضراء الغير صالحة للتدفئة اساسا وبعض النسوة يتجهرون حول بائع الخبز الذي يملك 50 ربطة ويتجمهر حوله ارباب اكثر من 100 عائلة وكل واحد منهم يريد اصطياد القوت له ولمن ينتظره من جياع ..

وأقتربت من ام خالد لاحدثها فهي الاخرى بانتظار حصتها من الخبز وقلت لها ما لكي ترتجفين هل هو البرد وكأني لست اراها خائفة الا تحصل على قوت هذا اليوم ..

نظرت الي بامتعاض ثم تبعتها ابتسامة خفيفة الظل ذاك الظل المخفي بين تجاعيد وجه امرأة سبعينيه وكل التفاف وكل انثناء يخفي سنين من الوجع والالم من ذكريات حرب وموت وجوع وتعب وهي ما زالت تحدق بي تقف اخر الصف المرصوص ولا يكاد بائع الخبز يرى من هنا ولكن ثياب المسلحين المسؤولين عن تنظيم الاصطفاف تشير الى ذلك ..

لا شيئ يعجبني صرخت بداخلي ..

رجعت الى بيتي حزينا وعيني تدمع من غير دموع ورحت احدق بمرآتي الصغيره المكسورة المزروعه خلف باب غرفتي الخشبي المهترء ولاول مرة اكتشف اني اشبه ام خالد …

صعقت لهذا الاكتشاف فالفارق بيني وبين ام خالد يزيد عن 45 عاما فلماذا اشبهها يا ترى ولماذا وجهي يتجعد فتحت عيني ثلاث تجعيدات تتوازى تحت كل عين ثلاثه وعلى علو جبهتي اربعه اخرين تبدأ من اصغرهن ثم اوسطهن ثم الاصغر فالاصغر حتى منبت الشعر الذي صار عندي بمنتصف الرأس ..

يا الهي اني حقا صرت اصلعا ووجهي متجعد ولكن ام خالد لا تصاب بالصلع ..

رفعت يدي  وضرب تلك المرآة اللعينه فلولاها لما عرفت اني اشبه عجوز في السبعين من عمرها ولا ترتجف حتى وانا ارتجف وهي لا تخاف وانا اخاف احيانا وانا اظن اني عشريني بمقتبل العمر

اطرقت رأسي وخرجت اتمشى بشوارع مدينتي التي تبدو نهارا اجمل منها ليلا فالنهار مليئ بالاطفال والضحكات واللعب تارة والموت والبراميل تارة اخرى  وهنا يملئ اللون الاحمر شوارعنا ويبدا شباب الجيش الحر بالدوران حول انفسهم ومعهم شباب الدفاع المدني لاسعاف من يستطيعون انقاذه من دار ابو جعفر تلك البعيده المحصنه .

وهنا اكرهه ولذلك ساعود لمنزلي وبطريقي لما لا اجلب القليل من الحشائش التي اعتدنا ان نأكلها وفي كل مرة اقطفها من بستان ابو سمير الرجل الضرير الذي لا يقوى على المشي صاحب المنخار الكبير المفلطح ذا اللكنة الشامية واليدان المرتجفتان ولكن قلبه مؤمن جدا وبكل مرة يقول لي خذ ما تريد فهو يسمع خطاي قبل ان اصل ويكاد يذكر اسمي قبل ان انطق …

كان ابي يقول ان ابو سمير ينحدر من عائلة شامية عريقة لكنه اصيب بحادث هنا وفقد اهله ..

ابو سمير يحبني جدا لانني بكل مرة ازوره اضطر ان اسمع حديثه عن اللواء صلاح جديد واحمد كفتارو واحمد سويدان الذي يحملهم مسؤولية تسليم الجولان وتسليم سوريا لنظام الاسد وبما انني لا ادرك تلك الحقبة الزمنية اسمع باذني ويداي وعيني تلتقطان بعض الحشائش التي ستختار امي منها ما يصلح للطهي …..

ها هو المؤذن صلاح فلفلة يؤذن من جديد وكأني اول مرة اسمع صوته الخشن وهو يقول بعد كل اذان ( ايها الاخوه الرجاء ثم الرجاء ما حدى يقرب من بستان ابو سمير لانو القناص عميضرب وخبز بكرة مافي )

انا الآن نائم

نعم نائم واحلم بابن عمي وهو يقول لي لما لا تزورني اولسنا اصدقاء كنا طول عمرنا وهل صرت تتعب  من زيارتي  لدقائق وحدثتني عن ما يدور ببلدتنا هذه الايام …

لا لا لا ما هذا الصوت الذي ازعجني فجرا ، نعم انه صوت صلاح فلفله سأقف لاسمع جيدا من النافذه ( ايها الاخوه المؤمنون انتقل الى رحمته تعالى ابو سمير الشامي والدفن الساعه التاسعه من صباح هذا اليوم …)

الى اين انت ذاهب يا ابو سمير ولمن تركت الحقل ، انت الذي عشت غريبا ومت غريبا ….

لا شيئ يعجبني …

لكل العالم إننا لن نسامحكم بجوعنا ووجعنا وبردنا وآلامنا ومتجارتكم بنا

لن يصفح عنكم الطفل النازف موتا كل صباح ولا الأم الثكلى الدامعة ومن الصراخ

لن يصفح  عنكم جدي الملفوف بالجرائد ولا جدتي المتعفنه من شدة الوجع والفحيح الساكن حناياها

سنسكن أحلامكم وأيامكم …

سنرسم قطرات من دمع بعدسات عيون اطفالكم الحالمه وتحت اظافر عشيقاتكم النائمه حلما صغير …

موسيقانا رسائل عتب وأصواتنا كل شيئ كل شيئ الا أنتم …..!

محمد العبدلله 1

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى