مقال رأي

الطفولة المعذبة !

بقلم ماجد العمري

قصة من الواقع السوري

(صبحي الباب) التقيت به على عجالة ،كنت أستقل سيارة إلى بلدة الجينة إحدى قرى ريف حلب الغربي، استوقفني على مفرق طريق يوصل إلى بلدة مجاورة وقد لوح بيده؛ وبالأخرى يقضم بقايا تفاحة، وقفت بجانبه فسألني أين طريقك يا عم ؟ قلت الطريق الذي يوصلك إلى بيتك بأمان صعد بجانبي وملامح طفولة معذبة تنبعث من ثيابه وكان لي حديث معه:
حدثني يا بني عنك ؟ اسمي صبحي الباب نازح من حلب الأنصاري منذ شهر تقريبا، إحدى عشرة سنة عمري
لا أذهب للمدرسة ؟!
لم لا تذهب إلى المدرسة ؟! لايعطوننا شيء جديد …كل يوم وظيفة ثم يصرفونا وما عم أستفيد هيك شي ؟
بأي صف أنت ؟ السادس عمي .
لكن ماذا تعمل الآن ؟ أعمل حداداً في قرية أخرى بعيدة من بيتنا 
هل تحب هذه المهنة أكثر من المدرسة ؟
نعم لأني سأتعلم مهنة وأكسب نقوداً أساعد بها والدي .
وكم تأخذ ؟ 1500 ليرة سورية أسبوعياً من 8 أو 9 صباحا إلى 3 أو 4 حسب ضغط الشغل.
لكنك صغير والطريق بعيدة ألا تتعب وأنت تركب الطريق كل يوم؟ لا فهذا قدري وساتعود عليه.
كم عندك من الإخوة ؟ ثلاثة ذكور وأختان .

ووالدي الذي يبيع الخضار والفواكه مع أخي الذي يكبرني قليلا لنعيش و أمي ..ثم سكت والدمعة احترقت في عينيه الزرقاوين ..وماذا يابني؟ لقد ماتت مع أخي الصغير بسقوط صاروخ علينا عندما كنا في حلب فكم مشتاق إليهما .

ومن يرعاك وأخوتك ؟ لقد تزوج والدي بواحدة أخرى لترعى أخوتي الصغار لكنها ليست كأمي الحنونة وصلنا البلدة التي يقصدها وقد تنفس الصعداء ..هنا ياعم … نستأجر بيتا وسط القرية وأشار بيده النحيفة التي يكاد يبين عظمها إلى بيت أشبه بخرابة.

رمقني بنظراته الحادة التي امتزجت بها طفولة وبراءة مع متاعب الحياة وصخبها ….فتح الباب بعد أن أغلقت أبواب المدرسة والحياة على اتساعها المستقبل في وجهه ،وقفز كأرنب ليعدو في هذه الغابة الكثير ذئابها،ورائحة الطفولة المختلطة بالزيت والشحم تفوح كعطر منه، وشيء من طين شتاء لا يرحم برده امتزج بثوبه الرث …

ابتعد شيئا فشيئا حتى دخل في الغياب …حقاً إنها طفولة معذبة!! ..قد فرض العذاب عليها وألبسها الشقاء ثوبه بعد أن أحرقت الحرب المدلهمة المستعر أوارها مستقبل الآلاف من أقرانه ،وأذبلت فرحتهم حياة البؤس التي كست ثغرهم حزنا نضج في غير أوانه؛ فلا السماء بكت لحالهم ولا الأرض رقت لبراءتهم ، بل على العكس تماما ؛كانت السماء تحصد أرواحهم بحقد الطائرات التي تشرعن بقوانين الشيطان – أعاذنا الله – قتلهم وإبادتهم …. فهل من يوقف حزنهم الأبدي وينير ليلهم السرمدي ؟!!

ملاحظة : وكالة خطوة الإخبارية لا تتبنى وجهة نظر كاتب المقال وليس من الضروري أن يعكس مضمون المقال التوجّه العام للوكالة

1-01

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى