مسابقة خطوة 2014

معاناة اللاجئين السوريين في الداخل السوري والمخيمات ودول الجوار

اسم المتسابق : يمنى الدمشقي
ملاحظة : المقالة المشاركة بالمسابقة لا تمثل رأي الوكالة بل تعبر عن رأي المتسابق فقط دون ان تتبنى الوكالة اية افكار او اراءا شخصية مذكورة ضمن المقالة

————————————-

تضيق بنا الأرض ..  لم يخطئ درويش في غربته عندما ضاقت به الأرض، وكم من درويش خلع جنسيته الفلسطينية وارتدى الألم السوري جنسيةً أخرى، فضاقت به الأرض والسماء، ضاقت به حيطان طفولته ومراهقته، لم يعد يملك إلا الغربة خارج الوطن، أو اللجوء داخله ليغدو الوطن منفى ويكون كغريب فيه.

 إلى أين نذهب بعد الحدود الأخيرة، أين تطير العصافير بعد السماء السابعة؟

تطير عالياً يا درويش، تطير إلى مكان حيث الدم يغدو مقدساً ويكون للفرح أهبة كبيرة تصعد بنا بجناحها، تطير إلى مكان لايشبه حربنا وصراعنا، ونذهب نحن، نذهب إلى حدود لا ندري آخرها.

حتى الحدود اللامتناهية لم تعد تسعهم، فرّوا إلى مكان لا حرب فيه، فتقاذفتهم أمواج الغربة وباتت المعاناة عنوناً لمأساتهم.

في الزعتري، في تلك البقعة الممتدة على أرض الأردن يعيش سوريون تعددت مآسيهم وقصصهم، ما إن تدخل إليه وتبدو غريباً حتى ترى عيون الأطفال ترنو إليك، وتسمع ثرثرة السيدات أمام خيامهن يتباحثن أمر ذاك الغريب الذي دخل.

وجد السوريون هناك أنفسهم فجأة في مجتمع غير الذي كانوا قد عاشوا فيه، تغربوا عن كل شيء، ونتيجة وجودهم في مجتمع غير طبيعي باتت حياتهم غير طبيعية، تغير كل شيء فيها، خرجوا إلى المخيم عائلات متفرقة، واحدة فقدت زوجها، والثانية ثُكِلَتْ بأبنائها وعائلات أخرى أُبيدت كلها فلم يبقَ بها إلا طفل يتيم أو شابة قد تضطر للزواج من أي رجل يتقدم لها للهروب من مأساتها  وشبح الحاجة والفقر.

الزواج المبكر، أحد أبرز المشاكل المنتشرة في المخيم، إذ تلجأ العائلات هناك إلى تزويج البنات في أعمار مبكرة لرجال مع فارق كبير في السن أو تُزَوَجُ الفتاة دون السؤال عمن يتقدم لها.

أم عهدأم لسبع بنات، كان شبح الفقر والفاقة والخوف من الاغتصاب يراودها كل ليلة، حتى باتت تزوج بناتها لأي رجل يتقدم لهن، إذ زوجت أصغرهن بعمر 13 سنة لرجل أكبر منها، فأنجبت منه طفلاً وهي حالياً حامل، وأخرى بعمر 17 سنة لرجل بفارق عشرين عاماً، بينما لا ينظر إلى رأي الفتاة في موضوع يخص مستقبلها وحياتها ابداً ويلجأ الرجل لإخضاعها للباس معين كأن ترتديالخماروغير غريب اختيار مجلة التايمز لصورةزواج القاصراتفي الزعتري كأحد أكثر الصور تأثيراً لعام 2014.

بينما خارج حدود المخيم تبرز مشاكل أخرى أولها، منع السوريين في الأردن من العمل دون تصريح، ولا يستطيع أغلب السوريين هناك الحصول على تصريح عمل حيث يكلف ألف دولار ومع ذلك لا يستطيع أيّاً كان الحصول عليه، بينما تعمل نسبة متدنية جداً من السوريين في الأردن خلسة ودون إذن، وهذه الفئة لا تتعدى ربع السوريين المتواجدين هناك، لكن إذا تمت مساءلتها من قبل شرطة الوافدين عن التصريح ولم يكن معهم، دفعوا ضريبة 50 ديناراً، وإذ قبض عليهم مرة أخرى يتم ترحيلهم إلى الزعتري.

هذا الأمر أعاق كثيراً من السوريين عن العمل، بينما في الزعتري يعملون أعمالاً شاقة متعبة لقاء أجر زهيد، لكن الكارثة تكمن في عمل الأطفال هناك، إذ ترك الكثير من الأطفال مدارسهم للعمل في الأعمال الشاقة كالحفر، ومنهم من لم يتجاوز بعد العاشرة من عمره، كالطفلأيهمذي الأعوام الثمانية، الذي يعيل عائلته بأكملها بعد عجز والده وبتر قدمه نتيجة القصف على منزلهم في درعا حيث يخرج الطفل الصغير كل يوم إلى مفرق الزعتري ويعمل في الحفر ويعود مساء، وليست حالة أيهم هي الأولى لتجعلنا نصمت من هول الدهشة إنما وللأسف تتعدد حالات عمل الأطفال هناك دون رعاية لأبسط حق من حقوقهم وهوممارسة الطفولة“.

ويشكل الأطفال 40% من سكان المخيم الذي يتجاوز عدده 90 ألفاً، معظم هؤلاء الأطفال محرومون من أدنى مقومات الحياة، وبعضهم تحول إلى عدواني شرس بفعل الوضع السيء الذي يعيشون فيه، بينما يحظى التعليم بمكانة خجولة عندهم إذ يتلقى 16ألفاً من أطفال المخيم التعليم ضمن ثلاث مدارس رئيسية في المخيم، لكن المشكلة تكمن في المناهج الأردنية عسيرة الفهم، إضافة إلى أعداد الطلاب الكبيرة في الفصل الواحد والتي تتجاوز مئة طالب في كل فصل مما يصعب الفهم لدى الأطفال.

ومع تعدد المآسي والقصص في تلك البقعة الممتدة في أرض غريبة، تتعدد معها المشاكل داخل المخيم بين سكان المخيم أنفسهم، وأبرزها يتبدى في ظهور الطبقية والبرجوازية بينهم فقد يحصل أحد اللاجئين على أربع أو خمس كرفانات في مقابل آخر يحصل على خيمة واحدة، أو عائلتان تعيشان في خيمة واحدة، دون وجود مراقب لهذا الوضع أو منظم له، إذ يقوم التوزيع أساساً على العشوائية.

وتبرز الحاجة إلى الكرفانات الآن في فصل الشتاء، إذ أن الطبيعة الترابية في المخيم وتحولها إلى طين عند تساقط الأمطار يعيق الحياة هناك ويعرض اللاجئين للبرد الشديد القارص كما تعرض حياة الأطفال لخطر الأمراض، إذ يبلغ عمق الطين هناك 20سم، وعدم وجود رعاية صحية مناسبة يزيد من خطورة الإصابة بالأمراض.

بينما تزداد الهواجس لدى اللاجئين السوريين في الأردن من انقطاع المساعدات هناك خاصة بعد تخفيض المساعدات الغذائية إلى النصف خارج المخيم حيث باتالكوبونالغذائي بقيمة 13ديناراً، بينما في المخيم لازال محافظاً على قيمته الأصلية 24ديناراً ويعتقد الكثير من السوريين أن هذا محاولة لإجبار الناس للذهاب إلى الزعتري.

وللتعليم خارج المخيم قصة أخرى إذ لا يتلقى الطلاب السوريون هناك التعليم بشكل مجاني إنما يدفعون اشتراكاً للكتب واشتراكات سنوية، أما من حاول إتمام دراسته الجامعية فإنه سيدفع مايزيد عن 1500 ديناراً في الفصل الواحد، مما يعني حرمان عدد كبير من الطلاب من إتمام دراستهم الجامعية واقتصار هذه المرحلة على ميسوري الحال.

وإلى شمال غرب الأردن في لبنان حيث موطن النزوح الآخر للسوريين والذي اتخذ قراراً يقضي بمنع دخول أي سوري إلى أراضيه، بات السوريون هناك يعانون من خناق يشدد عليهم أكثر من ذي قبل ولا شك بأن المصالح السياسية في القطر الشقيق باتت تلعب دوراً هاماً، إذ أن دخول لبنان في معمعة الحرب في سوريا جعل من أزمة اللاجئين ورقة يهدد بها الفصائل العسكرية التي تقاوم القوات العسكرية التي زج بها المحور اللبناني الداعم لبشار الأسد.

الأمر الذي خلق هجوما شرساً على السوريين، ولا يغيبنَّ عن أحد العنصرية المستشرية بشكل واسع في لبنان وبين اللبنانيين أنفسهم، فكيف بالغريب الداخل إلى أرضهم؟!

تصعدماريناإلى الباص، وتلفت الأنظار إليها عند تلقيها اتصالاً من صديق لها تحدثت معه باللهجة السورية، لتسمع ثرثرات بجانبها من امرأة لبنانية قائلة: “خربتوا سوريا وجايين تخربوا عنا، تركوا البلد بقا وامشوا، حتى على لقمة الأكل عم تزاحمونا، أنتو سبب الغلا كلو“.

في الحقيقة لم تملك مارينا صبرها أمام هذه الإهانة الغير مبررة من السيدة اللبنانية، فردت عليها ولولا تدخل راكبي السيارة لوقعت مشكلة كبيرة.

العنصرية هي أكبر داء هدد السوريين في لبنان، يكفي أن تذهب لطلب عمل فتحصل على أقل من نصف أجر اللبناني، إذ لا يزيد راتب السوري هناك عن 600$ في أحسن الأحوال في بيروت، بينما في عرسال يعيشون على 200$ ولأوقات عمل تزيد أحياناً عن 12 ساعة.

هذه الرواتب المتدنية والتي لا تتناسب إطلاقاً مع المعيشة المرتفعة في لبنان تضع السوريين في مأزق شديد، وتجعل من كل أفراد العائلة يعملون حتى أصغرهم، بينما تبقى العائلة التي بلا معيل تعيش على المعونات التي تقدمها الجمعيات الخيرية والتي لا تسد إلا القليل من احتياجاتهم.

أما مناهج التعليم والتي كلها مكتوبة باللغتين الانكليزية والفرنسية فقد أعاقت الكثير من الأطفال عن فهمها ودراستها، مما حرمهم منها، أضف إلى ذلك خوف الأهل الشديد من إرسال أبنائهم إلى المدارس خوفاً من احتكاكهم مع طوائف أخرى أو دخولهم في حديث سياسي مع غيرهم، وتشير الفيديوهات المسربة على صفحات التواصل الاجتماعي لعنصرية في التعامل مع السوريين إلى خطر حقيقي يهدد فئة كبيرة من السوريين والذي تجاوز عددهم بحسب الأمم المتحدة مليون ونصف لاجئ.

وإلى الشمال باتجاه تركيا ربما يكون وضع السوريين أفضل مما هو عليه في دول الجوار، إذ أن المخيمات وبشكل عام مخدمة بشكل جيد بفضل تعاون الحكومة التركية في هذا المجال ويترك للناس داخل المخيمات حرية العمل لكن ضمن نطاق المخيم، أما خارج حدود سور المخيم يقف سور اللغة والتي باتت عائقاً كبيراً أمام السوريين الباحثين عن فرصة عمل، وانحصرت مجالات عملهم في ثلاث مستويات، في المصانع أو المطاعم السورية، أو المؤسسات السورية التابعة للثورة والتي تعمد إلى المحسوبية في كثير من الأحوال، فيعمد المسؤول في أحد المنظمات أو المؤسسات إلى توظيف كل أقاربه بلا خبرة مما يحرم الكثير من أصحاب الخبرة في هذا المجال من تلك الفرصة، حتى بتنا نرى حملة الشهادات العالية من أطباء ومهندسين يعملون في المطاعم، بينما يتمكن الناس ميسوري الحال من إقامة مشروع هناك ويقوم بتشغيل عدد من الأيدي العاملة السورية، إلا أن الأجور وقياساً للمعيشة متدنية وقد يضطر كل أفراد العائلة للعمل إذ يبلغ متوسط الدخل هناك في المجالات آنفة الذكر بين 300-700$، بينما حظي التعليم باهتمام من قبل الحكومة التركية وساهمت بحل مشاكل آلاف الطلاب هناك، بينما يتداول السوريون الحدث الأبرز اليوم وهو افتتاح جامعة تركية خاصة للسوريين.

وفي أم الدنيا والتي بات السوريون ينعتونها بتكهم أنها صارتزوجة أبيهاعليهم، تكمن المأساة في صعوبة الدخول إليها إلا بموافقة من الأمن العام تقضي بدفع مبلغ 3000$ كأقل تقدير دون النظر للحالات الإنسانية للسوريين في مصر.

قد تجد الكثير من العائلات المتفرقة والتي لا تستطيع لم شملها نظراً لقرار الحكومة المصرية الجائر بمنع دخول السوريين إلى مصر، بينما تأتي قضية حرمانهم من المساعدات حديثهم اليومي، إذ ان المفوضية وضمن برنامج إعادة تقييمها الجديد عمدت إلى قطع المساعدات عن أغلب العائلات السورية باستثناء المرضى بأمراضٍ خطيرة وكبار السن والمعاقين، بينما قد يحرم رجل لديه ثمانية أطفال من المعونات لأنه لا يندرج ضمن القائمة السابقة، ويبقى الخوف من حرمانهم من المعونات الغذائية شبحاً يؤرقهم كلما سمعوا خبراً عن تدني المعونات المقدمة للمفوضية، ولا عجب في ذلك إذ لايستطيع السوريون هناك أن يتحملوا كثرة المسؤوليات في ظل راتب متدنٍ جداً لا يتعدى 200$ لقاء عمل 12ساعة، بينما يبلغ أجار أقل منزل هناك 150$ في أسوأ أحواله، ومع هذا لا يجد الكثيرون فرصهم في العمل نظراً لأن المصري نفسه لايجد عملاً فكيف بالغريب؟!

الأمر الذي يدفع الكثير منهم إلى سلوك طريق الموتالهجرة في البحرطمعاً في الحياة الأبدية الكريمة التي يحلمون بها، فيضطرون إلى الاستدانة من هذا وذاك أو بيع كل ما يملكون ليدفعوه لشخص مارس تجارة البشر حتى لم تعنيه تلك الأرواح شيئاً، فقد يلقي برحلة في عرض البحر أياماً طويلة في انتظار رحلة أخرى لتحمل الركاب جميعهم والذين يتجاوز عددهم في غالب الأحيان 500 شخصاً في مركب واحد مهترئ، في غالب الأحيان تكون الرحلة خطرة ومميتة ويحصل حوادث غرق أو اختفاء وليس ببعيد عنا غرق قارب 6-9-2014 الذي لم ينجُ منه إلا ستة أشخاص، أو حادث 24-8-2014 المنطلق من زوارة في ليبيا والذي جعل من صفحات التواصل الاجتماعي مكاناً ليتعرف فيه الناس على مفقوديهم.

كل ماسبق كان في محاولة للهروب من الموت، من الحصار المحدق في كل حي من أحياء سوريا التي تعيش على وطأة الموت، وكأن السوريين لم يشبعوا موتاً وذلاً وقهراً طيلة أربع سنوات من عمر الحرب، ليستمر حصار الأسد عليهم، وحصار آخرين استغلوا حالة الفوضى والسلاح لبث الرعب في قلوب المدنيين أو استغلال وضعهم الاقتصادي المتردي.

في داخل أحياء دمشق والتي كانت أضواؤها تشغل فؤاد أي دمشقي، تراها معتمة، كأنها خائفة من الموت أو أنها تتجهز لوجع قادم، حتى المدن باتت تحس بآلام ساكنيها، إلا أنها صامتة لا تجرؤ على التعبير عما بداخلها، كيف تبكي المدن؟ تبكي بكاء شهيد لا نسمعه!

لا ماء ولا كهرباء ولا اتصالات، فقط غلاء، غلاء بتنا في جحيم دائم

عبارة قد تسمعها عندما تحاول أن تطمئن على قريب لك من داخل دمشق، إذ باتت الكهرباء تقطع لساعات طويلة يومياً، حتى أنها بالكاد تأتي ساعتين أو ثلاثة يومياً بينما بات الماء يقطع لخمس أيام وأكثر، بردى الذي كان يروي دمشق كلها مع غوطتيها، بات عقاباً لساكني دمشق!

وبعيداً عن دمشق، قريباً من غوطتيها ترى الحياة في الغوطة الشرقية حياة أخرى، إذ أن المحاصرين هناك يفتقدون لأدنى شيء من مقومات الحياة، أما المواد الغذائية فأسعارها باتت أضعافاً مضاعفة عن المدينة، مما دفع الناس لأن يلجؤوا لاستثمار الأراضي الزراعية في زراعة الحبوب، إلا أن الخطر الحقيقي الذي يهددهم هو مشكلة تلوث مياه الشرب نتيجة القصف المستمر واستخدام أسلحة محرّمة دولياً، مما تسبب بانتشار أمراض كالسل والكبد الوبائي والكوليرا، يأتي ذلك مع غياب العلاج لهذه الأمراض إلا الذي يتم تهريبه من خارج الغوطة.

يحاول الناس هناك بكل ما أوتوا من أمل أن يعيشوا يومهم إذ وجدوا ألّا بديل لهذا سوى بسمة يرون من خلالها فرجاً قد يطل قريباً على سوريا.

هنا من قلب الحصار ومن حدود المنفى، قد تصدق مقولة درويش، هكذا يتحدث الزمن دائماً ..

سنكتب أسماءنا بالبخار الملوّن بالقرمزي، سنقطع كف النشيد ليكمله لحمنا ..

وسنكتب نحن من دموع ألمنا نشيد الحياة يوماً ما .. حياة مهما طال صراع الظلم فيها إلا أنها ستكون كريمة على من سعوا إليها يوماً .. 

 

يمنى الدمشقيسة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى