أدب وفنون

رواية قلعة فردقان إضاءة على حياة العالم ابن سينا

رواية قلعة فردقان– لازالت قلعة فردقان تتربع على عرش تاريخ طويل، شاهدة على حقبة زمنية، تعد من أهم الحقب التي عاشها العرب والمسلمين.

وتشهد أيضاً على اعتقال أحد نوابغ العرب بين جدرانها، الشيخ الرئيس كما كان يلقبه تلامذته، العالم ابن سينا، ومن خلال رواية قلعة فردقان يقوم الكاتب بسرد تفاصيل كثيرة من سيرة حياة العالم ابن سينا، لا يعرفها كثير من الناس عنه، رغم أنه من أعلام العرب.

سرد الرواية:

في رواية قلعة فردقان لا يأخذ سرد الرواية تسلسلاً زمنياً متصاعداً، بل اتخذ الكاتب خيار السرد عبر اللقطات الاسترجاعية، وحالة مناجاة الماضي، والذي لا ينتهِ تأثيره في لحظات الحاضر.

فهي تلك العلاقة الجلية في بناء الذاكرة المعرفية للإنسان من خلال تجاربه السابقة، ونرى كيف يغوص الكاتب في إلقاء الضوء على نشأة العالم ابن سينا، ليتحدث عن عائلته، وأصول والده الأفغاني، وانتمائه إلى المذهب الاسماعيلي، وذكائه الحاد.

فكان موظفاً في زمن استقرار دولة “السامانيين” ، أما والدته “ستارة” فكانت امرأة خوارزمية، لها تأثير كبير في حياة ابن سينا فيما بعد، وقد قدم كاتب الرواية شرحاً مفصلاً لشخصيات على المستويين الجسدي والنفسي.

 

بداية وضوح الشخصية الرئيسية:

 

وقد تزامنت وفاة والد “ابن سينا” مع امتداد نفوذ “محمود بن سبك تكين” الذي كان يسمي نفسه “ناصر السنة وقامع البدعة” فيرفض “ابن سينا” أن يكون موالياً له، فينقل.

 الكاتب عن لسانه قوله ” إنني خلصت بالفلسفة والمنطق من المذاهب كلها” وفي تلك الأثناء يطلب الغازي “الغزنوي” من أمير الجرجانية أن ينقل كل العلماء إلى عاصمة مملكته في أفغانستان، فيقوم ابن سينا بمغادرة المدينة، ويرفض الانضمام إلى الموالين للسلطان، مما يغضب “الغزنوي”.

فقد اعتز ابن سينا بنفسه وكان يرفض فكرة التبعية للسلطة، وترك لقلمه حرية الكتابة، وظهر ذلك حتى خلال فترة اعتقاله في قلعة فردقان، حيث يخاطب نفسه بينما هو سجين فيها “سوف أخايل نفسي بأنني لست حبيساً ما دامت معي أدوات الكتابة”.

العلاقة بين العالم والحاكم:

ومن أهم النقاط التي تطرحها الرواية خلال اعتقال ابن سينا تلك القضية الجدلية الكبرى في علاقة المثقفين والعلماء وأصحاب المعرفة والعلم، مع الحكام وأصحاب السلطة.

فالسبب الرئيس لسجن ابن سينا هو تأليفه كتاب “تدبير الجند والمماليك والعسكر” وذلك إبان مسؤوليته كوزير في بلاط “شمس الدولة أبي الطاهر البويهي”، أمير همذان، والذي يخشى من انقلاب الجند عليه فيقرر إبعاد ابن سينا وحبسه.

ونرى من خلال هذه الحادثة وغيرها كيف يحاول صاحب السلطة إقصاء أهل العالم ونفيهم أو سجنهم،  كما نرى الفرق واضحاً بين السجان والسجين في حوارات ابن سينا مع شخصية “المزدوج” و هو آمر سجن القلعة.

حيث يبدو الفرق الكبير في العلم والثقافة بينهما، حتى أن السجان يصبح في حيرة أمام عظمة معرفة هذا العالم، ويبدو أيضاً كيف يصير هذا العالم مدفوعاً بأخلاقه العالية طبيباً لسجانه، ولجميع الحرس في قلعة فردقان.

وكيف يكون البلسم هدية طواعية من السجين إلى السجان، فهذه هي النماذج التي تُغير بعلمها ومعرفتها ملامح الأماكن حتى وإن كانت سجوناً.

 

الحب في رواية قلعة فردقان:

وبين حوارات كثيرة عن الحروب والدول والممالك والعسكر والقلاع، يتربع الحب في كل زاوية وفي كل سطر، بل نراه عاموداً يحمل بناء الحكايات جميعاً، من الحكيم العالم إلى السجان والشخصيات الأخرى.

حيث تنشد دقات قلوبهم خفقاتها فتتغير أحوالهم، وتذكر الرواية ثلاث حكايات رئيسية أثرت في حياة العالم ابن سينا مع نساء ثلاث هن “روان” و “سندس” و “ماهتاب”.

ويُظهر الكاتب من خلال قصصه معهن مدى التأثير الذي تركنه في حياة العالم ابن سينا، رغم أن الكاتب يصف ابن سينا في إحدى فقرات الرواية بقوله: “كان يهابُ اشتداد العشق.

ويتوقى أعاصيره الهوجاء العاصفة بالتعقل الذي يستعصم به من النساء، وكيدهن ومكرهن، ونعومة استبدادهن بالقلوب إذا احتدم الحب واشتد فصار عشقاً قد يمتد ويعمق فيكون هياماً”.

 

الكاتب يوسف زيدان:

هو روائي مصري، وباحث متخصص في الدراسات العربية والإسلامية، ويعمل كمدير لمركز المخطوطات والمتحف التابع إلى مكتبة الاسكندرية.

صدر له نحو 60 مؤلفاً، ويُعد يوسف زيدان من أهكم الباحثين والروائيين في الجانب التاريخي، وصدر له سابقاً رواية “عزازيل” والتي صُنفت كواحدة من أهم الروايات العربية وفازت سابقاً بالجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر” كأفضل رواية عربية لعام 2009.

 

رواية: قلعة فردقان

الكاتب: يوسف زيدان

عدد الصفحات:319

 

إقرأ أيضاً: رواية حطب سراييفو إفرازٌ من نزف الحروب.. في بقاع الأرض

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى