مقال رأي

“بطاقة صفراء بوجه الأسد”.. لماذا فشلت حكومة العدالة والتنمية في التعاطي مع الملف الكردي السوري؟

بطاقة صفراء بوجه الأسد عام 2011

أرسل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عندما كان رئيساً للوزراء عام 2011 وزير خارجيته، داوود أوغلو، إلى دمشق ليلتقي مع، بشار الأسد، ويسلمه رسالة حاسمة مفادها أنه يجب البحث عن الحلول السياسية قبل انفلات الوضع وخروجه عن السيطرة.

محذراً إيّاه من “نفاذ صبره”، معتبراً أن الأسد، يتجاهل كل المناشدات لوقف عمليات القمع ضد المدنيين بعد مرور أشهر من انطلاقة الثورة السورية.

لافتاً إلى أن “ما يجري في سوريا ليس موضوعاً خارجياً، بل هو شأن تركي داخلي وأن الحدود المشتركة تمتد إلى أكثر من 850 كيلومتراً بين البلدين الجارتين”.

وبعد 9 سنوات من الأزمة السورية، تبين للجميع بأن أردوغان كان على حق، ولو قام الأسد ببعض الاصلاحات السياسية والاقتصادية ورفع يد الأجهزة الأمنية عن رقاب المواطنين، ومنح الكرد في سوريا بعض الحقوق الثقافية والسياسية وإعادة الجنسية، بدلاً من إشهار ورقة (العمال الكردستاني) في وجه الكرد (المعارضين) في سوريا وتركيا على حدٍّ سواء، وورقة “داعش” في وجه الأمريكان في العراق وفيما بعد في سوريا، وورقة الميليشيات الإيرانية في وجه إسرائيل، لما وصل الأمر إلى ما هو عليه الآن.

حيث طحنت الحرب البنية التحتية للدولة السورية، ودفنت تاريخها وتراثها الحضاري، و أودت حتى الآن إلى مقتل ما لا يقل عن 600 ألف شخص، بينهم 380 ألفاً تمّ التأكد من قتلهم، وبينهم ما يزيد على 115 ألف مدني، إضافةً إلى إصابة مليوني شخص بجروح مختلفة وإعاقات مستدامة وتشريد 12 مليوناً من أصل 23 مليون سوري.

وخسائر عصفت بالاقتصاد السوري، حيث أدى إلى تراجع النتاج المحلي الإجمالي من 60 مليار دولار عام 2011 إلى نحو 10 مليارات دولار عام 2019، كما تراجع حجم الموازنة العامة للدولة من 18.1 مليار دولار إلى نحو 8 مليارات دولار في العام 2020.

خروج الوضع عن السيطرة

دخلت المنظمات المصنفة دولياً على قائمة الإرهاب على خط الأزمة السورية، حيث أصبح المشهد فيها أكثر تعقيداً بعد 2013، وبدأ النظام يتلاعب بورقة هذه المنظمات، فأشهرَ ورقتهم (المنظمات) في وجه الحراك السلمي السوري، محاولاً من خلال هذه اللوحة خلط الأوراق ليظهر للرأي العام بأن نظامه (ضحية) الإرهاب العالمي.

وبالتالي إبراز نفسه بأنه (حامي) العلمانية وضحية للتطرف القديم – الجديد في سوريا على وجه الخصوص والمنطقة عامة- وتبين اليوم بأن الرهان على استخدام ورقة المنظمات “الإرهابية” لوقف الحراك الثوري وخلط الأوراق قد فشل، لأن الأزمة السورية أخذت منحى آخر بعد تدخل التحالف بقيادة واشنطن في الدفاع عن مدينة “كوباني” بعد الإجتياح المتوحش من قبل “داعش” لهذه المدينة في 2014.

ومن هناك شكل ذلك نقطة مفصلية في تاريخ الصراع السوري، فواشنطن جعلت من “داعش” مبرراً لتدخلها في سوريا عبر بوابة (كوباني) تحت عنوان حماية المدنيين.

فبدلاً من ذلك لو قام النظام السوري في 2011 بحل القضية الكردية ضمن الدستور السوري، وضمن مناطق مقطوعة الأوصال جغرافياً ( عفرين ، كوباني ، الجزيرة ) ودعم المنطقة من الناحية الاقتصادية لما وجد النظام اليوم شرق الفرات الاستراتيجية شبه دولة.

تلك المنطقة الغنية بالمواد الطبيعية والزراعية والنفط وخروجها عن سيطرته، يجعل المشهد معقداً اليوم، حيث باتت وحدة الأراضي السورية على المحك، وكل هذا ماكان قد يحصل لو أخذ، بشار الأسد، نصيحة أردوغان والدول الصديقة للشعب السوري عام 2011 على محمل الجد.

تركيا والمشهد الكردي السوري

من الواضح للجميع أنه وبعد وصول حكومة العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا، اتخذ أردوغان خطوات جريئة وجدية نحو حل القضية الكردية في تركيا حلاً سلمياً وديمقراطياً من خلال الإعلان وأمام مليون مواطن كردي في “ديار بكر” في 2013 وبمشاركة الرئيس، مسعود البارزاني، والفنان الكردي، شفان برور، بأنه “يجب ألا يتقاتل كردي وتركي بعد اليوم، ولن يحصل ذلك بعد اليوم”، وأضاف “في معرض خطابه الموجه إلى الحشود”.

“لا مكان للتمييز في تركيا الجديدة (…) بين الأكراد والعرب والأتراك والعلويين والسنة والشيعة والنساء، سواء ارتدين الحجاب أم لا، هم جميعاً مواطنون من الدرجة الأولى”.

واعتبر المراقبون هذا الحدث، مميزاً في تاريخ تركيا الحديثة، فالنتيجة كانت عبور “حزب الشعوب الديمقراطية” لأول مرة في التاريخ إلى البرلمان كحزب سياسي، وليس كمستقلين كما كان يحدث سابقاً، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن وجميع الجهود ذهبت في أدراج الرياح.

انتقال الصراع إلى الشمال السوري

في 2014 وافقت الحكومة التركية على مقترح أمريكي على إدخال قوات البيشمركة إلى مدينة كوباني (عين العرب) من خلال أراضيها بالتنسيق مع الرئيس، مسعود البارزاني، لطرد “داعش” منها.

وبالفعل تمكنت البيشمركة وبمشاركة فصائل من (الجيش الحر) ووحدات الحماية الكردية، وبجهود الجميع من تحرير مدينة كوباني من “داعش”، لكن فشل عملية السلام في “ديار بكر” ، ساهم في نقل الصراع الى داخل البقعة السورية ما بعد 2016.

ودفعت مدينتا عفرين ورأس العين ثمن ذاك الفشل، فتحولت المنطقة إلى ساحة للصراع التاريخي بين الأطراف المتعددة، ولو نجحت عملية السلام في ديار بكر عام 2013، وطبق على أرض الواقع لكان الوضع اليوم مغايراً في عفرين وتل أبيض ورأس العين، ولما أصبحت بقية المناطق مهددة.

وخلقت هذه الأحداث تصوراً لدى الناس، بأن حكومة العدالة والتنمية لم تتمكن من الفرز بين الكرد السوريين (السلميين) والجماعات المسلحة، ولم تقم بخطوات جدية نحو تقديم مشروع سياسي سلمي، تظهر للرأي العام بأن الصراع هو فقط مع طرف معين، و البحث عن إيجاد الحلول الجذرية (السلمية) في المنطقة.

الخلاصة: لو نجحت حكومة العدالة والتنمية، في التعاطي بشكل صحيح مع الملف الكردي السوري بغض النظر عن الأسباب، لما تمكنت واشنطن وموسكو من استغلال هذه الورقة ضد أمنها القومي على حدودها الجنوبية.

واستقبال وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، لوفد المجلس الوطني الكردي في أنقرة، واعتبارهم ممثلين شرعيين للشعب الكردي في سوريا رغم أهمية هذه الخطوة، لكنها ليست كافية لوضع النقاط على الحروف.

والأصح ولحساسية الموضوع وجذوره التاريخية، كان يجب تسليم المناطق التي أخرجتْ منها قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في الشمال السوري من الناحية الإدارية (على الأقل) إلى المجلس الوطني الكردي للمحافظة على التركيبة الديمغرافية في المنطقة، وبالتالي كان سيساهم ذلك في تقليل حالة الاحتقان لدى الأهالي.

وما يحدث اليوم من الانتهاكات الممنهجة على يد الفصائل بحق الكرد والعرب داخل عفرين ورأس العين، يسيء إلى سمعة تركيا الخارجية بالدرجة الأولى.

ومن هنا يجب على حكومة العدالة والتنمية، رغم اهتمامها الكبير بموضوع اللاجئين وتقديم المساعدات لهم، أن تغير من سياستها ( الإدارية) في الشمال السوري.

وتعمل جاهدةً للبحث عن الحلول السياسية والإدارية المشتركة مع الكرد السوريين حصراً ( كحلول مؤقتة ريثما يتم إيجاد حل شامل للوضع السوري).

لأنها ( أي تركيا ) معنية بالدرجة الأولى بهذا الملف، حتى لا يتم استغلال هذه الورقة على حدودها الجنوبية مستقبلاً، وتخرج الأمور يوماً بعد يوم عن السيطرة وتصبح الفاتورة أغلى مما يتصوره الجميع بعد فشل ( اتفاقات الضرورة) بين “قسد” والنظام، بسبب هيمنة الأمريكان على القرارات الأولى.

وبالتالي الحل العسكري يعقد من الأزمة، وليس محبذاً لدى الكثيرين من الأهالي، والعودة إلى طاولة المفاوضات باتت ضرورة ملحة للبحث عن الحلول السياسية والإدارية، قد يساهم في وقف نزيف الدم في المنطقة برمتها، وإعادة الثقة بين جميع مكونات الشعب السوري من جديد.

وبالتالي سيساهم ذلك في وقف تدفق الهجرة نحو أراضيها، وهذا يتطلب جهودًا أمريكية إضافية وبالتنسيق مع الرئيس، مسعود البارزاني، لإنجاح الاتفاق ( الكردي- الكردي) المرتقب في سوريا، وفيما بعد بين جميع المكونات في شرق الفرات مع أخذ مصالح ومخاوف الأمنية لجميع الدول بعين الاعتبار.

علي تمي / كاتب وسياسي

اقرأ أيضاً : قبل الاتفاق الكُردي- الكُردي المرتقب.. ما المطلوب من المعارضة السورية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى