أدب وفنون

كيف يصنع المهمشون التاريخ.. في رواية “زقاق الجمجم”

 

تدور أحداث رواية “زقاق الجمجم” للكاتب، بيات مرعي، في مدينة الموصل العراقية، ضمن بيئة شعبية بسيطة تمتاز بواقعية شخصياتها، وبعلاقاتها الإنسانية الدافئة التي لم تعد موجودة في الوقت الحاضر، ضمن حبكة خيالة مرتبطة بشكل وثيق بالواقع، تعالج قضايا المهمشين في المجتمع والتاريخ والبعيدين كل البعد عن الصورة العامة للأحداث بينما هم في الحقيقة مركز الحدث ومحركه بتفاصيل حياتهم اليومية.

رواية زقاق الجمجم

وتسرد الرواية ما شهدته حياة الناس في العراق منذ مطلع الألفية الثالثة وما بعد الغزو الأمريكي من معاناة على كافة الأصعدة، من خلال مشاهدات البطل الذي قدم إلى مدينة البصرة، فعاد به شعوره بالغربة إلى ذكرياته في “زقاق الجمجم”، الحي الذي شهد ولادته وطفولته، فأخذ ينقل ما عايشه من تفاعل وعلاقات الود بين أهل الحي، الأمر الذي جعل الرواية مليئة بالحكايات الفرعية التي تجسد هموم الناس هناك وخلجاتهم، ويختلط فيها العام بالخاص تاركاً أثره على أحلام الناس في الزقاق المنسي.

 

وكان للمرأة في رواية زقاق الجمجم دور كبير بوصفها جزءًا أساسياً من نسيج المكان الشعبي الذي وقعت فيه الأحداث، واستطاع بطل الرواية نقل تفاصيل دقيقة لطبيعة الهموم التي تشغل النساء في الحي من خلال الأحاديث التي كانت تجري بينهن، ومن ذلك: “كانت نساء الزقاق يجهلن حساب الوقت بالساعات، فيحسبن معظم أوقاتهن باستدارة الشمس اليومية المتكئة على أسطح بيوتهن، وتحولات الظل التي ترافق هذه الاستدارة اليومية، لا بل إنهن لا يرضين حتى حساب أعمارهن بدقة، ولم يفطن مطلقا إلى أنفسهن إلّا ساعة وقوفهن أمام المرآة”.

وكذلك في المقطع القائل: “أدمنت النّسوة الجلوس على عتبات دورهنَّ كلَّ يوم. كان وقت العصر مصحوباً بالضّجر العميق حينَ أسندت مديحة يدها على ركبتها وهي تحاول الجلوس معلِنةً عن وجعٍ في ساقها اليسرى. وكأنّ ناقةً عرجاء حطّت مكانَها”.

اقرأ أيضاً:

العنصرية والتمييز في رواية “زهر الغرام” محاكاة للواقع وتأنيب للمجتمع

المكان بطل الرواية بامتياز

المكان في “زقاق الجمجم” بخصوصية المحلية الموصلية، من حيث المعمار، والمواد التي تبنى بها البيوت (الحجر والجص والمرمر) هو الذي يحمي أرواح ساكنيه من الخطر، طوال الفترة الزمنية التي تعالجها الرواية حيث يعتبر الزمن في هذه الرواية ليس زمناً محسوباً بالثواني والدقائق والساعات والأيام والسنين، إنما زمن يحسب بالمشاعر والهواجس والأمنيات، بكل ما فيها من تواشج وتلاحم وتقاطعات، زمن تكتبه حكايات وأحداث وشخوص تعجز العين الواقعية أن تبصره، وحدها مخيلة الفنان المبدع، تملك القدرة على أن تنسج خيوطه غير المرئية، وتكشف عما يخبئه من جمال وسحر كامن في شقوق الجدران وأخاديد الوجوه الشاحبة وقساوة الملامح.

اقرأ أيضاً:

رواية حطب سراييفو إفرازٌ من نزف الحروب.. في بقاع الأرض

ويتخذ المكان بذاكرته وتفاصيله المرئية والمخبأة وعلاقته مع الإنسان الذي يعيش فيه، دور البطولة في رواية زقاق الجمجم، كما نقرأ في هذا المقطع: “كان ألقُ الشّارع ينبعث من أحداثه وأنا أبحر في كلّ ما يجري فيه، أتصوّر أنّ شارعنا (شهر سوق) أوّل طريق شقّها الإنسان على الأرض، وهكذا يضحك مَن يسمع رأيي هذا.

وأنّ أوّل عربة خيل رقصت خيولها الأصيلة كانت فيه حتّى إن لم تذكرها الأساطير والملاحم، وأوّل نقطة ضوء سقطت على رصيفه فجعلتْه مضجَعاً لجميلات محلّتنا، وأوّل لقاء للمطر كان على سطحه، وما قناطر أزقّته سوى بوّابات سحريّة تؤدّي إلى عوالم شتّى متناهية المسافات والأسرار، تلك القناطر التي تبتلع زائريها تحت ظلالها الفضّيّة الشّاحبة، التي تحتوي على ألف خرافة وخرافة من الحكايات والبطولات ترفد الحياة كلّها بالعِبر والنّصائح، تلك الأزقّة التي تمدّ سالكيها بحمّى روائح أطعمة مختلِفة أقرب إلى سيمفونيّة عارمة الضّجيج تلاحق الزّائرين من نافذة إلى أخرى على طول الطّريق وكأنّها تريد أن تُضيّف زائريها قبل أن يدخلوها”.

اقرأ أيضاً:

عمره بين400 إلى 500 عام..منزل نزار قباني معروض للبيع في دمشق وهذا ما قاله فيه

ويذكر أن الكاتب، بيات مرعي، وُلد في مدينة الموصل في العراق العام 1963، وهو كاتب ومخرج مسرحيّ، تخرج في أكاديميّة الفنون الجميلة بجامعة بغداد العام 1990، وهو عضو في نقابة الفنّانين العراقيّين وعضو الاتّحاد العامّ للأدباء العراقيّين، وصدر له قبل رواية “زقاق الجمجم” مجموعة كبيرة من الأعمال التي تنوعت بين المسرح والقصة والرواية، ونال مجموعة من الجوائز الأدبية العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى