الشأن السوري

من جسد الثورة السورية … يبرود

نبذة عامة عن منطقة يبرود :

عاصمة القلمون وأكبر مدنها , تقع في القلمون الغربي  تبعد شمال العاصمة دمشق بـ 80 كم وبمثلها جنوب محافظة حمص إلى الجهة اليسرى من الطريق الدولي حمص – دمشق  بين أحضان “جبال القلمون” المتاخمة لجبال لبنان الشرقية , حيث تتألف جبال القلمون من ثلاثة هضاب تتجه من الغرب إلى الشرق لتكون يبرود ضمن وادي يفصل التقاء الهضبة الثالثة بالهضبة الثانية من سلسلة جبال القلمون والمحاطة بجبال شاهقة أبرزها مار مارون وجبل العريض وجبال الجرد الشرقي لسلسلة الجبال السورية ممتدة على سفوح جبال القلمون (على ارتفاع حوالي 1550م عن سطح البحر ).
و تقع منطقة يبرود ضمن محافظة ريف دمشق وتضم إضافة إلى مدينة يبرود كمركز منطقة إداري عدة قرى وبلدات مجاورة للمدينة هي : رأس العين , راس المعرة , عسال الورد , الجبة , بخعا او الصرخة , ويتبع لها أيضا قسم من مزارع ريما الفاصلة بين مدينتي يبرود والنبك.

تضم مدينة يبرود آثار تاريخية أبرزها كنيسة تعود إلى القرن السابع الميلادي. وثمة مغائر في يبرود كشفت عن آثار الإنسان القديم الذي عرف بالترحال، حيث تعاقب على هذه المغائر مجموعات بشرية خلال خمسين ألف عام انتشرت في أنحاء سورية، وقد استعمل الإنسان وسائط حجرية جديدة وجدت في الكوم البادية حيث الينابيع. ثم ظهر إنسان النياندر تال الذي أصبح أكثر حضارة، فهو نحات ماهر استفاد من العظام في صناعة بعض الأدوات، كما استفاد من قدح النار ومن ألوان التراب لتزيين أدواته وأجسامه، ومارس دفن الموتى في طقوس محددة.”
ومن الآثار التي عثر عليها بجانب ملاجىء ومغارات يبرود المقابر الجماعية والفردية المحفورة في أعماق الصخور على شكل هندسي بارع والتي تشير بوضوح إلى وجود مجتمع متحضر في تلك العصور الغابرة يتمتع بذوق فني كبير وخصوبة في الحياة الفكرية والمعتقدات الدينية.

عدد كبير من مواطني يبرود المغتربين يتوزعون بين الخليج العربي وأوربا وأميركا الجنوبية كان أبرزهم الرئيس الأرجنتيني السابق كارلوس منعم ومن ناحية الحركة الثقافية والفكرية فمن أشهر رواد هذه الحركة المرحوم الشاعر الدكتور خالد محيي الدين البرادعي والمرحوم الشاعر زكي قنصل أخر شعراء العرب في المهجر.

كانت يبرود ولغاية الثمانينات من القرن الماضي تعتبر مدينة زراعية، وقد شهدت هذه المدينة نهضة صناعية وعمرانية وسياحية وتجارية ضخمة منذ نهاية الثمانينات وحتى عام 2010 حوّلتها من بلدة صغيرة إلى مدينة تعتبر ثاني أكبر المدن الصناعية في سورية حسب إحصاءات وزارة الصناعة، وتضمّ حالياً مقرّ غرفتي التجارة والصناعة لمحافظة ريف دمشق كما تعدّ من أوائل المدن السورية التي تملك أكبر نسبة من عدد سكانها من ذوي الدراسات العليا أو الدراسات الجامعية وبجميع الاختصاصات، وأصبحت مقصداً للهجرة الداخلية كونها تؤمّن فرص عمل مميّزة نظراً لمكانة المدينة الصناعية.
ومن أشهر منتجاتها الزراعية : البطاطا اليبرودية والكرز والتين والمشمش واللوز والقمح اليبرودي الذي يجاري في جودته القمح الحوراني إضافة لبعض الأعشاب التي تعرف باستخداماتها الطبية مثل البابونج وغيره.

يبلغ تعداد السكان المقيمين في يبرود حتى عام 2012 حوالى 105000 نسمة، وخلال الأحداث استقبلت يبرود وحدها ما يقارب 150000 مواطن وفدوا إليها من المناطق الساخنة التي تعرضت للقصف من قبل قوات النظام السوري ممن جبروا على النزوح للحفاظ على أرواحهم,حيث تعتبر هذه المدينة من أوائل المدن التي إلتحقت بشرارة الثورة السورية والمظاهرات السلمية مطالبة بسقوط رأس النظام الحاكم بشار الأسد، ومع مرور الأيام وتغير مسار الثورة بدأت تظهر المظاهر المسلحة في البلدة وبدء الإنتقال من الحراك السلمي إلى الحراك العسكري لتقوم قوات النظام بعدها باقتحام مدن وبلدات القلمون للسيطرة عليها بعد سيطرته على مدينة القصير كونها منطقة إستراتيجة ومحاذية للحدود السورية اللبنانية.

حيث بدأت قوات النظام باقتحام مدينة يبرود في مطلع عام 2014 ناهيك عن القصف المدفعي بشكل دوري خلال سنة سابقة من الاقتحام لتدمّر معالم المدينة الجميلة من خلال القصف بالبراميل المتفجرة والصواريخ والمدفعية وكافة أنواع السلاح من قبل النظام السوري الذي اتبع سياسة الأرض المحروقة بالمدينة ومن فيها ليهجر 80% من سكان المدينة إلى بلدات أخرى وخاصة عرسال اللبنانية لتسيطر قوات النظام بعد 40 يوم من الحملة على مدينة يبرود وتحولها إلى ثكنة عسكرية له ولميليشيات اخرى من حزب الله والدفاع الوطني.
الحراك السلمي :
انتفضت مدينة يبرود مع إندلاع الثورة السورية وبدأت تشارك في المظاهرات السلمية ضد نظام بشار الأسد في كل اسبوع  وتنادي بإسقاط النظام ومطالب أخرى، كانت المدينة تشهد أجواء جميلة في كل اسبوع يشارك فيها معظم أهالي البلدة من الثائرين ضد الظلم وكانت تتزين أحياء المدينة باللافتات والرايات والشعارات الجميلة التي تنسجها أيادي الثائرين في البلدة حيث استمرت المظاهرات على مدى عامين وأكثر إلى أن بدأت آلة القمع المتمثلة بنظام الأسد بتهديد المظاهرات وقصف المدينة التي انتهت مع تحول مسار الثورة من حراك سلمي الى مسلح.
الحراك المسلح :
مع بداية الحراك المسلح في اغلب المدن السورية كان لمدينة يبرود ذات الموقع الاستراتيجي والقريب من لبنان طابع مسلح بشكل فعلي، حيث بدأت تتشكل المجموعات التابعة للجيش الحر في البداية والتي كانت تتزود بالسلاح الخفيف والمتوسط وبدأت هذه المجموعات بالازدياد  بالعدد والعتاد وتطورت إلى أن أصبحت كتائب وألوية، وكانت تستورد السلاح من لبنان عبر طريق عرسال اللبنانية، وشاركت فصائل الجيش الحر في مدينة يبرود بالعديد من المعارك التي كان أشهرها معركة يبرود التي بدأت في مطلع عام 2014 والتي شن خلالها نظام الأسد حملة شرسة ضد البلدة، حيث قصفت المدينة بمئات الغارات الجوية من براميل وصواريخ إضافة لقصف مدفعي وصاروخي من مختلف النقاط المحيطة بالمنطقة دمرت خلالها المدينة بنسبة كبيرة جداً، حيث كان لثوار المدينة والمناطق المجاورة أثر كبير في عمر هذه الحملة التي استمرت 35 يوم قامت فصائل الجيش الحر والنصرة تنظيم الدولة بالقتال ضد قوات الأسد، حيث سقط عشرات المقاتلين من الثوار خلال المعركة موقعين مئات القتلى في صفوف قوات النظام وحزب الله الذي شارك بقوة كبيرة مع قوات النظام والذي انتهى بسيطرة قوات الأسد والحزب على البلدة وتحويلها إلى ثكنات عسكرية لهم، مما أجبر المقاتلين من أهالي المدينة والمناطق المجاورة للانتقال باتجاه الجرود للحفاظ على أرواحهم ولا يزال إلى الآن فصائل الحروالنصرة وغيرها من فصائل الثوار التابعين لمدينة يبرود يقاتلون في جرود القلمون أهم هذه الفصائل رجال من القلمون التي اندمجت منذ فترة وجيزة من الزمن تحت مسمى واعتصموا بحبل الله مع ثلاثة فصائل أخرى.
خاتمة :
خلال أكثر من أربعة أعوام من عمر الثورة السورية ضحت مدينة يبرود بمئات الشهداء من المدينة من مدنيين ومقاتلين وممن تم اعتقالهم وقتلهم داخل أقبية النظام في أفرع مدينة دمشق،  كما لا يزال هناك عدد كبير من المعتقلين في مدينة يبرود المحتلة من قبل نظام الأسد وحزب الله والدفاع الوطني والذين اعتقلوا إما من خلال حملات المداهمة داخل البلدة أو من خلال الحواجز المتوزعة في دمشق وريفها فمنهم من قتل داخل السجون ومنهم من فُقد وانقطعت أخباره، إضافة لنزوح مئات عائلات المدينة المحتلة إلى المناطق المجاورة أو إلى الداخل اللبناني المجاور بعد تدمر منازلهم بالكامل والهروب من شبح الموت جرا القصف الذي طال المدينة.

^13DE719086A11895BEAD60ED414315E231379774F26FC288E4^pimgpsh_fullsize_distr

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى