مقال رأي

“عهد التميمي” خطاب المظلومية واستدعاء المأساة، أن تحتكر المعاناة أكثر

بقلم: دينا بطحيش.

 

نالت “المناضلة” الشقراء عهد التميمي اهتماماً واسعاً وصاخباً في أوساط الصحافة العربية والعالمية، ولم تكن كـ مثيلاتها من اللواتي اعتقلتهن أجهزة الأمن الإسرائيلية في سجونها، أو حتى ممن تعرضن لتعذيب جسدي ونفسي شديد في السجون، فضلاً عن أنها سُجنت بسبب صفعها لأحد الجنود الإسرائليين، تخيّل!؟

لو افترضنا أنها ذات أقلية “أثنية، عرقية، أيدلوجية، دينية” لكان من المبرر نوعاً ما هذا الاهتمام الواسع، إلّا أنها لم تندرج تحت أي مما ذُكر، أو ربما لكونها فتاة مناضلة أحيّت الغريزة القومية وشحنت العواطف الإنتمائية عند الأشقاء العرب، بعد ثمانِ سنوات عجاف على التخبّط في المواقف الضمنية اتجاه أحقية الشعوب في انتفاضة الربيع العربي بين مؤيدٍ ومعارض.

اعتبر بعض المتابعين أنَّ ما حدث مع التميمي كانت خطة “صهيوإسرائيلية” مُحكمة، لتوجيه الأنظار عن جرائم نظام الأسد بحق السوريين وخصوصاً بعدما دُقَّ المسمار الأخير في نعش الثورة، خسارة درعا مثلاً، معتبرين أيضاً أنه تم استغلال قضية اعتقال التميمي لإيصال فكرة بطريقة غير مباشرة تمهيداً لشرعنتها بأنَّ إسرائيل أرحم من بشار الأسد، وإن كان كذلك.

في العودة إلى اعتقال التميمي، شخصياً اعتبر أنه من المخجل المقارنة ما بين سجون الأسد وإسرائيل، ولن أتبنى الفكرة التوارثية بأنَّ الأسد كان الحمل الوديع أمام نقيضه لأنه ببساطة فاقهم هتلرية، وبعيداً عن اعتبارية أنَّ إسرائيل دولة احتلال واستيطان وجريمة ممنهجة وكل المفردات المهترئة التي اعتدنا سماعها، إلّا أنها ورغم بشاعتها كانت لطيفة بعض الشيء أمام ما شهدناه في معتقلات بلادنا.

أجابت التميمي عند سؤالها كيف كانت تقضي وقتها أثناء فترة الاعتقال، أنها أنهت دراسة التوجيهي الشهادة الثانوية كما أنها كانت تقرأ العديد من الكتب وتمضي أوقات ترفيهية مع زميلاتها المعتقلات من غناء ورقص وتحضير إفطارات جماعية…، سأكتفي بهذه الجُمل، أليس من المخجل أن تقارن بين معتقل حُظي بـ محاكمة قانونية وكان على تواصل هاتفي مفتوح وزيارات لـ ذويه طيلة فترة اعتقاله وحريّته الكاملة بإستكمال تعليمه وتحصيله الجامعي وحتى إمكانية زواجه كـ (سمير قنطار) وهو داخل المعتقل، وآخر أخبروا عائلته عبر اتصال هاتفي مشابه أنَّ ابنهم قُتل تحت التعذيب حتى أنهم لم يحظوا برفاهية إستلام جثته.!

أذكر أنه عندما خرجت من معتقلات الأسد في عام 2013 لم أحظى برفاهية غسل وجهي، حتى قبيل دخولي لقاعة المحكمة السرية التي عُرضت عليها والتي كان من المفترض أن أبدو أمام اللجنة القضائية بأفضل حال، على اعتبار أنني كنت في “مؤسسة تأديبية” الجملة التي قالها لي أحد ضُباط الفرع قبل ترحيلي لمحكمة الإرهاب، سُخرية..

مُحرج حقاً الحديث بهذه الثنائية عن الحالتين، ومن المفارقة أيضاً أن يتزامن خروج عهد التميمي من المعتقلات الإسرائيلية في ذات الوقت الذي أفصح فيه نظام الأسد عن مصير الالآف من المعتقلين والذي سُجّلوا تحت بند (الوفاة الطبيعية) علماً أنَّ من بينهم المئات من اللاجئين الفلسطنيين السوريين، أنا لا أريد أن أحرّف البوصلة العربية والإسلامية عن مركزيّة القضية الفلسطينية، ولن أحسدكم على جلادكم، لكن أرجوكم لا تتبجحوا في الحديث عن المعاناة.

 

ملاحظة : وكالة ستيب نيوز لا تتبنى وجهة نظر كاتب المقال وليس من الضروري أن يعكس مضمون المقال التوجّه العام للوكالة

 

دينا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى