أدب وفنون

العنصرية والتمييز في رواية “زهر الغرام” محاكاة للواقع وتأنيب للمجتمع

 

اختيرت رواية “زهر الغرام” للكاتب، أحمد قاسم العريقي، ضمن القائمة الطويلة لجائزة راشد بن حمد الشرقي للإبداع لعام 2020 وناقشت ضمن 250 صفحة إحدى القضايا الاجتماعية اليمنية الهامة والإشكالية.

 

رواية زهر الغرام

وتنقسم رواية زهر الغرام الصادرة عن دار راشد للنشر في الفجيرة إلى جزئين جاء الجزء الأول بعنوان (اليرقة: لولاه لكنتُ يرقة محنطة وما عرفتُ الطيران) وفي هذا الجزء تناول الكاتب، في خمسة فصول، معاناة (اليرقة)، وهي بطلة الرواية (زهر الغرام)؛ فتاة من فئة المهمشين، التي وقع في حبها رجل مما يُعرف بفئة القبائل (تحتل المرتبة الثانية في الطبقية التقليدية للمجتمع اليمني) واسمه (حبيب الدين) الذي تجاوز أعراف مجتمعه وتزوجها، وعاش معها في منزل في مدينة الحديدة.

 وخلال حياتها معه هناك تعلّمت القراءة والكتابة، وتزودت بالمعرفة التي ارتقت بوعيها بمساعدة زوجها، بما مكنها من تجاوز شخصيتها القديمة (الهامشية) واكتساب شخصية جديدة لا تشعر معها بالانتقاص، في إشارة إلى إمكانية الانتقال بوضع هذه الفئة لتكون جزءا من المجتمع، والراوي هنا يضع مسؤولية مبادرة عتق هذه الفئة من الهامشية على عاتق المجتمع نفسه كإرادة مجتمعية، لكنه، سيحاكم الدولة كمسؤول أول.

اقرأ أيضاً:

رواية حطب سراييفو إفرازٌ من نزف الحروب.. في بقاع الأرض

وخلال حياتها بالحديدة، مع زوجها أنجبت زهر الغرام ولدا وثلاث بنات، وعاشوا في حياة يسودها الحب، حتى مرض زوجها، وعندما شعر بدنو أجله قرر العودة بها إلى القرية ومواجهة عائلته ومجتمعه.

اعتمد بناء الرواية على حبكة مختلفة عن بقية الروايات اليمنية، التي تناولت المشكلة نفسها؛ إذ جاءت بصوت مهمش يعي جيدا مشكلة المجتمع الكبير ويحاكمها بما اكتسبه من (النشأة والقراءة) لاسيما وقد صار ذات هذا الصوت يعيش داخل المجتمع الرافض له؛ بل بالفعل استطاع هذا الصوت أن يتكيف ويطور من إمكانات شخصيته، ويعيد قراءة وعيه الهامشي ووعي المجتمع بادعاءاته الفوقية.

 ليكشف، في سياق ذلك، عمق الخلل الاجتماعي والثقافي في شخصية المجتمع، رغم أن كل ذلك الوعي لم يشفع له لتجاوز معاناة الإقصاء والتهميش، لأن المشكلة في المجتمع، الذي لم يستطع أن يتجاوز نفسه ويشعر بمشكلته في علاقته ببنيته وفئاته المختلفة، وقبل ذلك ثقافته التي تصنع علاقاته ورؤيته الإنسانية المفترضة تجاه ذاته وحياته.

 وهنا بدأ الجزء الثاني من الرواية، الذي جاء بعنوان (الشرنقة: خرجت من الشرنقة فأثقلت أجنحتي العادات الصلبة) وفي هذا الجزء، الذي تضمن سبعة فصول، خاضت زهر الغرام مواجهة مع عائلة زوجها التي رفضتها، بل لم تشفع وفاة زوجها للإشفاق عليها وعلى أولادها، فخاضت معركة شرسة ومؤلمة ما اضطرها للانتقال بأولادها للعيش في مدينة تعز هروبا من المواجهة التي وجدت نفسها أمامها.

تحتدم الأحداث بعد أن دخلت سوق العمل، وفيما تخرج ابنها في كلية الشريعة والقانون، وتزوجت من رجل يُدعى بشير وعاشت تجربة قاسية مع المجتمع، وهي تحاول إخفاء أصلها، إلى أن قررت إظهار موهبتها القديمة، وصعدت خشبة المسرح، وغنت لتضطر إلى تركه لاحقا تحت ضغوط اجتماعية قاهرة ضيقت عليها دائرة الحياة.

 وتنتهي الرواية فيما معاناة زهر الغرام ما زالت مستمرة في مواجهة مجتمع يأبى الاعتراف لها ولشريحتها بحقوقهم في الحياة الكريمة، في إشارة إلى أن قرار إيقاف هذه المعاناة منوط بالمجتمع ممثلا في الدولة في الدرجة الأولى.

اقرأ أيضاً:

ديوان “المعارج والألواح” تكوينٌ لغويّ جديد في امتداد الوجود والحياة

واعتمدت الرواية في بنائها على الدراما الصاعدة والحدث المتواتر اعتمادا على صوت الراوي ممثلا في زهر الغرام، التي جاءت الرواية محمولة بصوتها، وهي تحكي قصتها، وما مرت به من منعطفات في علاقتها بمجتمع شريحتها، ومجتمعها الكبير الذي يرفض التعامل معها بمساواة، كانت الرواية محاكمة ثنائية لذات المجتمعين؛ مجتمع زهر الغرام ومجتمع زوجها.

اقرأ أيضاً:

عمره بين400 إلى 500 عام..منزل نزار قباني معروض للبيع في دمشق وهذا ما قاله فيه

زمن الرواية

الزمن الذي تحاكيه الرواية يصور ما مرّ به تاريخ الدولة السياسي في شمال اليمن منذ سبعينيات القرن الماضي حتى نهاية القرن، عقب تحقيق الوحدة بين شطري البلاد، وكان السارد، في كل مرحلة، يضيء أبرز ملامحها السياسية، مشيرا إلى ما شهدته شريحة المهمشين في جنوب اليمن قبل الوحدة من قِبل النظام السياسي الذي دمجها بالمجتمع بقوة الدولة، وكأن السارد بهذا يحمّل الدولة عقب الوحدة المسؤولية عما يعانيه هؤلاء، خاصة في مناطق الشمال، وكأنه يقول إن ثمة تجربة نجحت في انتشال هؤلاء من واقعهم المأساوي فلِمَ لا تتكرر التجربة لاحتواء ما تبقى منها ودمجهم في المجتمع؟ وإن كان في السياق ذاته يحاكم المجتمع أيضا، لكنه في تحميله الدولة جزءا كبيرا من المسؤولية، ينطلق من اعتبار الدولة هي مَن تقود التغيير الحقيقي من خلال القرار، الذي بدوره سيقود المجتمع للتماهي التدريجي مع الواقع الجديد الذي يفترض أن تعيه وتنشده الدولة كإرادة حقيقية للمجتمع والإنسان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى