الشأن السوريسلايد رئيسي

تحقيق خاص || ابتزاز بمليارات الليرات يوميًا من ضباط النظام للمعتقلين وذويهم

عقب سيطرة قوّات النظام السوري والميليشيات المساندة لها بدعم روسي، على الجنوب السوري (درعا والقنيطرة) أواخر عام 2018، وعلى الرغم من وضع شروط مصالحة وقّعت مع فصائل المعارضة؛ التي حلّت نفسها لاحقًا، إلّا أنَّ النظام عمل خلال عام ونيّف على إعادة “قبضته الأمنية” بأسرع وقت.

عاودت قوّات النظام نشر حواجزها التابعة لمختلف الأفرع الأمنية والفرق العسكرية، على الطرق الرئيسية في المحافظات، لتقطيع أوصال المدن والبلدات، وبدأت بعدها عمليات اعتقال شبه عشوائية طالت المئات من أبناء المنطقة، وغالبيتهم من حاملي البطاقات؛ أو ما يعرف ببطاقة “التسوية” والتي بموجبها تُسقط كافة التهم الأمنية عن حاملها.

وخلال سيطرة النظام على درعا، امتلأت سجون النظام من جديد بمئات المعتقلين، إضافة لآلاف سبقوهم خلال سنوات الحرب، إلّا أنَّ أولئك وجدوا منفذًا جديدًا افتعله ضباط وقياديي النظام للإفراج عن المعتقلين، حيث بات دفع الأموال والرشاوي للضباط الطريقة الأسهل للإفراج عن أي معتقل أو معرفة مصيره.

وفي حديث خاص أجرته وكالة ستيب الإخبارية مع أحد المفرج عنهم لقاء مقابل مبلغ مادي، للوقوف في تفاصيل ما يجري داخل سجون النظام السوري، تحدّث “س.م” ؛ والذي رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية.

اعتقلت قوّات النظام “س.م” في تاريخ ٢/١٠/٢٠١٨ على حاجز منطقة “تل أم حوران” الواقع بين مدينتي جاسم ومدينة نوى، دون توجيه أي تهمة أمنية، ثمَّ تمَّ نقله إلى فرع المخابرات الجوية بمدينة درعا، وبقي بادخله لنحو شهرين، ليتنقّل بعدها عدة أفرع أمنية بدمشق ويصل إلى سجن عدرا المركزي.

اعتقال دون توجيه تهمة مباشرة

قال “س.م”، ألقي القبض علي بعد سيطرة النظام على درعا بشهرين وذلك أثناء مروري على أحد حواجز النظام التي أقيمت حديثًا وقتها.

حيث “طلب مني الحاجز بطاقتي الشخصية، وعند اعطائها له، طلب مني أن أؤكد شخصيتي ساؤلاً عن اسمي وعملي، وحينها لم يكن بعد قد استلمت بطاقة التسوية، إلّا أني كنت قد سجلت عليها في أحد المراكز الأمنية، وأعلم حينها أني مطلوب أمنيًا كحال أبناء منطقتي إضافة لتخلّفي عن الخدمة العسكرية”؟

وأضاف، “استدعيت للتحقيق خلال تواجدي بالأفرع عدة مرات، ولم تكن هناك أسئلة غير اعتيادية، وكان معظمها يتمحور عن عملي خلال سنوات الثورة، وأسماء أقاربي وعملهم، ومعلومات روتينية، وعلى الرغم من ذلك تعرضت للتعذيب عدة مرات بدون أي سبب”.

وعن أساليب التعذيب، قال “كانت قوّات النظام تتفنن بأساليب التعذيب وخصوصًا أثناء التحقيق، (من الدولاب إلى الشبح إلى تكسير الأطراف وقلع الأظافر وثقب الجسم بمواد حادة أو حارقة وغيرها الكثير)، فهناك سجانين مهمتهم فقط الضرب والتعذيب.

وعند وصوله لسجن عدرا المركزي، قال “س.م”: أخبرونا أنَّ هذا السجن يعتبر الأفضل على الإطلاق من بين سجون النظام، وعند وصولي له ووضعت بأحد السجون الانفرادية، ثمَّ نقلت لسجن جماعي فيه المئات من المعتقلين.

عناصر مكلّفين بجمع معلومات عن الموقوفين

تابع: بعد وصولي إلى عدرا تفاجأت خلال التحقيق بوصول تقارير جديدة ضدّي، حيث وجّهت لي تهم التعامل مع الإرهاب والعمل بمشفى ميداني، وعلمت لاحقًا أنَّ أجهزة النظام الأمنية تعمل على جمع معلومات من عناصر المخابرات عن كل سجين، وهناك تصل التهم عشوائية ضدّهم وتلصق بهم.

يقول “س.م”: في السجن لدينا وجبتي طعام فقط، وكل وجبة تكاد لا تكفي طفل، ولا يطيقها بشر، إلّا أننا مجبرين على الأكل لنبقى أحياء، أمّا النوم فهو لساعات محددة يحددها السجّان حين يأمرنا بالنوم والاستيقاظ بمواعيد محددة يوميًا ويمنع غيرها.

وأكمل: أمّا الجلوس فهو معاناة ثانية، حيث نلتصق ببعضنا البعض لكثرة عدد المعتقلين، ولا يكاد يوجد مكانًا لت قشة بينهم، كما يمنع هناك أي مظهر ديني كان من الصلاة والعبادة وإطالة الذقن أو الشعر، ولا يسمح بالخروج للحمام سوى لدقائق معدودة بحسب مزاج السجّان، بينما تستطيع من خلال دفع المال والرشاوي أن تحصل على بعض الامتيازات هناك.

رشاوى بالملايين

لاحقًا، توصّل ذوي”س.م” إلى أحد ضباط النظام الذين يأخذون المال مقابل إبلاغهم عن وضعه وإمكانية الإفراج عنه، وتحدّث المفرج عنه قائلاً: إنه دفع مبلغ يزيد عن 9 ملايين ليرة سورية، ما يعادل حوالي 15 ألف دولار، حتى تمكّن من الخروج من السجن.

ولفت “س.م”: بعد أن أُبلغت أني أحلت إلى محكمة الإرهاب، تحدث لي معتقلين آخرين أنه علي أن أجد طريقة للخروج منها، على اعتبار انَّ محكمة الإرهاب قد تحكمني بأفضل الأحوال، بسجن لا يقل عن 9 سنوات.

واختتم حديثه قائلاً، اعتقلت لـ 11 شهرًا وخرجت بهذا المبلغ بعد محاكمة، وأشار أنَّ عشرات المعتقلين يدفعون الملايين يوميًا لضباط النظام لذات السبب، وبعضهم دفع مبالغ كبيرة فقط لمعرفة مصير أبنائهم، حيث أصبحت تلك الطريقة هي الأنجح مع الأفرع الأمنية والقائمين عليها وهي جمع المليارات من ذوي المعتقلين.

ولا تزال عمليات الاعتقال مستمرة عبر حواجز النظام، وحسب أهالي وذوي المعتقلين فإنَّ المبالغ التي تُدفع في السجون أو للإفراج عن المعتقلين والموقوفين، تختلف باختلاف التهم والسجن، وقد تصل لعشرات الملايين تُدفع عن طريق بعض المقربين من ضباط وقضاة النظام، ويشير البعض إلى أنَّ الطريقة ليست بجديدة، لكنها باتت مكشوفة بشكل فاضح عن السنوات السابقة.

تحقيق خاص || ابتزاز بمليارات الليرات يوميًا من ضباط النظام للمعتقلين وذويهم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى