مقال رأيسلايد رئيسي

“المسكنات” الأمريكية شرق الفرات.. هل ستجرّ الكرد إلى المواجهة مع النظام؟

بقلم الكاتب: علي تمي

مفهوم الاتفاق

الاتفاق بمفهومه العام هو ما تتفق عليه الدول أو الفُرَقاء أو الجَماعات، له هَدف تَشريعيّ أَو اجْتِماعيّ أَو سِياسيّ، أما بمنطقنا السياسي فإنه من غير الممكن أن تعقد اتفاقية ثنائية بين طرفين متصارعين على الأرض، وهناك أطراف متعددة وذات أجندات مختلفة منخرطة في الصراع السوري وتحديداً في شرق الفرات.

إذا تمكنا من قراءة الواقع بدقة بعيداً عن العاطفة، نجد بأن القوى الموجودة في شرق الفرات (النظام ومليشياتها، الروس ومليشياتها، إيران ومليشياتها، الأمريكان ومعها قوات سوريا الديمقراطية، الأتراك ومعها فصائل المعارضةالسورية).

وبالإضافة إلى قوات محدودة من الفرنسيين والبريطانيين والإسرائيليين، وهي قوى فاعلة على الأرض ولديها أجندات ومصالح مختلفة عن الأخرى.

وبناءًا عليه، إذا كنا بصدد التحضير لمشروع سياسي يؤدي إلى الأمن والاستقرار في المنطقة، يجب أن يتشارك جميع هؤلاء في الطبخة أو ضمن اتفاق جماعي كما حصل في مدينة الطائف السعودية، عندما احتضنت هذه المدينة في 30/سبتمبر 1988 القوى اللبنانية العسكرية والسياسية التي بموجبها أوقفت الحرب الأهلية.

حيث شكلت الاتفاقية مبدأ “التعايش المشترك” بين الطوائف اللبنانية المختلفة، وتمثيلها السياسي السليم كهدف رئيسي للقوانين الانتخابية البرلمانية في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية.

المسكنات الأمريكية شرق الفرات

أما الوضع في شرق الفرات في سوريا على ما يبدو أنه قريب إلى الحالة اللبنانية فلو لم يتشارك في اتفاقية “الطائف” جميع القوى العسكرية ومن خلفها داعميها لما حققت نتائج إيجابية على الأرض، وربما يذهب البعض إلى أبعد من ذلك، ويريد أن يقنع نفسه ويقول بإن مشروع الاتفاق الكردي – الكردي خاص بالمناطق الكردية السورية فقط !!.

من المنطق السياسي هذا الكلام دقيق إلى أبعد الحدود، ولكن عندما نعود إلى الوقائع على الأرض نجد بأن السيناريو مختلف تماماً بمعنى أن (عفرين ومعها رأس العين وتل أبيض ) تتبعان للوصاية التركية بالتالي هما خارج دائرة الاتفاق المرتقب، بينما كوباني (عين العرب) تتبع للوصاية الروسية وقابلة للمساومة مع الأتراك في أية لحظة، أما القامشلي المدينة التي تبنى عليها الآمال فلا زالت قوات النظام والميليشيات الإيرانية تتربع فيها وتحاصرها جنوباً من خلال حزام أمني – عسكري- عشائري عملاق تحيط بها جنوباً وشرفاً ولو بشكل جذئي.

وبناءًا عليه، فإن من يتكهن بأن الاتفاق الكردي – الكردي سينفذ على الأرض وداخل المناطق الكردية حصراً دون مظلة سياسية من المعارضة السورية فهو واهم، لأن المعطيات تقول بإنه لا يمكن الاستخفاف بقوة النظام العسكرية والأمنية في شرق الفرات، و بوجود بشار الأسد في الحكم ومن خلفه إيران والروس.

ومن جانب آخر، ربما يتساءل المرء التالي: هل يمكن الاعتماد على الأمريكان لمواجهة كل هذه القوى إن تدخلوا مستقبلاً في زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة بعد عقد الاتفاق الكردي؟

الجواب: طبعاً لا، لأن تجربتي (عفرين ورأس العين وكركوك العراقية) كانت يوم أمس وأمام أنظار الجميع.

من المتضرر من الاتفاق الكردي- الكردي المرتقب؟

الفئة الأولى:

بطبيعة الحال ودون أدنى شك بأن الإيرانيين هم المتضررين من المشروع الأمريكي شرق الفرات، لكن كيف؟

الحرس الثوري الإيراني ومعه بعض العشائر في شرق الفرات لن يكونوا سعداء عندما يرون وأمام أنظارهم بأن الأمريكان يقومون بسحب البساط من تحت أقدام “العمال الكردستاني” شرق الفرات، ويحاولون فك ارتباط قوات سوريا الديمقراطية معهم ويخرجونهم من المعادلة على الدفاعات، وهذا أسوأ كابوس يمكن أن يستهدف المصالح الإيرانية في سوريا.

الفئة الثانية:

الذي سيكون متضرراً من الاتفاق الكردي الكردي المرتقب، بطبيعة الحال هو إقليم كردستان العراق وتحديداً هولير العاصمة.

الجميع يعلم بأن المجلس الوطني الكردي، الذي هو طرف في معادلة شرق الفرات يعتبر الرئيس، مسعود البارزاني، مرجعيته السياسية للتشاور في المواضيع الاستراتيجية التي تهم كرد سوريا، و هذا ليس خافياً على أحد.

وبناءًا عليه من المحتمل جداً أن تبادر إيران ومعها “الاتحاد الوطني” والعمال الكردستاني، وضمن تحالف مشترك إلى زعزعة الأمن والاستقرار في الإقليم، فما حديث رئيس الوزراء العراقي، الكاظمي، عن فتح معابر جديدة مع تركيا إلا مؤشرات على تضييق الخناق على الإقليم وتحديداً هولير العاصمة.

وثمن الاستفتاء، الذي أجري 25 سبتمبر/أيلول 2017، دفعه الرئيس، مسعود البارزاني، غالياً وتحمل المسؤولية بشجاعة ولم يندم على ما قام به، وترك تحقيق ذلك للأجيال القادمة وكان تحت صمت وأنظار الأمريكيين.

الفئة المتضررة الثالثة من الاتفاق:

هم فئة العاطلين عن العمل، الذين يتغذون من التناقضات القائمة بين الأطراف الكردية السورية، منهم من سيضرب مصالحه الشخصية أو الجماعية، وبطبيعة الحال المعارضة السورية السياسية ستفقد حليفاً سياسياً وعلى المراحل لأن الأجندات ستختلف فيما بينهم بالتالي سيكون الائتلاف السوري المعارض المتضرر من مشروع الاتفاق الكردي – الكردي المحتمل، لأنه سيجد نفسه محرجاً بين الموقف من الأتراك من جهة وحزب “الاتحاد الديمقراطي” من جهة أخرى، وبالتالي من الطبيعي أن يختار الاقوى والمؤثر على الساحة السورية.

اقرأ أيضاً : الصراع الروسي الأمريكي في شرق الفرات.. هل هو خداع وهمي أم حقيقي؟

الخلاصة : إن لم يكن هناك حل شامل في سوريا تحت مظلة القرار 2254 فإن المسكنات الأمريكية (الجزئية المناطقية) لن تكون ذو فعالية على المدى البعيد، ولن تحقق ما هو مرجو منها على الأرض، رغم أن الاتفاق الكردي – الكردي المرتقب بات ضرورة ملحة شرط أن يبنى على أسس سليمة وشاملة .

اقرأ أيضاً : قبل الاتفاق الكُردي- الكُردي المرتقب.. ما المطلوب من المعارضة السورية؟

 

 

ملاحظة : وكالة ستيب نيوز لا تتبنى وجهة نظر كاتب المقال وليس من الضروري أن يعكس مضمون المقال التوجّه العام للوكالة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى