أخبار العالم العربيسلايد رئيسي

خاص|| توقيع اتفاق بين السودان وجنوب السودان يدعو للسلام وينهي حرباً قتلت وشردت الملايين لعقود

يجري اليوم السبت، توقيع اتفاق بين السودان وجنوب السودان، الذي وصف بالتاريخي على اعتبار أنه سينهي سنين من العداوة والقتال بين السلطات السودانية وسلطات جوبا التي استقلت عنها عام 2011.

وكانت الحروب المستمرة بين سلطات السودان والمسلحين الانفصاليين حينها جنوباً، قد خلفت ملايين القتلى والجرحى والنازحين بين الطرفين على مدى سنوات في مناطق بقيت مشتعلة منها “دارفور” ومناطق أخرى.

وقد وصلت أمس الوفود من الخرطوم، في مقدمتها الرئيس الانتقالي للسودان، عبد الفتاح البرهان، ورئيس الحكومة عبد الله حمدوك، فيما سيوقع عن جانب حكومة جنوب السودان رئيسها، سيلفا كير.

هل هو مختلف عن اتفاقيات سلام سابقة

وحول الأمر، أكد إبراهيم مطر، مدير وحدة العلاقات الدولية في مركز زايد للدراسات الاستراتيجية، في حديث لوكالة ستيب الإخبارية، إنه في عام 2005، وقّعت الحكومة السودانية بقيادة “علي عثمان طه” نائب الرئيس المخلوع عمر البشير والحركة الشعبية آنذاك بقيادة الراحل جون قرنق، اتفاق سلام شامل في ضاحية نيفاشا الكينية.

وأوقف هذا الاتفاق حرباً قضت على حياة مليوني شخص وبعد 6 سنوات من توقيع اتفاق السلام، أجري استفتاء انفصل جنوب السودان بمقتضاه عن الشمال، وتحديداً في 9 يوليو 2011، حيث سيطرت الحركة الشعبية بقيادة سلفا كير ميارديت على مقاليد الحكم في جوبا كأحدث دول قارة أفريقيا.

ولكن لماذا السودان توقع اتفاق سلام نهائي في جوبا، يتحدث “مطر” قائلاً: “إنهاء الصراعات الأهلية، ضعّف هياكل دولة جنوب السودان عقب الانفصال، وغياب الخدمات وضعف البنى التحتية وتفشي الفساد وانعدام المساءلة، والانقسام بين الرئيس سلفا كير ونائبه السابق ريك مشار أشعل حرباً أهلية في عام 2013 أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، لذلك كان من الضروري الوقوف كدولة واحده في مواجهة سد النهضة وأن يكون هناك قرار موحد للدولة السودانية”.

عوائد اتفاق بين السودان وجنوب السودان

وعن عوائد اتفاق السلام المشترك، يتحدث “مطر” بأنّ ذلك من شأنه وقف الحرب وجبر الضرر واحترام التعدد الديني والثقافي والتمييز الإيجابي لمناطق الحرب، وهي دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.

إضافة إلى تمديد الفترة الانتقالية إلى 39 شهراً ابتداء من تاريخ توقيع الاتفاق على أن تشارك الأطراف الموقعة في السلطة الانتقالية بثلاث مقاعد في مجلس السيادة ليرتفع عدد أعضاء المجلس إلى 14 عضواً، وسيحصل الموقعون أيضاً على 5 مقاعد في مجلس الوزراء حيث يتوقع رفع عدد الحقائب الوزارية إلى 25 حقيبة، و75 مقعداً في المجلس التشريعي الذي يتوقع تشكيله من 300 عضواً.

كما أشار إلى أن الأمر من شأنه تقاسم السلطة وتمكين المناطق المتضررة من الاستفادة الكاملة من نحو 40 % من عوائد الضرائب والموارد والثروات المحلية، في حين تذهب نسبة الـ 60 % المتبقية للخزينة المركزية، إلى جانب منح منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان صيغة حكم ذاتي حددت من خلالها اختصاصات السلطات المحلية والفيدرالية، بما في ذلك سن القوانين والتشريعات التي اتفق على أن تستند لدستور 1973، إضافة إلى تشكيل مقتضيات أهمها مفوضية للحريات الدينية.

اتفاق سينهي مأساة ملايين

ويلفت الخبير بالعلاقات الدولية إلى أنّ اتفاق السلام سيجلب “المتمردين” للمشاركة في الحكومة الانتقالية، وقد خُصصت لهم مئات المناصب التشريعية والتنفيذية، التي سيديرونها حتى إجراء الانتخابات خلال ثلاث سنوات، وسيدمج آلاف المقاتلين من حركات التمرد في الجيش، وسيعود ملايين النازحين من جرّاء الحرب إلى بيوتهم، وسيمنح النظام الفيدرالي، الذي عُدلت صياغته، المزيد من السلطات والصلاحيات للإدارات المحلية.

كما بيّن بأن الاتفاق ينص على أن يكون هناك إصلاح زراعي، وعلى تقديم المشتبه بارتكابهم جرائم إلى العدالة، ولا تعد هذه البنود جديدة، إذ سبق أن انهارت صيغ اتفاقات مماثلة خلال الـ 15 عاماً الأخيرة، ولكن هذه المرة مختلفة، فالاتفاق سوداني محض وجاء بعد مفاوضات بين سودانيين من دون أي مواعيد نهائية مفروضة من أطراف خارجية أو ضغوط ولي ذراع البعض للموافقة على الاتفاق، ويدرك كلا الطرفين أن هذا الاتفاق يجب أن يعمل وإلا فإن عموم التجربة الديمقراطية ستفشل.

وأكد “مطر” على أن هناك اثنتان من الحركات المتمردة تعارض الاتفاق، ولكن من المرجح أنهما سيغيران رأييهما، حسب وصفه، حيث قال: “أحد قادة التمرد الذي لم يوقع على الاتفاق بعد، هو عبد العزيز الحلو من الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال في جبال النوبة بولاية جنوب كردفان، ومن المتوقع أن يغير رأيه”.

الاتفاق مرهون بشرط

ومن جهته تحدث لوكالة ستيب الإخبارية الباحث السوداني والخبير بالعلاقات الدولية، أبو بكر عبد الرحمن، حيث اعتبر أن الاتفاق هو استمرار الشراكة بين المدنيين والعسكريين في تقاسم السلطة الذي جاء في أغسطس من العام الماضي مؤكداً أن من بعض الحسنات أنه يوقف عجلة الحرب الدوارة وهذه الأهم، بحسب رأيه.

وشدد على أن مستقبل هذا الاتفاق مرهون بتنزيل ما تم التوصل إليه في “جوبا” على أرض الواقع، واستمرار الحوار مع القوى الرافضة (الحركة الشعبية قطاع الشمال بزعامة الجنرال عبد الحلو، وحركة جيش تحرير السودان بزعامة عبد الواحد النور المتخذ من فرنسا منفى اختياري منذ أكثر من 5 سنوات).

ويقول عبد الرحمن: “الاتفاق ليس حلاً جذرياً، ولكنها بداية لملمة الوضع الذي يتهاوى، حيث أن الدولة في أضعف مراحل حياتها”.

ويضيف: “كما أن هناك تحفظات كبيرة من المؤسسة العسكرية في شكل الحكومة الحالي، وتعتقد أنها تنتمي لتيارات ترغب في تمزيق السودان بالزج به في فلك المحاور والقفز فوق القضايا القومية التي تتطلب بعض التريث مثل القضية الفلسطينية والأزمة الخليجية … الخ”.

علاقة الاتفاق برفع اسم السودان من قوائم الإرهاب

وعن علاقة اتفاق السلام الموقع اليوم بين جوبا والخرطوم مع الحديث عن رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب الدولي، لفت الباحث السوداني أن موضوع رفع العقوبات منفصل تماماً عما يجرى في جوبا، حيث أن مسار الحوار الأمريكي السوداني بدأ مع النظام السابق وبعد مجيء حكومة حمدوك استعجلت الحوار مع الإدارة الأمريكية إلا أن أمريكا وضعت مجموعة من العراقيل والسير والسلوك للحكومة وطالبتها بدفع تعويضات “المدمرة كول” ودفع تفجيرات سفارتي واشنطن في دار السلام ونيروبي.

وتابع: “والآن يتم المناورة بملف السلام مع إسرائيل، والجدير بالذكر هنا في الشهر الماضي عارض بعض أعضاء الكونغرس تأخر إدارة ترامب في رفع اسم السودان من اللائحة السوداء وقالوا إن السودان قد أوفى بمتطلبات رفع اسمه من اللائحة المزعومة منذ نهاية العام ٢٠١٨، وأن وضع ملف السلام مع إسرائيل كشرط لرفع العقوبات ليس من ضمن مطلوبات الدولة الأمريكية”.

وبيّن أنه مثل هذه الإجراءات بإمكانها تقويض الانتقال الديموقراطي في السودان، لكن ترامب يستخدم هذا الكرت في الانتخابات للضغط على حكومة السودان الهشة والمختلفة التركيع مقابل بعض الدعم.

كيف دخل الجنوب بالاتفاق

أما الجنوب ودخوله في مسألة التسوية السياسية السودانية، فأوضح أنه جاء نتيجة أن الخرطوم كانت وقتها تحتفظ بزعيم المعارضة الجنوب سودانية رياك مشار وبالتالي طلب سلفاكير ميارديت التوسط مقابل منحه تسوية سودانية تأتي برياك مشار رهينة، وقد فعل السودان ذلك عبر تبني وساطة قادة إلى وضع مشار في منصبه الذي فقده بعد نشوب أحداث القصر في جوبا في العام ،٢٠١٦ وبالتالي العملية كانت تبادل تسوية.

وختم “عبد الرحمن” حديثه لـ”ستيب الإخبارية”، مشيراً إلى أنّ القيادة الحالية للسودان مختلفة داخلياً، وفاقدة للسند الإقليمي الحقيقي والدولي، مع وجود عصبة من العسكر تطمح في السلطة، ومناخ إقليمي داعم للانقلابات العسكرية، ووضع اقتصادي متردى وجبهات حروب قبلية توشك على الانفجار، فالمتوقع أن ترسم اتفاقيات السلام الحالية والقادمة نوع من التحييد لكن في غياب الإجماع والقبول بالشمال لأطراف المعادلة السياسية في البلاد ببعض التنازلات المؤلمة هذا يعني تجدد الصراع في السودان من جديد، حسب وصفه.

اتفاق سلام تاريخي

أما رئيس حزب المؤتمر السوداني بالخارج، نزار جعفر المبارك، فقال خلال حديثه مع وكالة ستيب الإخبارية: ” اتفاق سلام الفرقاء اليوم في جوبا بعد مفاوضات استمرت قرابة ١١ شهراً يعد اتفاق تاريخي وقد لا يكون الأول فقد سبقته عدّة اتفاقيات سلام منذ السبعينيات، ولكنه هذه المرة جاء في مناخ ديمقراطي وعبر دولة مدنية وأهم بنوده وقف الحرب والاتفاق على توزيع الثروة والسلطة وعودة اللاجئين والتعويضات وإزالة الغبن في مختلف صوره وأشكاله، وهو اتفاق يؤسس لحالة من عودة النسيج الاجتماعي السوداني وقيام دولة المواطنة والعدالة”.

وأكد أنه بداية لتنزيل الحلول علي أرض الواقع، معتبراً أنّ التحدي الحقيقي يكمن في تنفيذ بنود الاتفاق وليس الاتفاق في حد ذاته، وأضاف: “علينا أن نضع في الاعتبار بأن هنالك فصيلين لا زالا يحملان السلاح ودولة تعاني من انهيار اقتصادي حاد ولكن الجميع متفاءل على أننا قادرين على عبور هذه المرحلة بعد هذا الاتفاق”.

مواضيع ذات صِلة : السودان يرفض ربط حذفه من قائمة “الإرهاب” الأمريكية مقابل هذا!

قيادة السودان الجديدة تقوده إلى برّ الأمان

وأضح “مبارك” أن القيادة الحالية للسودان تعتبر قيادة تاريخية لعدّة معطيات أولها توافق السودانيين على رئيس وزراء نال أعلى درجة تأييد لم يحظى بها رئيس وزراء من قبل، وتدعمه حاضنة سياسية تمثل أكبر تحالف سياسي مر على البلاد بعد الاستقلال في عام ١٩٥٦، حيث أنّ كل هذه المعطيات تقول بأن البلاد تسير نحو بر الأمان في ظل قبول دولي غير مسبوق يسعي إلى خلق أجواء من الاستقرار والنأي بالسودان من محاور الإرهاب والقطيعة الدولية وعودته إلى أحضان المؤسسات الدولية والأممية.

يشار إلى أن السودان يشهد نقلة ديمقراطية واضحة بعد الإطاحة بالزعيم السابق عمر البشير، وتسليم مجلس حكم انتقالي من القوى السياسية بالبلاد التي انفتحت على كل الدول العربية والإقليمية والدولية وسعت في سبيل تحسين الأجواء السياسية من أجل عودة السودان للمجتمع الدولي بعد عزلة طويلة.

شاهد أيضاً : كورونا يلاحق بائعات الشاي في السودان ويحرمهم من لقمة عيشهم ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى