الشأن السوري

من جسد الثورة السورية … البوكمال

مدينة سورية تقع إلى أقصى الشرق من سوريا على الحدود مع العراق على خط العرض 532 شمال خط الاستواء , نهر الفرات الذي يمر بالمدينة كآخر محطة سورية له قبل دخوله الأراضي العراقية جعل منها مدينة زراعية بامتياز تشتهر بثروتها النباتية الى جانب تربية المواشي ( الأغنام ) التي يمتهنها سكانها.
تمتد المدينة من الفرات شمالا حتى صحراء الحماد السورية جنوبا ومن حدود مدينة القائم العراقية شرقا حتى قرية الدوير التابعة لمدينة الميادين غربا.

يبلغ تعداد سكان مدينة البوكمال وريفها ما يقارب 375 الف نسمة ينتشرون وفق النسب التالية ( 115 الف في المدينة و260 الف في الريف ) و يتبع للمدينة 3 نواحي إدارية هي ناحية هجين وناحية الجلاء وناحية السوسة.

أنشئت المدينة عام 1864 كتجمع سكاني حول الثكنة العثمانية على نهر الفرات في منطقة كانت تسمى النحامة واستمرت في التوسع حتى وصلت إلى ماهي عليه الآن , وتختلف الروايات حول تسمية مدينة البوكمال بين قولين الأول وهو القول الراجح نسبة إلى عشائر البوكمال أحد افخر عشيرة العقيدات المعروفة والتي سكنت المنطقة منذ القدم ودارت بينهم وبين العثمانين وبينهم وبين قبائل شمر صراعات مشهورة في التاريخ , والقول الثاني ان تسمية المدينة جاءت نسبة إلى درويش أفندي المكنى بابوكمال والذي عين قائد الثكنة العثمانية زمن نشأة المدينة.

قدمت هذه المدينة وعشائرها جميعا الدماء رخيصة لأجل حريتها من الاحتلال الإنكليزي ومن ثم الاحتلال الفرنسي حتى نالت حريتها كأول مدينة في سوريا وقبل إعلان استقلال سوريا بعام كامل حيث رفع العلم السوري على الثكنة الفرنسية ضباط أحرار من أمثال سليم الأصيل و صبحي بنود وذلك بحماية من جيش مشترك من عشائر المنطقة، و من أهم المعارك التي دارت مع الاحتلال الإنكليزي في تلك الاثناء معركة المجرود ومن ثم معركة النسورية مع الاحتلال الفرنسي .

عانت هذه المدينة بسبب بعدها الجغرافي عن مراكز القرار في سوريا من الإهمال زمن حكم البعث لسوريا بقيادة حافظ الأسد سابقا وابنه بشار الأسد فيما بعد، وكانت بركان غضب دائما واشتهرت بانتفاضة عام 1991 أثر الحرب على العراق اخمدت حينها بالقوة .

انطلقت اول مظاهرة فعلية في مدينة البوكمال في تاريخ 24 /3/2011 وتم إيقافها نتيجة تدخل إحدى العشائر وخوفا من حدوث فتنة سعى لها النظام لاعبا على الوتر العشائري والقبلي, ولكن في الجمعة التي تلت التاريخ السابق خرجت المدينة في تظاهرة حاشدة في جمعة اطلق عليها السوريون حينها ” جمعة العزة ” تعامل معها النظام بحذر وطلب من أحد الشيوخ ( رجا دحام الدندل ) تهدئة المتظاهرين  الذين كانو يهتفون لدرعا وللحرية  و يطالبون بالإفراج عن السجناء من أبناء المدينة.
على إثر تلك المظاهرة اعتقل عدد من مثقفي المدينة ومنهم الدكتور يوسف البان المشوي وفارس الفارس وتم الإفراج عنهم سريعا تحت ضغط الشارع لتنطلق بعدها مظاهرات حاشدة جدا في الجمع التي تلتها .

في تاريخ 15/4/2011 قام المتظاهرون بمهاجمة شعبة الحزب في البوكمال وتحطيم تمثال حافظ الأسد و صور بشار الأسد وتصدت لهم قوات النظام حينها بالرصاص الحي , لتستمر بعدها التظاهرات حتى أصبحت بشكل شبه يومي في مسائيات ثورية زيّنها حماس احرار المدينة .

ومع استمرار الأمن في استخدام القوة والرصاص الحي واعتقال عدد من مثقفين المدينة ومنهم الدكتور عبد الرؤوف المحمود والدكتور يوسف المشوي والدكتور ياسر المطر والدكتور فارس الفارس والأستاذ داود الكيال، بدأ الشباب الثائر في البوكمال بالتحضير لأول عمل ثوري مسلح يهدف إلى حماية المتظاهرين ويعمل على منع قوات الأمن من اعتقال أبناء المدينة , حيث تم تشكيل كتيبة مسلحة حملت اسم ” الله أكبر ” والتي كانت تعمل بشكل دوريات على دراجات نارية وأسلحة فردية خفيفة .

في تاريخ 16 / 7 /2011 قامت قوات النظام بقتل حيان محسن البحر احد أبناء المدينة مما دفع الأهالي للهجوم على دورية الأمن العسكري والجنائية وإحراق مخفر المدينة ومديرية المنطقة معلنة بدء العمل العسكري بصورة رسمية , فسارع النظام على اثرها لتطويق المدينة بالدبابات والمدرعات محاولا اقتحامها , وبنفس التاريخ 16/7/2011 حاولت 3 دبابات للنظام اقتحام المدينة لكن انشقاق عناصرها  بمساعدة الأهالي أدى إلى استيلاء الثوار عليها , الامر الذي استفز النظام وجعله يرسل عشرات الدبابات والمدفعية حتى تمكن من اقتحام المدينة في تاريخ 29 /7 / 2011
تسارعت الاحداث وبدء العمل العسكري يأخذ شكل منظم حيث تشكلت كتيبة حملت طابع اسلامي تحت مسمى ” جنود الحق ” تحت قيادة فراس حمزة السلمان وانفصلت سرية عن كتائب الله أكبر وشكلت لواء الله أكبر بقيادة صدام الجمل، كما تشكل لواء أهل الأثر ولواء جعفر الطيار و لواء الشهيد فيصل العقيدي في الريف وعملت الكتائب مجتمعة على تحرير المدينة من حكم النظام و تشكل لواء القادسية وفي منتصف عام 2012، تمكن الثوار من تحرير قلب المدينة ليبقى المربع الأمني ومطار الحمدان اللذان ارهقا المدينة بقصف مدفعي متواصل .

تم تشكيل غرفة عمليات مشتركة بين جميع الفصائل العسكرية و بالتعاون مع لواء القعقاع و لواء أحفاد محمد تمكن الثوار بتاريخ 17/11/2012 من الاستيلاء على مطار الحمدان بعد أن استولوا على المربع الأمني لتصبح المدينة محررة بالكامل في ذلك التاريخ.

انتقل العمل إلى الشق المدني حيث انطلق المجلس المحلي وبدأ بإصلاح الأضرار وتفعيل الحياة وإعادة الروح للمدينة , وتشكلت بعدها الهيئة الشرعية بقيادة جبهة النصرة والتي دخلت باقتتال مع عدد من الفصائل مما دفع لواء الله أكبر للانضمام إلى تنظيم الدولة الذي كان قد بدء بالتوسع في المناطق الشرقية من سوريا , ومن ثم قضت جبهة النصرة على المجلس المحلي وأسفرت بالقرار حتى اندلعت الحرب بين أحرار الشام والنصرة وبعض كتائب الجيش الحر من جهة وتنظيم الدولة من جهة أخرى على إثر استهداف مقر عسكري يتبع لأحرار الشام  في الميادين بسيارة مفخخة. والاستيلاء على صوامع وآبار النفط التي كانت تحت سيطرة جبهة النصرة في بدايات شباط من عام 2014.

اشتركت جميع الفصائل في حربها ضد تنظيم الدولة وتمكن الثوار من طرد التنظيم من البوكمال نهائيا واستمرت محاولات التنظيم للسيطرة على البوكمال كي تفتح معبرا بين الانبار وسوريا يسهل إسقاط دير الزور.

وفي تاريخ 4/ 10/2014 اقتحم تنظيم الدولة مدينة البوكمال مرتكبا مجزرة فظيعة ذهب ضحيتها 72 شاب من أهالي المدينة ولكن وحدة المدنيين مع الكتائب وتدخل الريف حال دون سقوط المدينة , وحقق الثوار وأهالي البوكمال انتصارا عظيما على التنظيم الذي خسر أكثر من 200 مقاتل من نخبة مقاتليه ولكن وبعد سقوط بعض المدن العراقية كالموصل والآنبار في يد التنظيم ومبايعة جبهة النصرة في البوكمال له سقطت المدينة في يد تنظيم الدولة بشكل كلي في تاريخ  2/7/2014.

بلغ عدد شهداء مدينة البوكمال إلى ما قبل دخول تنظيم الدولة اليها أكثر من 460 شهيد وهذا العدد لا يتضمن الشهداء من الشعيرات الذين قضوا نتيجة مجازر التنظيم فيما بعد وهناك أكثر من 140 معتقل من أبناء المدينة في سجون النظام لا يزال بعضهم حتى اليوم , ويعتبر حيان محسن البحر هو اول شهداء مدينة البوكمال والذي ارتقى بتاريخ 16/7/2011

استخدم النظام خلال حربه على البوكمال شتى صنوف الأسلحة وكان على رأسها الدبابات والمدفعية إضافة إلى غارات الطيران مما أدى لدمار قسم كبير من بيوت وإحياء المدينة بما فيها بعض المراكز والدوائر الرسمية كالمشفى الوطني ومبنى مديرية المنطقة والمركز الثقافي ولكن تمكن الأهالي وعلى نفقتهم الشخصية من إعادة إعمار قسم منها.

لا تزال مدينة البوكمال حتى يومنا هذا تحت سيطرة تنظيم الدولة الذي استفرد بشكل كلي بحكمه لها مع وجود بعض الحالات من المواجهات الفردية والعمليات التي ينفذها بعض احرار المدينة ضد حكم ظالم جديد وضع يده على مدينتهم بعد تحريرها من حكم ظالم سابق .

بوكمال

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى