سلايد رئيسيمقال رأي

مقال رأي ||من حمص إلى بيروت حديث القلب والثورة

وكالة ستيب الإخبارية – عدنان الطالب
كان ظهورها بهيًا.. تتمايل مع نسمات الأعلام وأنغام الموسيقا.. مدينة بأسرها تطير من الفرح!، شوارع مزينة بالضحكات والأعلام، وساحات تنبض بالانتماء.. ذلك الأمل بعد اليأس جارفٌ.. كثورته.

لأول مرة أعيش هذا الشعور .. لم أكن مبهورًا كغيري بتلك الهالة البشرية التي غطت الشوارع وباتت تنبض بنبضٍ واحد فقد عرفتها مسبقًا.. بل أدهشني تشابه التفاصيل.. ذلك التطابق في الملامح والتعابير على وجوه الناس..

فرحٌ عظيمٌ يكتنز غصة في القلب لو أباحت لها النفوس ظهورًا لامتلأت الساحات دمعًا.

تهت في الوجوه.. وفي الوجود.. الزمان والمكان.. فصرت أراني في حمص وبيروت معًا وامتزجت الصور والأصوات مع بعضها.. فصرت أرى هذه في تلك، كمن ينظر إلى الدنيا من خلال لوحين زجاجيين تداخلت الوانهما.. وتتهاوى الصور..تلك بسمة صارخة واستعداد مطلق لعناق المعارف والغرباء، ذلك الإحساس العارم بالانتماء.

وطفلة صغيرة محمولة على الكتف يغمرها فرحٌ أن الناس حولها يصفقون لها.

لكن السعادة الأعظم هي سعادة من يحملها: “الآن لن تعيشَ ما عشناه” يقول صارخًا، وقوارير المياه الهابطة من السماء تأييدًا ممن في البيوت تحبسهم المسؤولية والخوف، تمزيق صور الطغاة، هدير الشتائم.. وأشياء كثيرة..
كلما رأيت مشهدًا وجدت له رديفًا في شريط الذاكرة، أو أن عقلي أمسى يبحثُ عمّا يوافق ذاكرته .. فيجده!.

فبحثت عمّا ضاع منّي.. لم أتكلف الكثير من العناء فقد كان موجودًا في كل العيون.. بريق لا يخفى على أحد، يعكس شعور انتماء حقيقي، يقول “اليوم بتُّ أمتلك وطنًا”، بريقٌ يبعث الحياة في النفوس ويبث الربيع في الأرض.. فحيث تزهر الثورة ثَمَّ ربيع..

ذلك الربيع نفسه الذي واجهه النظام السوري وشركاءه بالاتهامات والتزوير والرصاص والنعرات الطائفية والمناطقية والعملاء والمؤامرات والكيماوي والبراميل المتفجرة.. وكلما طالته يد البطش، تحت خيمة من الصمت الدولي.. تعودني الصور وأنا أرى رجال الجيش اللبناني كيف يحمون المظاهرات ويتضامنون مع الناس حتى بلغت الطمأنينة بالناس أن يرقصوا ويقيموا الحفلات في ساحات التظاهر.. فهنيئًا لهم جيشهم وحريتهم ووعيهم وثورتهم.

لم أكن أظن أبدًا أني سأحيا مرة أخرى انطلاقة ثورة، لكن كان للبنان في قدري كلام آخر، وأتاحت لي بيروت فرصة لأعيش معها مرحلة قد يعيشها المرء في حياته مّرة أو قد لا يعيشها أبدًا .. ها أنا ذا أحياها مرتين.. بكل زخمها وفرحها وفجاءتها ونقاوتها وبراءتها وطفولتها .. فالثورة كالإنسان لا جمال يضاهي طفولتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى