مقال رأي

“البلد ما عادتْ بلدنا”

بقلم أحمد أبو الوليد

كانَ الطَّريقُ مُتعبٌ و مازال مستمرٌّ ، أعداءٌ هنا و هناك و أشلاءٌ باتتْ تحتَ التُّراب بعدَ أنْ دفعَّتْ ثمنَ حريتَها…

في تلك اللَّيلة كنتُ قد غرقتُ في مُخيلتي و أقتربتُ أكثرَ فأكثر من تلك البلاد دخلتُها عبرَ مُخيلتي و لم أتركْ أيّ شبرٍ فيها.

القصةُ بدأتْ مِنَ الجنوبِ من هناك حيثُ المهد و الصَّرخةِ الأوُّلى حيثُ ‘حمزة و رفاقِه’ ؛ درعا لم تحتضنني نظرتُ في زواياها كان لِأبناءِ روسيا مكاناً فيها ، حاصروني من كلِّ جهةٍ و معهم رفقاء الأمس بمسمًى جديدٍ و لباسٍ جديد ، لباسُ الذُّل و الهوان.

اتخذتُ قراري و مشيتُ بطريقي لِدمشق! كان موحشاً على غيرِ العادة ؛ رغم أنَّ هوائَها لم يتغيَّر هي الشَّامُ بعذوبتِها ؛ ولكني في اللَّحظةِ الأخيرة لم أجرؤ على دخولِها فالعمائم كانتْ طاغيةٌ على المشهد و اللَّطمِ على الحَسن و الحُسين عَمَّ في عاصمةِ الأمويِّين ، خنقَني المنظر و توقفتُ عند مدخلِها ، دمدمَ بأُذني صوت: “لا تدخل إنَّها لم تعُد لكم” كانَ حنيني إليها يقتُلني ، و لم أصل! منعني أبناءُ الزناة منها.

أكملتُ الطَّريق إلى وسطِ البلاد و أنا ارتجفُ خوفاً من أنْ تكون باقي البلاد قد نُهبت أيضاً كانت المحطَّةُ التَّالية ‘حمص’ لكنَّها ليستْ كما السَّابق ! لم تعُد جميلة كما عهدناها حمص الوليد ، دمرَّها الغزاة ، دمرَّتها قذائفُ الحقدِ قبلَ أنْ تُهجِّر أهلُها ؛ قُصِمَ ظهرَها مدينةُ خالد ابن الوليد …

و مازلتُ ارتجفُ خوفاً لِما تبقى من بلادي أكملتُ الطَّريقَ إلى أنْ أجدَ مكاناً جديداً ، الطَّريقُ كانَ طويلاً و الهواءَ بدأ يتقطرُ عليّ ؛ انقطعَ ! لا لم ينقطعْ إلا أنَّ حاجزاً لم أفهم ما يُريد كان قد أوقفَني لدقائقٍ ، أكملتُ الطَّريقَ حتَّى وصلتُ لأزقةٍ كنتُ أعرفُها ، أحفظُ ملامحَها لكنَّ المكانَ موحشٌ ! أكملتُ في تلك الأزقة حتَّى تأكدتُ من أنَّها رقتَّي شعرتُ بالسَّعادةِ لأوَّلِ مرةٍ في بلادي ولكن الأعلامُ كانت مختلفةً ، ألواناً لم أعهدها و صوراً لِأشخاصٍ لا أعرفُهم.
كانَ يتواجدُ فيها العديد من النَّاس غير أنَّهم باتوا مختلفين ، وجوهٌ و لهجةٌ لا أعرفُها ، كان للطائفةِ و العِرق مكاناً واسعاً في الرَّقة و الرَّقة كلّها لأبناءِ الغرب ! لم أستطع البقاء

في اللَّحظةِ ذاتها كان هواءُ الشَّرقِ يجرُّني إليه حيثُ مدينتي و ما تبقى لي من هذه البلاد كنتُ قوياً هذه المرَّة و وصلتُ أسرعَ من كلِّ المرَّات السَّابقة دخلتُ مهرولاً مُتَّلفتْ في كلِّ زاويةٍ ، كان هناك الكثير من الناس إلا أنَّ أصحابَ اللِّباس المموه الأغلب ، رأيتُ عمائماً- شعاراتاً- طائفةً ؛ تذكرتُ أوَّلَ صوتاً همسَ في أُذني : “أنتَ سُنِّي” لم أجرؤ على الجواب فهززتُ رأسي بِـ(نعم) لكنَّه همسَ مجدداً : “لا تبقى” تجرأتُ على الحديثِ من جديد : “لماذا” عادَ و همسَ ولكن الصَّوت كان منخفضاً حينها ” لا تبقى لم تعُد بلدك( ارحل) ” الحنينُ أجبرَني أنْ أبقى فيها لِـلحظات لِـثواني لكن لم تصل لساعات.

كانَ لا بدَ أنْ ينتهي الخيالُ ؛ و انتهى و عادَ الطَّريقُ طويلاً كما كانَ و كما رأته عيني تماماً أسلاكاً شائكة و حُرَّاساً في كلِّ مكان ، وجوهاً غريبة ، أُناسٌ لم أعرفهم و لم يعرفوني لم أجد ما اشتهيه و وجدتُ كلَّ ما لا اشتهيه

كان الحاكمُ هناك روسي و أمريكي و شيعي و طائفي و عبدٌ ، و بعدَ كلِّ هذا لم يحكمها الأحرار ! ليستْ لنا و لن تعودَ لنا كانتْ موحشةً أكثرَ من الوصفِ

عُدتُ إلى واقعي و كانَ في رأسي شيءٌ يقول “البلد ما عادتْ بلدنا”.

ملاحظة : وكالة ستيب نيوز لا تتبنى وجهة نظر كاتب المقال وليس من الضروري أن يعكس مضمون المقال التوجّه العام للوكالة

مدونة الأشخاص 3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى