الشأن السوري

الطفل “محمد” وحلمه المنتظر .. فما هي قصته؟!

” محمد ” ابن الأحد عشر ربيعاً مصابٌ بمرضٍ عصبيٍ في قدميه أدى لخلق إعاقة كاملة لديه عجز الأطباء على اختلاف تخصصاتهم عن علاج مرضه ، حيث يحلم بامتلاك كرسيٍ كهربائيٍ و هو في انتظار خمس سنوات ربّما يستطيع السير على عكازين كما وعده الطبيب .

يروي ” أبو محمد ” قصة ابنه الوحيد الذي ولد في حي المشهد الحلبي لمراسل وكالة ستيب نيوز ” ماجد العمري ” أنّه لاحظ ظهور علامات الإصابة على ابنه بعد ثمانية أشهر من ولادته ، و ذهب به إلى عدة مشافٍ في أنحاء سورية دون أيّ جدوى ، و اضطر للنزوح من حلب قبيل الحصار جراء براميل الموت التي لم تميز بين البشر أو الحجر ، ليستقر به المطاف أخيراً بعد نزوحه العاشر في ريفها الغربي ، كما ألجمه ضيق ذات اليد عن تأمين كرسي متحرك لفلذة كبده الوحيد فكان الأب كرسي ابنه المتحرك أينما حلّ و ارتحل .

حيث قصد أبو محمد به ذات يوم المشفى الكويتي في بلدة أطمة الحدودية مع تركيا حاملاً ابنه على كتفيه تحت استغراب الحاضرين من الكادر الطبّي ، أخبرهم بالقصة التي رواها للمرة الألف لسائله قبل أن تغرغر دمعة في عينيه السوداويين ، حيث منحوه كرسياً متحركاً بسيطاً لابنه محمد ، فلم تكن سعادة الأب بأكبر منها فرحة الابن بصديقه الجديد ” كرسيّه المتحرك ” ، فعاد بابنه بعد أن أخبره طبيب الجراحة أن يراجعه بعد أن يتم ابنه سن الخامسة عشر و هو سن البلوغ له ، فعسى أن يستطيع السير على عكازين يحملاه ما تبقى من أيام شقائه و بؤسه ، فكم سيكون الانتظار كابوساً ثقيلاً جاسماً على صدر محمد قبل أبيه ؟! لكنّ الانتظار يحمل في طياته سنبلة أمل قد تنبت يومئذ أو لا تنبت أبداً .

و حتّى ذاك الوقت البعيد محمد يحلم بـ ” كرسي كهربائي ” يعنيه على تحقيق حلمه البائس ، فقد أخبر والده بأن يرسله إلى المدرسة لأجل حلمه بالتعلّم و ينزل الأب تحت رغبة وحيده  ، فالأمر لم يكن سهلاً على محمد بل كان غاية في الصعوبة و التعقيد ، فقد أتعب الطريق يديه الغضتين و هو يدفع بكرسيه القديم نحو المدرسة التي ربما اقترب من أبوابها المفتوحة للطلبة .. لكن عقبات من الواقع فرضت نفسها عليه .. و باتت المدرسة التي طالما تخيلها عبر أحلامه النائمة ضرباً من الخيال و أوهن من خيوط العنكبوت فكيف لمثل ” معاق القدمين ” أن يصل فقط إلى المدرسة التي وقف على بابها أياماً طوالاً ..

كم كان الواقع حزيناً و هو يرى أقرانه يتسابقون إلى مدرستهم و منهم من يلمزه بكلمة أبكت قلبه قبل عينيه .. ليعود أدراجه و الكآبة قد خطت قدره المحتوم و أنهت حلمه اليائس .. لكن والده أخبره أنّه بإمكانه الذهاب إلى مسجد القرية بدلاً من المدرسة ليتعلّم فيها و فعلاً تكلل سعيه إليها بنجاحٍ غير طويل ، حيث يحاول والدا محمد عدم إشعاره بإعاقته و يريدان طرد الوحدة من حياته التي أكثر ما يكابدها في ربيع طفولته الساذجي .

في حين أخبر محمد أصدقاءه ذات مرة أنّه يحلم بأن يكون محامياً ليدافع عن المظلومين و خاصة من الأطفال ، فينفجر أصدقائه ضحكاً ، ويردف أحدهم ساخراً : معاق ومحامي !! فيرد بحزم وثقة تامة بالنفس: ” إنّ لكل مجتهد نصيب ” ، و كان محمد مرهف الإحساس على الرغم من محاولته تقبل إعاقته إلا أنّه لم يتقبل من أحد النظر إليه من خلالها ، فكثيراً ما ترى الدموع تغالب عينيه الواسعتي الأفق ، و التي يحاول جاهداً إخفاءها بيديه الصغيرتين إذا ما فشل في حبسها .

و في نهاية مساء كلّ يومٍ يعود والد محمد منهك القوى من عمله الذي يتكسب به مصدر رزق لعائلته البسيطة إلى غرفة متطرفة منحه إياها أحد وجهاء القرية تفتقر لأدنى متطلبات الحياة الكريمة ليزرع بسمة حب على شفاه ابنه الذي أفقده جشع منظمات الإنسان حلمه البسيط في الحصول على أدنى حقوقه – كرسي متحرك – و يجدد الأب الأمل في قلب ولده الذي أنهكه انتظار حلم يائس في زمن الحرب البغيضة ، فيخبر محمد أباه قبل أن يخلد للنوم أنّ يوماً مضى من خمسة أعوام مرتقبة علّها تحمل في سوادها بريق حلمه المنتظر .

 

^C4688F657610D82D920EAF001DACD1E807B825C35D65630CBE^pimgpsh fullsize distr

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى