الشأن السوري

القضاء الموحد : الجميع مدان ولا طريق للبراءة

تضيع البوصلة في خضم الحرب الشعواء التي تشن على الشعب السوري , و التي تحوّل معها البعض من باحث عن حرية الى قامع لها , و من ساعٍ الى العدالة الى فاتك بقوانينها , و لم يستطع الخروج من فكرة “تخوين ” المخالف التي زرعها النظام السوري القمعي 40 عاماً , و نسوا أساسيات القانون الذي يقوم على”المتهم بريء حتى تثبت ادانته”.

صدور قرار من القضاء الموحد في الغوطة اليوم ٫ بحظر نشاطات وكالة خطوة في الغوطة الشرقية بتهمة تعنتها في نشر استطلاع ٫ اعتبره “مسيء ” للثورة عموما وللغوطة خصوصا ٫ وفق رأي رافعي الدعوى ، مع تهم بالعمالة و ووجود أصابع شيطانية بتلك الوكالة التي تعمل منذ عامين في كافة المناطق المحررة لتوصل الواقع المر الذي يعيشه الشعب السوري .

و المريب في مجريات القضية هي صدور الحكم بشكل قطعي, و غير قابل للاستئناف , دون أن يكون هناك أي استماع أو تقييم للاستطلاع من قبل مختصين ٫ إذ تم الاكتفاء بالمدعين ليكونوا خصماً و حكماً في آن معاً ٫ و أتبعها المدعيين بمواصلة عملهم بكيل التهم و التي لايجوز لأحد أن يطالب بالدليل عليها ٫ إذ يكفي أنها صادرة من هذا الشخص أو ذلك , و ان كانت حجة القضاء بأنها لا تتبع قواعد وضعية كتلك التي تنص على ان “المتهم بريء حتى تثبت ادانته” , فحجة كتاب الله واضحة لهذا المعنى الموازي للقانون الوضعي , فجاء في سورة يونس آية 36 “وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ”.

و الدخول في حيثيات المحاكمة والاسلوب الذي انتهجته المحكمة “جهلاً أم تعمداً” يفتح الباب لكثير من المساءلات٫ لحد تجعل من القضية عبارة عن قضية شخصية بحتة ، لاغاية لها إلا إظهار ذم لموقع ثوري من قبل مجموعة موجودة اختارت لنفسها أسماء و صفات و تربعت على سلطة وهمية لا مقومات لها و لا أسس , دون ان يدعى شخص يمثل الشخصية الاعتبارية للوكالة ليتم توجيه التهم الى الجهة التي يمثلها , و لاعطائه فرصة تقديم الأدلة و تقديم افادته باسم الوكالة.

ليصدر الحكم دون أن يكمل مقومات الدعوى الجزائية أصلا , قرار قضائي بوجود مدعيين فقط , و دعوة مراسل الوكالة لا تعني توجيه الدعوى للوكالة , فللأول شخصيته الطبيعية المستقلة عن الشخصية الاعتبارية للوكالة و لسنا في معرض الدفاع عن فيديو الاستطلاع الذي كان على سجيته , و الذي حوّل البعض الى المحقق كونان وباحث عن “المتآمر” ٫ وبدأ بلصق التهم على المصور و الوكالة و الناشر و حتى المشاهد فالجميع آثمون و متخاذلون , وكأننا لم نخرج لنطالب بحرية الرأي , أم أن الحريات تتجزأ , و تتخبط حيثما نريد ان نوجهها , و كيفما شخصناها.

المشهد الاعلامي في الثورة السورية تصدره شخوص و شخصيات كثيرة , حجزت لنفسها مكاناً إما مستحقاً ناتج عن جدارتها أو بناء على شجاعة مفرطة , أو وفق مبدأ “هذا الموجود” , وهذه “الفئة الأخيرة” , تضع “نظرية المؤامرة” في جيبها و , تكون دوماً حاضرة للاخراج و الضرب بها ضد أي شيء لم يسر على أهوائها أو مصالحها الضيقة التي تلبسها لبوس “العمومية” , هذا كله ان كانت رقم في طبقة معينة فكيف إذا تصدرت المشهد , فحتماً ستجتهد لاختلاق أمور و لو كانت أوهام واصطناع “انجازات” لتقول أنها “موجودة” و جديرة بالمكان.

148

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى