حورات خاصة

إحصاء الحسكة.. حُرِم 300 ألف من جنسيتهم وثبت البعث أركانه.. كيف ينظر الكرد إليه في ذكراه الـ 58

جرى إحصاء استثنائي للكُرد في سوريا 5 أكتوبر/تشرين الأول عام 1962، عُرِفَ بــ”إحصاء الحسكة”، وبموجب هذا المشروع الذي مرَّ عليه اليوم 58 عاماً، جرد أكثر من 300 ألف من أبناء الشعب الكردي من جنسيتهم السورية بشكلٍّ عشوائي.

إحصاء الحسكة 1962

واستناداً إلى المشروع السياسي آنذاك، تمّ تقسيم المواطنين الكرد إلى ثلاثة أقسام: مواطنين من الدرجة الأولى(كُرد يتمتعون بالجنسية السورية)، ومواطنين من الدرجة الثانية (كُرد مجردين من الجنسية ومسجلين في القيود الرسمية على أنهم أجانب، من الذين يحملون البطاقة الحمراء/إخراج قيد)، و مواطنين من الدرجة الثالثة (كُرد مجّردين من الجنسية غير مقيدين في سجلات الأحوال المدنية الرسمية، وأطلق عليهم وصف مكتوم القيد، وهو مصطلح إداري سوري يشير إلى عدم وجود الشخص المعني في السجلات الرسمية).

وكانت معاناة الفئة الأخيرة “مكتومي القيد”، أشد وأكثر قسوة، حيث سد أمامهم سُبل الدراسة في المراحل الدراسية العليا، وتمّ وضع التعقيدات والعراقيل أمامهم في المراحل الدراسية الدنيا، إضافةً إلى حرمانهم من التسجيل في المعاهد والجامعات، وحرمانهم من فرص العمل وممارسة الحقوق والواجبات التي يتمتع بها غيرهم من المواطنين كحق العمل والتوظيف والانتخاب والانتفاع بالأراضي.

كما حرموا نتيجة ذلك من حق تثبيت وقائع الزواج والولادات في سجلات الدولة، ومن حق حيازة جواز السفر، وبالتالي عدم تمكنهم من الانتقال إلى خارج البلاد والعديد من الأمور الأخرى.

ورغم حصول الكُرد على الجنسية السورية مؤخراً، لكن يبقى 5/أكتوبر من كل عام ذكرى أليمة بالنسبة لهم، يستعيدون فيها جميع صنوف الحرمان طيلة عشرات السنين التي خلت، ويعتبر هاجساً للكتابة والتعبير عن مرارة ذاك القرار بحقهم.

قال السياسي والحقوقي الكردي، مصطفى أوسو، في تصريح لوكالة “ستيب الإخبارية”، إنَّ: “تجريد الناس من مواطنيتهم/جنسيتهم، لا يمكن أن يصدر إلا من أنظمة عنصرية ومارقة لاتهتم بالقوانين ولا تقيم لها وزناً، فالمواطنة حق أساسي من حقوق الإنسان، يكتسبه الفرد قانوناً بمجرد ولادته على بقعة معينة”.

وأضاف: “جاء في نصّ المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أنه: لكل إنسان الحق في أن يكون له جنسية، ولا يحرم أحد تعسفاً من جنسيته ولا من حقه في تغييرها”.

 كيف ينظر الكرد إلى إحصاء الحسكة في ذكراه الــ 58
كيف ينظر الكرد إلى إحصاء الحسكة في ذكراه الــ 58

وتابع في ذات السياق: “وجاء أيضاً في نصّ المادة الأولى من قانون الجنسية السوري رقم 68 لعام 1951 أنه يعتبر سورياً حكماً: أ – من ولد في سوريا من والدين مجهولي الجنسية. ب – من ولد في سوريا أو خارجها من والد سوري. ج – من ولد في سوريا ولم يحق له عند ولادته أن يكتسب بصلة البنوة جنسية أجنبية. د – من ينتمي بأصله إلى البلاد السورية ولم يكتسب جنسية أخرى”.

وأكّد أوسو، قائلاً: “عندما يحرم أي مواطن تعسفاً من حقه الطبيعي في أن يكون له جنسية الدولة التي ينتمي إليها، رغم أنه تتوفر فيه جميع العوامل والشروط التي تنصّ عليها قوانينها، تتحمل سلطاتها/أنظمتها، المسؤولية المدنية والأخلاقية والجزائية الناجمة عنها”.

ومن جهته، أوضح الكاتب الكردي، إبراهيم اليوسف: “جاء الإحصاء الاستثنائي كأوّل الإجراءات، التي تمّ تطبيقها، وسلخت الجنسية بموجبه عن مئات الآلاف من مواطنينا الكرد، وعانوا ظروفاً جد أليمة، وبالرغم من النضال الطويل في سبيل رفعه، من قبل أحزاب الحركة القومية الكردية، والشيوعيين السوريين، على حدٍّ سواء، إلا أنه لم يرفع، إذ كان النظام البعثي ينظر إلى هذه الجريمة المرتكبة بحق هؤلاء المواطنين – وبعين أجهزته الأمنية- بأن إيجاد أي حل لها إنما يعني تنازلاً وإيذاناً للكّرد بمطالب أخرى”.

ويرى القيادي في تيار المستقبل الكردي، علي تمي، أن الإحصاء كان “عنصرياً بحتاً، أراد البعث من خلال هذا الإحصاء تفكيك المجتمع الكردي وتهجير الناس ومحاولة الاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم، وحرمانهم منها”.

النظام السوري منح الكرد الجنسية مع اندلاع الثورة

مع بداية الثورة السورية 2011، اجتمع رأس النظام السوري، بشار الأسد، مع مجموعة من وجهاء العشائر الكردية في محافظة الحسكة، وللمحافظة على هدوء الشارع الكُردي مع تفاقم الوضع في عموم البلاد، أصدر مرسوماً بمنح جميع الكرد الجنسية السورية.

تعليقاً على المرسوم الذي أصدره رأس النظام السوري، عام 2011، القاضي بإعادة الجنسية السورية للكُرد المجردين منها، أكّد مصطفى أوسو: “بناءاً على المرسوم استعاد مئات الآلاف منهم الجنسية السورية التي تمّ تجريدهم منها، لكن الآلاف من هؤلاء المجردين لا يزالون دون جنسية حتى الآن، على الرغم من مرور أكثر من تسعة أعوام على صدور مرسوم إعادة الجنسية إليهم، وهؤلاء يعرفون قانونياً في سجلات الحسكة الرسمية بـ (مكتومي القيد)، كما أنه – المرسوم المذكور – لم يقرر أي تعويض لمن تمّ إعادة الجنسية السورية إليهم، المسجلين في السجلات الرسمية باسم (أجانب الحسكة)، وذلك عما لحق بهم من أضرار مادية ومعنوية خلال السنوات الممتدة من 1962- 2011 سواء ما تعلق منه بحرمانهم من حق السفر خارج البلاد، ومنعهم من التوظيف في الدوائر والمؤسسات الرسمية، وكذلك منعهم من استكمال تعليمهم الجامعي والعالي، وكذلك من تثبيت عقود زواجهم في السجلات الرسمية، وغيرها من الحقوق المدنية المترتبة على الحق في الجنسية”.

وبحسب إبراهيم اليوسف، فإنه على “النخب الكُردية الواعية أن تقدم دراسات عن آثار هذه الجريمة على مواطننا، والعمل على إعداد ملف شامل بأسماء ضحايا الإحصاء، ومن كانوا وراءه، وتقديم شكوى بأسماء من خطط له ومن نفذه ومن عمل على تكريسه، ومطالبة هؤلاء المجرمين بحقوق هؤلاء كاملة”.

أما علي تمي، فيرى أن المرسوم الذي أصدره بشار الأسد، كان “لتحييد المكون الكُردي من المشاركة في الثورة، ومحاولة ارضائهم”، قائلاً: “لكن هذه الجهود باءت بالفشل”.

شهادة كردي فقدت عائلته الجنسية بسبب إحصاء الحسكة

لم يخلُ إحصاء الحسكة، طيلة أعوامه الــ58، من غرائب وعجائب، فالكثير من الأطفال كان يتم تسجيلهم لأب مسجل على أنه أعزب كونه حسب الإحصاء غير سوري، والكثير من الأبناء أصبحوا أجانب في حين بقي آبائهم وأمهاتهم مواطنين سوريين.

كما أن الإحصاء تسبب بتدمير آلاف الأسر قبل أن تتكون، حيث كان يتم “جبراً” فك خطبة الكردي ذي جنسية سورية من أخرى أجنبية، وكثيراً ما كان يتم رفض أحد الطرفين للآخر بسبب تعقيدات الزواج فيما بعد، ونتائجه السلبية على مستقبل الأطفال.

يقول الشاعر الكردي كاسي حميد يوسف: “لازالت والدتي مكتومة القيد، عانينا المرارة من وراء عدم امتلاكنا للأوراق الرسمية”، مضيفاً : “رغم أن والدي رحمه الله كان مواطناً سورياً ولديه هوية سورية، فأنا وأخوتي حرمنا من أن نكمل دراستنا، كوننا من مكتومي القيد، وهذا الشيء بحد ذاته هو بمثابة إعادة ترتيب طبقي حسب هواية البعث”.

متابعاً: “فنحن المكتومون، نعتبر كائنات ناقصة الحقوق، عديمة القيمة، هذا هو شعورنا بكل صدق، فإن تجد أصدقائك وزملائك أيام الدراسة وقد انهوا الجامعة وتوظفوا وحققوا بعض أحلامهم وأنت لا تزال تجهل مصيرك ومصير أهلك وأطفالك ولا تجد إلا طريقاً ملبداً بغيومٍ سوداء ومعبداً بأشواك حادة مؤلمة، فهذا ليس قدراً إليهاً بقدر ما هو أمر بعثي”.

وأردف في ذات الصدد: “ثانياّ، عندما يتحدد للمجرد من الجنسية سقف اجتماعي واقتصادي وسياسي أدنى من المواطن السوري العادي، فهذا أحد الوان العبودية أو الاستعباد، ولهذا تجنب كثر منو الكور أصحاب الجنسية الزواج من المجرمين، وخاصةً من المكتومين، وترددت أوساط كثيرة من بني جلدتنا قبل الموافقة على تزويج أبنائهم أو بناتهم من طبقة المكتومين”.

وفي رواية أحمد عمر (59 عاماً)، لأحد أغرب نتائج إحصاء الحسكة: “أحببت فتاة بشكل جنوني لمدة 5 سنوات، ذهبت وأسرتي لخطبتها، لكن أهلها رفضوا الارتباط لأنني كنت مكتوم القيد ولا أملك الجنسية السورية”، قائلاً: “بمناسبة الذكرى 58 أقول لعن الله البعث وقراراته التعسفية تجاه الكرد”.

ويعتبر الكرد ثاني أكبر قومية في سوريا، حيث يشكلون حوالي 15% من سكان البلاد وفق الإحصائيات الأخيرة، ومعظمهم من المسلمين السنة، وبعضهم من الايزيديين، إضافةً إلى عدد قليل من المسيحيين الكرد.

إعداد: سامية لاوند

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى