الشأن السوري

من جسد الثورة السورية … حلب

مقدمة :
تقع مدينة حلب شمال غرب سوريا وتبعد 310 كم عن العاصمة دمشق تعد أقدم مدينة في العالم كانت عاصمة لمملكة يمحاض الأمورية وتعاقبت عليها بعد ذلك حضاراتٌ عدة مثل الحثية والآرامية والآشورية والفارسية والهيلينية والرومانية والبيزنطية والإسلامية وفي العصر العباسي برزت حلب كعاصمة للدولة الحمدانية.

وتعد العاصمة الاقتصادية لسوريا فهي تضم أهم المعامل الصناعية وهي أيضا تشكل مركزا للمناطق الزراعية في سورية وخاصة زراعة القطن حيث كانت حلب وريفها تعطي معظم الناتج الإجمالي السوري.

يقدر عدد سكانها في عام 2011 م ما يقارب 7 مليون نسمة وفي العام الحالي 2015 م عدد سكان حلب ما يقارب مليون نسمة متوزعين بنسبة 30% في المدينة و70% في الأرياف والريف الغربي هو الأكثر اكتظاظاً بسبب بعده عن جبهات القتال.

من أهم معالم مدينة حلب أبوابها الأثرية التسعة كما توجد فيها المباني والأسواق الأثرية والخانات وأشهرها “قلعة حلب والجامع الأموي الكبير”

معظم سكان حلب من الطائفة السنية فيما تضم نسبة قليلة من الأكراد والمسيحيين.
بدء الحراك السلمي :
ومع اندلاع الثورة السورية في آذار 2011 بدأت المظاهرات تظهر بشكل خفيف بسبب القبضة الأمنية المشددة التي يفرضها النظام على المدينة وكانت انطلاقة شرارة الثورة في مدينة حلب في أحياء صلاح الدين وبستان القصر والسكري والشعار وكانت أضخم المظاهرات تنطلق من ” جامع آمنة بحي سيف الجولة وجامع صلاح الدين بحي صلاح الدين وجامع بدر في حي بستان القصر وجامع نور الشهداء بحي الشعار وجامع أويس القرني بحي السكري بالإضافة لجامعة حلب والتي عرفت باسم جامعة الثورة.

سقط أول شهيد خلال الثورة السورية في مدينة حلب “محمد عبد الرزاق أكتع ” على يد قوات النظام خلال المظاهرة التي خرجت من “جامع آمنة بنت وهب في حي سيف الدولة “وذلك بتاريخ 17\6\2011 في جمعة صالح العلي وقالت بأن سبب وفاته هو تعرضه لنوبة قلبية وأجبرت عائلته على التصريح بذلك، هذه الحادثة أكدت الأسلوب القمعي الذي يواجه فيه المتظاهرين السلميين لتزداد رقعة المظاهرات في مدينة حلب ويزداد عدد المتظاهرين من العشرات إلى المئات ومع اتساع رقعة المظاهرات ازداد عدد الشهداء في صفوف المتظاهرين ومعه بدأ ينكسر حاجز الخوف لدى الأهالي وبدأ التشييع العلني بالظهور في مدينة حلب وكان اول تشييع علني هو تشييع الشهيد “عمر حاوي ” في حي باب الحديد بتاريخ 26\12\2011 والذي استشهد قبل يوم في مظاهرة مسائية بحي صلاح الدين لتصبح ظاهرة تشييع المتظاهرين ظاهرة شبه يومية وأشهرها كان تشييع الشهيد أحمد أبيض بتاريخ 25\2\2012 من جامع آمنة بحي سيف الدولة ومن نفس المسجد تم تشييع الأطباء ” حازم بطيخ ومصعب برد وباسل أصلان ” من جامع آمنة بحي سيف الدولة بتاريخ 22\6\2012 وهم طلاب في كلية الطب في جامعة حلب الذين اعتقلتهم قوات النظام بتهمة معالجة المتظاهرين وتوفى تحت التعذيب بالإضافة للتنكيل بجثثهم وحرقهم بعد قتلهم بالإضافة لتشييع عبد الواحد هنداوي في حي الإذاعة بتاريخ 14\4\2012 والذي استشهد أيضاً خلال مظاهرة مسائية بحي صلاح الدين وخلال التشييع سقط أكثر من 10 شهداء على يد قوات النظام.
أما على صعيد المظاهرات الحاشدة فمن أكبر المظاهرات في تاريخ الثورة السورية في مدينة حلب هي مظاهرة الجامعة حيث كان قوامها أكثر من 30000 متظاهر تجمعوا في ساحة الجامعة بتاريخ 17\5\2012 أثناء قدوم المراقبين الدوليين إلى مدينة حلب.

بدء الحراك العسكري :
وبعد مطالبة المتظاهرين المتكررة بدخول الجيش الحر لحماية المتظاهرين في حلب استجابت عدة فصائل لمطالب المتظاهرين على رأسها لواء التوحيد الذي كان عدده في ذلك الوقت ما يقارب 18000مقاتل وكانت عناصر الجيش الحر تتواجد في بداية الشهر السابع من عام 2012 خلال مظاهرات أحياء صلاح الدين والسكري وبستان القصر والشعار أما الدخول الفعلي لكتائب الثوار كان يوم الجمعة 21\7\2012 في أول أيام شهر رمضان المبارك حيث أطلق الشهيد عبد القادر الصالح قائد لواء التوحيد اسم ” معركة الفرقان ” من أجل تحرير مدينة حلب وبدأت الاشتباكات بشكل عنيف بعد صلاة الجمعة في حي صلاح الدين لتمتد الاشتباكات لباقي الأحياء وخلال شهر رمضان تمكن الثوار من تحرير 70% من أحياء مدينة حلب بدأً من الأحياء الشمالية الشرقية التي تتصل بالريف الشمالي كطريق الباب والشعار والصاخور ” انتهاءً بالأحياء الجنوبية الشرقية ” الإذاعة وسيف الدولة والزبدية وصلاح الدين والعامرية والراموسة “.
وكانت أولى الأحياء السكنية التي تعرضت للقصف من قبل قوات النظام وكان وقتها بقذائف الهاون وقذائف المدفعية هي أحياء ” سيف الدولة والزبدية ” وبعد ذلك انتقل القصف ليطال جميع الأحياء المحررة ثم بدء القصف بالطيران الحربي ليتحول النزوح إلى نزوح جماعي وأصبحت أحياء حلب المحررة شبه خالية من السكان، وفي الشهور الثلاث الأخيرة من عام 2012 بدأت قوات النظام بشن هجمات قوية على بعض أحياء مدينة حلب وتمكنت من استعادة السيطرة على أقسام من بعض أحياء المدينة وخصوصاً أحياء” سيف الدولة وصلاح الدين والراموسة والعامرية والعرقوب وميسلون وحلب القديمة وسليمان الحلبي وبستان الباشا والميدان”.
ويعد عام 2013 عام الازدهار بالنسبة للثورة السورية في مدينة حلب خصوصاً مع بدء المنظمات الأجنبية الدخول إلى مدينة حلب ودعمها لمؤسسات الثورة، تزامن ذلك مع تمكن الثوار من تحقيق انتصارات كبيرة على قوات النظام أهمها السيطرة على قرية خناصر بالريف الجنوبي ومحاصرة قوات النظام في مدينة حلب وقطع طريق إمداده الرئيسي لتعاني مناطق سيطرة قوات النظام الأمرين حيث شهدت الأحياء الخاضعة لسيطرته ارتفاعاً باهظاً في الأسعار وتحول معبر كراج الحجز لمعبر تجاري يدخل منه المدنيون من مناطق سيطرة قوات النظام ويشترون حاجاتهم الأساسية، وفي الشهر الثالث من عام 2013 بدأ تنظيم الدولة بالظهور في مدينة حلب وكان من أشد الفصائل بأساً على قوات النظام وجميع المعارك التي كان يخوضها كانت تكبد قوات النظام خسائر فادحة وبدأ بكسب الحاضنة الشعبية من خلال توزيع الهدايا للمدنيين في الشوارع وإقامة الموائد المفتوحة للأهالي والاقتصاص من الفاسدين من الثوار كأمثال ” حسن جزرة ” قائد لواء غرباء الشام الذي لم يكن أي فصيل يستطيع وضع حد لتجاوزاته وشيئاً فشيئاً تحول لقوة عسكرية كبيرة وبدأ يتفرغ للأمور المدينة وأنشأ ” مديرية الخدمات العامة الإسلامية ” والتي بدأت بالتضييق على مؤسسات الثورة بشكل عام والمؤسسات التعليمية بشكل خاص، وبدأ بفرض سيطرته على المدينة والتحكم بمقدراتها عن طريق القوة، وبما ان معظم المؤسسات الثورية لها ارتباطاتها بالفصائل بدأت المشاكل والخلافات بين التنظيم والفصائل ووصلت لحد الاقتتال وخصوصاً مع ” لواء التوحيد ولواء عاصفة الشمال”.
ومع كل تلك المشاكل بين الثوار وتنظيم الدولة لكن مدينة حلب كانت تعيش أفضل أيامها لغاية شهر كانون الأول من العام نفسه بسبب بدء قوات النظام بشن حملة عسكرية ضخمة على المدينة تزامنت باستخدام البراميل المتفجرة في تدمير الأحياء السكنية والتي تزامنت أيضاً ببدء الاقتتال بين الثوار وتنظيم الدولة في يوم الجمعة 3\1\2014 حيث أعلن الثوار بدء عملية طرد التنظيم من مدينة حلب، وبعد معارك دامت حوالي الأسبوع تم طرد التنظيم إلى خارج مدينة حلب وأخذ وجهته لريف حلب الشمالي وبعد معارك عنيفة استمرت حوالي الشهر انسحب التنظيم إلى ريف حلب الشرقي والذي أصبح مركزاً لقواته، وخلال تلك المعارك بين الثوار والتنظيم كانت قوات النظام تتقدم في كل الجبهات التي تخوضها من أجل فك الحصار عنها.
ويعد عام 2014 عاماً كارثياً على مدينة حلب حيث تمكنت قوات النظام في بداية العام من استعادة طريق خناصر والسفيرة بريف حلب الجنوبي وتم فتح طريق إمداد لقوات النظام وبدأت بعدها بمعركة الشيخ نجار بريف حلب الشرقي لتتمكن من السيطرة عليها في منتصف العام وبدأت الزحف باتجاه ريف حلب الشمالي من أجل فك الحصار عن بلدتي ” نبل والزهراء ” الشيعيتين ومن أجل محاصرة مدينة حلب، وتمكنت قوات النظام من السيطرة على قرية حندرات الاستراتيجية في تشرين الثاني من العام ،2014 وبذلك تكون قد قطعت أهم طرق الإمداد الرئيسي للثوار بين مدينة حلب وريفها الشمالي ليبقى طريق الكاستيلو الطريق الوحيد للثوار بين حلب وريفها الشمالي التي حاولت جاهدة السيطرة عليه في كانون الأول 2014 ، وتقدمت بشكل كبير في منطقة الملاح التي تبعد حوالي كيلو متر واحد عن طريق الكاستيلو واستمرت معارك الكر والفر لحوالي الشهر ليتمكن الثوار من استعادة السيطرة على الملاح والتقدم باتجاه حندرات وتأمين طريق الكاستيلو في بداية عام 2015 ليتلاشى أمل قوات النظام في حصار حلب.
بالإضافة لكل ما حصل من تراجع على الجبهات في عام 2014 زادت البراميل المتفجرة معاناة أهالي مدينة حلب ومن أكبر المجازر التي شهدها العام هي “مجزرة زهرة حلب ” في حي السكري بتاريخ 6\6\2014 ، ففي ذلك اليوم كان توزيع للحصص الغذائية من قبل المكتب الإغاثي في مجلس الحي وكان يجتمع عند المكتب ما يقارب 500 شخص ،حيث القى الطيران المروحي برميل متفجر على المنطقة وأثناء تجمع الأهالي لمحاولة إنقاذ المصابين القى الطيران المروحي برميل متفجر ثاني وسط تجمعهم ما أدى لوقوع مجزرة مروعة راح ضحيتها 165 شهيد بينهم أطفال ونساء.

خاتمة :
و في الوقت الحالي تواجه الفصائل العسكري في مدينة حلب عدوين رئيسين هما تنظيم الدولة وقوات النظام، فجبهات الثوار مع النظام هي جبهات المدينة كافة بالإضافة لجبهات الريف الشمالي والشمالي الشرقي والجنوبي، أما جبهات الثوار مع تنظيم الدولة فهي في جبهات الريف الشمالي والشمالي الشرقي والشرقي، أما الفصائل الرئيسة العاملة في مدينة حلب وريفها هي:
الجبهة الشامية –حركة نور الدين الزنكي – كتائب ثوار الشام – حركة أحرار الشام الإسلامية –جبهة أنصار الدين –جبهة النصرة -فيلق الشام –جيش المجاهدين –كتائب أبو عمارة –تجمع فاستقم كما امرت –لواء صقور الجبل –الفرقة 16-جيش الإسلام-الفرقة 101-الفرقة 13-حركة مجاهدي الإسلام –الفوج الأول.

حلب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى