الشأن السوري

أطفال في دمشق بلا تعليم .. كيف يراهم النظام والمجتمع ؟!

بقلم إيثار سالم

أطفالٌ لعائلتين إحداهما من محافظة حلب، والثانية من محافظة الرقة، تعرّف الأطفال على بعضهم داخل الحديقة، “محمد 10 سنوات” لا يعرف القراءة ولا الكتابة، والدهُ عسكريٌّ في قوّات النظام أُصيبَ بقدمه فتقاعد عن الخدمة بسبب إعاقته، وأصبح يأخذ راتبًا تقاعديًّا، لكنَّ راتبه لا يكفيه ليستأجر غرفة لعائلته، حاولت زوجته أن تعمل بأشغال عديدة، ومنها بيع الخبز إلا أنَّ دوريات الشرطة أوقفتها فكيف يُمكن لامرأة بهذا المظهر أن تدخل أبنية دمشق الهادئة، ومنهم من تعرَّض لها ومنهم من أخذ منها بضاعتها دون مقابل.

تصريحات لغة جسدهم أبلغ من تحليلٍ صحفي، فعادةً ما تُفصحُ لغة الجسد عن أفكار صاحبها، إلَّا إذا كان يُحاول التورية عنها بضبط حركاته وإيماءاته، والأطفال نادرًا ما يفكرون بالتورية لذا ترى لغة جسدهم تعبّر عن كلِّ ما يجول في خاطرهم وبكل وضوح.

لاحظ قوة شخصية هدى التي تبلغ من العمر 8 أعوام في أربع لقطات متتالية تدل على مكابرة تُخفي الألم، وعلى وعيٍ كبير بموقف المجتمع من وجودها داخل الحديقة، وعن غايتي من الحوار معها وتصويرها، حيث حاولت أن تتحلى بالجرأة و القوة لتبدو سعيدة.

 

لاحظ العزلة والإحساس بالنقص عند الطفلة آية، لقد رفضت في بادئ الأمر الوقوف أمام عدسة الكاميرة بسبب شعورها بالخجل من نوعية ثيابها وتسريحة شعرها.

29122018 12

هل الأمان وحده يكفي لحياة سعيدة ؟

حياة الخيمة لا تختلف كثيرًا عن حياة المنزل ذا الجدران الباردة بالنسبة لأطفال الأرياف، فمثلًا رانيا لا تملك ثمن الوقود للتدفئة، ولا يوجد تيّار كهربائي جيِّد يُستخدم لذلك، وأطفال الخيام ليس لديهم أيّ وسيلة للتدفئة سوى النار التي توقد من بقايا أغصان الحديقة اليابسة، مع أنَّهم يعيشون داخل العاصمة التي تُعد آمنة، إلَّا أنَّهم لا يذهبون إلى المدرسة، ومنهم محمد عمره 10 سنوات لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وكذلك هدى.

وتعود أسباب ذلك، إلى أنَّ معظمهم لا يملكون أوراق ثبوتيّة للتسجيل في المدرسة، لأنَّ دوائر حكومة الأسد التابعة لمدنهم دمّرت أثناء القصف وفتكت ببيانات أصحابها، والخوف من معاملة التلاميذ السيئة لأنَّهم يعيشون في الخيام، بالإضافة إلى قلة وعي الأهل بضرورة التعليم.

ماذا قدّمت حكومة الأسد لهذه الحالات المنتشرة بكثرة داخل دمشق؟
أوكلتْ الحكومة أمرهم إلى الجمعيَّات الخيريّة التي تُديرها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التابعة للنظام، وإلى الفرق التطوعيّة التي تعمل على تأمين اللباس، والمعونات للفقراء بعد جمعها من الناس، وإلى المنظمات الدوليّة؛ لكن لكثرة أعداد النازحين لم تبذل الجمعيات جهدًا كبيرًا للبحث عن المحتاجين الصادقين، واقتصر عملها على من يحضر بنفسه لأخذ المعونة من مراكز التوزيع، ليبقَ أولئك الذين يصلون متأخرين بلا معونات، ويظلُّ أبناء الخيام الغافلين عن حقيقة ما يجري حولهم لبعدهم عن وسائل الإعلام كافة بلا خدمات بلا وعي.

كيف يراهم الناس ؟

29122018 11

 

منهم يكتفي بالمشاهدة والتصوير لوسائل الإعلام، ومنهم من يقوم بنشر صورهم عبر مواقع التواصل، وطلب المعونة لأجلهم، ومن ثم يستولي على المعونات بدلاً عنهم، ومنهم يُقدِّم المساعدة بإخلاص، والغالبية يكتفون بالنظر والمراقبة فقط !!.

إنَّ مثل هذه الحالات تحتاج إلى توعية حتى يتمكنوا من تغيير واقعهم بأنفسهم، ولو فكّروا أن يعتزوا بذاتهم ويرفضوا حياة التشرّد، ويتمرَّدوا عليها حتى يصلوا إلى الراحة والحياة الراقية السليمة، فعلى نظام الأسد أن يُؤمّن لهم مساكن، ويُسجلّ أطفالهم في المدارس، ويهتم لوضعهم الصحي، كما يجب على الجمعيات الخيريّة أن تبحث عن هذه الحالات لتُقدِّم لها الإعانة اللازمة، وأيضًا على رجال الدين أن يمارسوا قوانين الدين بفعل الخير تجاه هؤلاء؛ ويبقى السؤال الأهم الذي لم أجد له إجابة واضحة، كيف يستطيع معظم الناس الاكتفاء بالمشاهدة والصمت دون المبادرة للمساعدة ؟!.

29122018 13

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى