الصراع الخفي بين موسكو وطهران على التركة السورية.. ومطالب واشنطن الأربعة
بينما كانت قوات المعارضة السورية تقرع أبواب القصر الجمهوري ومن ساحة العباسيين وسط دمشق في 2014، طار قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، إلى موسكو واجتمع مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لمناقشة التدخل الروسي العسكري في سوريا، وبالفعل أقنعه بالتدخل العسكري بعد لقاءٍ بينهما استمر لمدّة ساعتين.
موسكو وطهران وبداية التدخل العسكري
يقول حسن نصر الله، في مقابلةٍ له مع قناة الميادين، إنَّ: “سليماني كان أول من تنبه إلى الخطر القادم إلى سوريا تحت حجة الربيع العربي لدعمها المقاومة”.
وأشار إلى أن “سليماني كان في دمشق عند تنحي الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، في شباط 2011، وجاء إلى بيروت ليجتمع مع نصرالله”، ويقول الأخير: “كنت فرحًا حينها بالتنحي”، ويضيف أن سليماني أكّد له حينها خلال الاجتماع أن “هناك خطرًا قادمًا إلى المنطقة”، وفيما بعد اجتمعا سوياً مع بشار الأسد في دمشق، وطلبا منه أن يستعد وأن تتجهز جميع أجهزة الدولة.
وأوضح نصرالله، أن قرار بشار الأسد “الصمود كان الدافع الرئيس لحلفائه في دعم دمشق والدخول في المواجهة إلى جانبها”، ومن هنا بدأت انطلاقة التدخل الروسي الإيراني في سوريا لحماية النظام من السقوط.
تصادم إيراني روسي على التركة السورية
بعد أن قلبت موسكو الطاولة على الجميع في سوريا، وتمكنت من تغيير الخارطة الميدانية في سوريا رأساً على عقب لصالح النظام السوري، ونجح بإبعاد قوات المعارضة من عتبة دمشق، ولم تعدّ تشكل خطراً على القصر الجمهوري، فيما بعد ذهبت موسكو وطهران بالحشد العسكري للسيطرة على شرق الفرات، المنطقة الاستراتيجية في سوريا التي تتمتع بالموارد الطبيعية والبشرية، وتعتبر بالنسبة لطهران منطقة استراتيجية لإعادة ما خسرتها في سوريا من الأموال إلى خزينة الدولة، و لما تشكل هذه المنطقة من صلة الوصل بين بغداد ودمشق، بالتالي هو امتداد لهلال الشيعي المرتقب.
وأخيراً، طفا على السطح منذ أسبوع بوادر صراع روسي – إيراني خفي على سوريا، فعلى طريق حمص – ديرالزور تمّ استهداف حافلات تُقل عناصر النظام السوري فقتل أكثر من 30 عنصراً ووقوع عشرات الجرحى، إضافةً لتعرض آخرين للخطف على يد المجموعة التي نفذّت الهجوم وعلى الفور “داعش” تبنى العملية.
وادعى النظام عبر ماكيناته الإعلامية، أن جميع القتلى هم من المدنيين المسافرين، وأنهم كانوا يستقلون حافلة “بولمان”، وأنهم تعرضوا لهجوم مسلح على طريق دير الزور ـــ تدمر في منطقة كباجب.
لكن عندما نتعمق في قراءة ما بين السطور حول هذه الأحداث، نجد أن موسكو لها من مصلحة مباشرة فيما يحصل، من المعلوم أن موسكو وعدت تل أبيب بقصقصة أجنحة الميليشيات الإيرانية في ديرالزور، وضبط إيقاعاتها مقابل عدم الضغط على النظام، وتركه يواجّه مصيره مع السوريين، فحشد الفرقة الرابعة إلى ديرالزور التي تشرف عليها طهران بشكل مباشر. لا شكّ أن هذه الخطوة تزعج موسكو، فاستهدافهم على طريق حمص – ديرالزور، يبدو أنها رسالة روسية لإيران مفادها “عليك التزام حدودك وإلا فإن الموت ستواجه هذه الميليشيات أينما ذهبت”.
الرّد على هذه الخطوة لم تتأخر، فاستهداف القاعدة العسكرية الروسية في تل السمن بريف الحسكة، التي تقع ضمن منطقة نفوذ (قسد) هي رسالة إيرانية مزدوجة لموسكو، فيُفّهم من هذا التصعيد أن طهران يمكنها الرّد والدفاع عن نفسها في الزمان والمكان المناسبين، فوقوع القتلى والجرحى من الجيش الروسي بعد الهجوم على القاعدة الروسية توحي بأن طهران لم تتأخر في الرّد على استهداف عناصر الفرقة الرابعة، يبدو مقتل ضابط إيراني بالإضافة إلى 6 عناصر من الميليشيات التابعة لـ “الحرس الثوري”، بكمين نفذّه مجهولون على أطراف مدينة البوكمال شرقي دير الزور، يوم أمس الجمعة، كان ردّاً روسياً مباشراً على الهجوم على قاعدتها العسكرية في تل السمن بريف الحسكة، وهكذا يستمر مسلسل الاستهدافات والرسائل المتبادلة المزدوجة بين طهران وموسكو في شرق الفرات، وهذا إن دلّ إينما يدلّ على جدية الرئيس، فلاديمير بوتين، وجدية التزاماته مع تل أبيب، لا يمكنه الخروج عن الطاعة، فمطلوب منه أيضاً ضبط إيقاعات الميليشيات الإيرانية في درعا وشرق الفرات، فمن المحتمل أن يستمر هذا الصراع في شرق الفرات، بينما أنقرة وواشنطن تراقبان الأوضاع والتطورات عن كثب، فموسكو تريد اكتساب ود أنقرة من خلال منحها هدية أخرى وهي عين عيسى، نكاية بطهران وسلوكها “الحاقد” تجهها في سوريا، لكن تبيّن أن أنقرة لا تستطيع التضحية بعلاقاتها الإستراتيجية مع واشنطن، فهي لن تتدخل عسكرياً إلى هذه البلدة الإستراتيجية إن لم يتمّ التفاهم بينها وبين واشنطن. قسد هي الأخرى وجدت نفسها محرجة وبين نارين ( النار الإيراني ومعها النظام ) ، والنار الأمريكي التركي وبتواطؤ روسي معهما لإعادة ترتيب الأوراق في شرق الفرات وتوزيع الأدوار وفق الحاجة الميدانية لكل طرف في الميدان.
المطالب الأمريكية
الخلاصة : يبدو ان موسكو مصرّة على منح عين عيسى إلى أنقرة نكاية بطهران التي خرجت عن الطاعة، وأنقرة يبدو أنها لن تتدخل أو تغامر قبل التفاهم مع واشنطن التي تنتظر الرّد على اسألتها من (قسد) التي سلمها إيّاهم نائب القائد العام لقوات التحالف الدولي، الجنرال كيفين كوبسي، والمتحدث باسم التحالف، العقيد واين ماروتو، الذان زارا منطقة شرق الفرات مؤخراً.
وتتخلص المطالب الأمريكية من قسد بما يلي:
1- الاستعجال في الاتفاق مع المجلس الوطني الكُردي.
2- إخراج عناصر حزب العمال الكردستاني، والقائمة التي بحوزة الأمريكان عددهم 400 كادر موزعون في جميع مناطق سيطرة (قسد).
3- عقد مؤتمر شامل في شرق الفرات، يشارك فيه جميع أبناء المنطقة.
لاشك أن هذه المطالب ستصطدم برفض إيراني مباشر وهذا لا جدال عليه، التي باتت تهيمن على قرارات (قسد) إلى حد بعيد، وبالتالي ستجد موسكو نفسها في وضع محرج ربما تصطف مع أنقرة وواشنطن لمواجهة التمدد الإيراني في سوريا، ومن الواضح أن النظام السوري هو من سيخسر في هذه المعركة لأن يد تل أبيب على الزناد عندما يغض موسكو النظر بشكل أوسع عن هجماتها على دمشق وحمص وديرالزور، فإنها ستدمر الأخضر واليابس في سوريا وتحت أنظار الجيش الامريكي في سوريا.
ومن المحتمل أن تستخدم طهران ورقة العشائر في شرق الفرات ضد التواجد الأمريكي، نكاية بها ستمنح موسكو مزيداً من المناطق إلى تركيا، وواشنطن لم تعد تثق بقسد فهي ستعمل على إيجاد قوة عسكرية وسياسية منظمة بديلة لها في شرق الفرات لتمثلها في اللجنة الدستورية، وبالتالي نحن أمام صراع رباعي على منابع النفط في شرق الفرات، والأيام القليلة القادمة سترفع الستار عن نوايا كل طرف، وسيتبين لنا بشكل أدق مما هو موجود الآن عمق المستنقع الذي يتعارك فيه هؤلاء الحيتان على التركة السورية بعد تهجير اهلها وتدمير بنيتها التحتية تحت أنظار العالم ( المتحضر ) الذي اتخذ من النفاق والخداع نهجاً لهم .
علي تمي / كاتب وسياسي