الشأن السوري

“أم عبد” قصة كفاح لأجل حياة أطفالها الثمانية وحلمها المنتظر لتعليمهم

معاناة مستمرّة تواجه النساء في سوريا على خلفية فقدان المعيل، وتركه لهنَّ حملًا ثقيلًا ومما يزيد كاهلهن مرارة النزوح وشح فرص العمل، ومن هذه النساء روت السيّدة “أم عبد” المنحدرة من ريف حلب الجنوبي، قصّتها لمراسل وكالة “ستيب الإخبارية” (ماجد العمري) والتي نزحت مع أولادها بعد أن قُتل زوجها في غارة روسيّة أثناء ذهابه إلى عمله المعتاد لتحصيل قوت عائلته.

 

مات زوجها وحلّت الكارثة على “أم عبد” بفقدان معيلها الوحيد في هذه الدنيا تاركًا وراءه ثمانية أطفال صغار، ففرّت مع قوافل الهاربين من الموت، ليحلّ بها المطاف في ريف حلب الغربي حيث باتت ليلتها الأولى في العراء، تلتحف السماء غطاء والأرض فراشاً، بدون طعام أو شراب لها، ولأطفالها لاسيما الرضع منهم يُحاصرها الخوف والجوع والهلع من المصير المجهول.

 

فبكاء الرضيعان يملآن المكان، ولا تسمع إلا هدير طائرات الموت تشقّ وحشة المكان، وصدى قصف ينسج خيوط الموت في مخيلة “أم عبد”، ليس على نفسها، بل على فلذات كبدها فليس لهم معها مُعيل إلا “الله”، ويسود الصمت ويبدأ الفجر بالبزوغ، ويتراءى لك طيفها، وهي تحتضن أولادها الثمانية الجياع العطاش احتضان مودع مفارق، في مشهد رهيب يُثير الذهول والألم.

 

وتقول: “لقد منحني الخيّرون خيمةً وزادًا وماءً لبطون خاويّة، ووجدت نفسي وأطفالي عرضةً لحسنات المحسنين، ولكن نفسي لم تأنف ذلّ العزيز بعد افتقار، فقرّرت أن أخرج سعيًا في مناكب الحياة خلف رزق أطفالي، واحتياجاتهم اليوميّة، فعملت مع عدد من العاملات في جني الخضار في ريف حلب، مُقابل أجر لا يُغني ولا يُسمن من جوع، فما أنا إلا امرأة ولا طاقة لي بأعمال الرجال”.

 

وعن نجاتها من موت محتم أضافت “أم عبد”: “ذهبت ذات يوم مع عاملات للعمل في جني الخيار والقتة وغيرها من الخضروات قرب بلدة “خان طومان” جنوب حلب على مقربة من نقاط النظام، وبعد شروعنا في العمل بدأت قذائف النظام تنهال علينا كالمطر، حيث زحفنا على ركبنا مسافات طوال هربًا من القصف العنيف والعشوائي على ذلك الحقل، فتمزّقت ثيابي وخرجت الدماء من يديّ، ولم أكن أفكر إلا بشيء واحد (أطفالي) لكن نجوت بأعجوبة وقد أصيبت إحدى زميلاتي بشظية”.

 

تنفّست “أم عبد” الصعداء والعبرات تخنقها وأردفت: “عدت إلى خيمتي واحتضنت أطفالي الثمانية احتضان مودع، ولساني يقول لهم لن أترككم بعد اليوم ورزقنا على الله فلن ينساكم”، وتابعت: أنّها بعد عناء امتد لقرابة السنة، أصابها مرض في ظهرها “ديسك”، وذلك جرّاء عملها الشاق في الحقول. وعن أمنيتها أجابت بلا تردد: “أتمنى لو يذهب أطفالي للمدرسة ويتعلّمون، حتّى يُصبحوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم لا عالة على غيرهم”.

 

وفي هذا السياق قالت “شيماء” الطفلة الكبرى لـ “أم عبد” وذات العشر سنوات وفي عينيها حسرة: “حلمي أن أذهب إلى المدرسة، لكن أمي تذهب كلّ يوم للعمل ولا تعود إلا عصرًا، وهذا يحتم عليّ أن أساعدها في تربية أخواتي والبقاء معهم ورعاية شؤونهم اليومية”، وأضافت: ” أتمنّى لو نرجع إلى ضيعتنا وأكمل تعليمي مع أصدقائي في المدرسة وألعب معهم وأفرح دون عناء”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى