مقال رأيسلايد رئيسي

الدوحة والرياض إلى مركبة واحدة.. هل هو تمهيد لاتفاق سلام مع تل أبيب ومواجهة طهران؟

علي تمي / كاتب وسياسي

نشأة الخلافات مع الدوحة

أغلقت دول الخليج المجاورة حدودها مع قطر في 2017، كما أغلقت مصر مجالها الجوي وموانئها أمام جميع وسائل النقل القطرية، وبدورها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والحكومة الموجودة في شرقي ليبيا قطعت علاقاتها مع الدوحة.

فيما ازدات حدّة التوتر بين قطر وجيرانها السعودية والإمارات والبحرين، فضلاً عن مصر، إلى مستويات غير مسبوقة، إذ تدهورت علاقاتها مع هذه البلدان لتصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية معها وإغلاق الحدود والمجال الجويّ بشكل كامل بعد اتهام الرياض الدوحة بدعمها لجماعات إسلامية في سوريا وليبيا بما في ذلك (جماعة الإخوان المسلمين وداعش والقاعدة).

وأشارت الرياض إلى أن ذلك يهدف إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، وهذا ما اشعل شرارة الخلافات بين الدولتين الخليجيتين، وما دفع بالدوحة للتوجه نحو أنقرة والاحتماء بها نتيجة الحصار الذي فُرض عليها من جميع الجوانب.

كما أعلنت الأردن بدورها عن خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع الدوحة، وإلغاء ترخيص مكتب الجزيرة في عَمَّان، إلى ذلك أعلنت موريتانيا عن قطع علاقاتها الدبلوماسية بقطر، لكن الجميع تفاجئوا بتصريحات لأمير قطر آنذاك، التي أشاد فيها بالدور “الإيجابي” لإيران وحزب الله وحماس في المنطقة، وهذه التصريحات كانت بمثابة الشرارة الأولى للدخول في نفق التصعيد الإعلامي والدبلوماسي بين الطرفين.

أزمة الخليج غير مسبوقة وتداعياتها كبيرة

الحصار الذي فُرض على الدوحة دفعتها للتوجه نحو طهران وأنقرة وحركة حماس وحزب الله اللبناني، بينما الرياض ومعها الإمارات ومصر والبحرين قرروا عقد اتفاق سلام مع تل أبيب قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض من جهة، ووجدوا أنفسهم في الوقت ذاته بين سندان طهران الذين يحرض الحوثيين ضد الرياض وإطالة عمر الأزمة في اليمن لدفع السعودية للغرق أكثر في هذا المستنقع وعدم القدرة على الهروب منها أبداً.

يبدو أن الرياض وجدت متنفساً عن طريق الإمارات ومن خلال تل أبيب، ارضاءاً للرئيس ترامب، الذي على ما يبدو مصرّ على ترتيب البيت الخليجي قبل مغادرته البيت الأبيض، بينما طهران هي الأخرى استغلت هذه الفرصة لتوسع نفوذها في سوريا على حساب المعارضة السورية التي كانت تدعمها الرياض، ودعمت الحوثيين في اليمن والهيمنة على قرارات الحكومة العراقية، وفي الضفة الأخرى دخلت الدوحة على خط الخلافات مع الرياض ودفعتها بالتدحرج نحو “تل أبيب ” لينتهي بها المطاف لاتفاق سلام غير مباشر عن طريق الإمارات والسودان والبحرين والمغرب لتمنح لنفسها متنفساً بعد أنّ جاءت الضغوطات دفعة واحدة، بدورها تل أبيب رمت بنفسها إلى وسط الحلبة لتجبرهم على التطبيع وإلا فإن الميليشيات الإيرانية ستجتاح جميع الدول العربية والدخول في عملية تبادل الأدوار مع طهران، وهذا ما يحصل بالضبط.

الاستعداد للمواجهة مع طهران وتل أبيب

يبدو أن الرياض بصدد ترتيب البيت الخليجي، لأن الوحش الإسرائيلي يغزو دولة بعد أخرى، وتجبرها على اتفاقيات سلام وترهبهم بـ”البعبع الإيراني”، وهذا ما حقق لتل أبيب نتائج قوية على الأرض الواقع ودفع بأربعة دول عربية حتى الآن دفعة واحدة بالرمي إلى أحضانها على طريقة السلام بدون (حل القضية الفلسطينية) ووجدت نفسها منتصرة في هذه (المعمعة)، بينما طهران هي الأخرى استغلت الأزمة بين الرياض والدوحة ورمت بنفسها الى وسط الحلقة ، فتمكنت من تغيير الخارطة الميدانية في سوريا على حساب المعارضة السورية التي كانت تدعمها الرياض، وزعزعة الأمن والاستقرار في العراق ولبنان وقصف الموانئ السعودية من اليمن، بناءًا عليه وجدت الرياض نفسها مضطرة لإعادة الدوحة إلى الخيمة الخليجية بعد أن تخلت عن شرطها بإغلاق قناة الجزيرة، و لإغلاق الطريق أمام طهران للوصول إلى عتبة الدوحة، وبالتالي لتتدحرج الأمور نحو الهاوية.

انعكاس الأزمة الخليجية سلباً على الوضع السوري

يبدو أن الشعب السوري بكافة فئاته وطوائفه هو المتضرر الأكبر من هذه الأزمة، فاحدثت شرخاً بين صفوف المعارضة وشتت من أفكارهم بينما النظام كان المستفيد الأكبر من هذه الأزمة فتمكن من قلب الطاولة على المعارضة في جنيف وفي الميدان بعد خسارة الأخيرة للداعم الأساسي وهي الرياض لانشغالهم بالأزمة الداخلية مع الدوحة.

عودة العلاقات بين الرياض والدوحة

رغم كل ما حصل فهي خطوة شجاعة وصائبة وبداية لإعادة المياه إلى مجاريها ولإغلاق الطريق أمام طهران لاجتياح البلدان العربية ميدانياً، ونشر الفوضى في المنطقة وخاصة في اليمن، لاشك أن أنقرة وواشنطن وموسكو وجدوا أنفسهم محرجين في منح الأحقية لأي طرف فأمسكوا العصى من الوسط، لأنهم كانوا على الدراية بأن هذه الأزمة هي مرحلية وعابرة، لهذا السبب كانت هذه الدول أولى من رحبت بعودة العلاقات بين الرياض والدوحة والمتضرر الأكبر من ترتيب البيت الخليجي هما تل أبيب وطهران والنظام السوري لأنهم فقدوا أكبر ورقة ضغط على الرياض من خلال تحريض قناة الجزيرة على العائلة المالكة في السعودية.

مواضيع ذات صِلة : تقرير أمريكي يكشف كواليس المصالحة الخليجية.. وقرقاش يوضح مصير لائحة الـ 13 مطلباً بينها قناة الجزيرة

الخلاصة: عودة العلاقات بين الدولتين الخليجيتين المحورتين تعيد ترتيب الأوراق من جديد في الشرق الأوسط، ومن المحتمل أن تتوجه قطر نحو تل أبيب بدلاً من طهران، وتأتي هذه الجهود ضمن خطة أمريكية إستراتيجية لعزل طهران قبل وصول مركبة بايدن إلى الشرق الأوسط، فمن المحتمل أن تكون هناك جبهة عربية إقليمية دولية مشتركة ضد طهران إن لم ترضخ للسياسة الأمريكية في المنطقة، وربما توجه ضربات صاعقة إلى مفاعلاتها النووية، واستهداف مزيداً من علمائها وقادة الحرس الثوري في عمقها.

ويبقى الخاسر الأكبر من حل الخلافات الخليجية هو النظام السوري، فعلى المعارضة السورية تجميع صفوفها من جديد، والتحضير لأسوأ سيناريوهات يمكن أن تنفجر في المنطقة في أية لحظة، والأرجح سقوط النظام السوري وانسحاب إيران من سوريا أو أن تتوجه سوريا نحو التقسيم إلى ثلاث دويلات مفككة مقسمة ( تقسيم المقسم وتجزأة المجزأ )، ويبدو أنه السيناريو المحتمل.

ومطلوب أيضاً من المجلس الوطني الكُردي داخل هذه الفوضى، تشكيل وفد والتوجه نحو الخليج والترحيب بعودة العلاقات بين الرياض والدوحة والخروج من القوقعة التي وضعته فيها حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يلعب على عامل الوقت ( البدل الضائع )، لأن الاتفاق مع هذا الحزب ربما نحمي من خلالها بعض المناطق والمقيمين فيها ونمنعهم من التهجير، لكن بلا شك سنخسر المحافل والورقة الدولية، ولعبة الاتحاد الديمقراطي مع المجلس الوطني الكردي على عامل الوقت حتى يتسنى له فرصة أخرى لرمي المخالفين له إلى قاع نهر الدجلة لتخلص منهم ومن ( شرهم )ويذهب أحلام الجميع أدراج الرياح، وبعدها الندم لن يفيد أحداً، وقضيتنا العادلة ستدفع الفاتورة بمفردها.

شاهد أيضاً : سيدة تعتدي على سائق وتركل سيارته وتصدمها بمكان عامّ بهذه الدولة الخليجية

الدوحة والرياض إلى مركبة واحدة.. هل هو تمهيد لاتفاق سلام مع تل أبيت ومواجهة طهران؟
الدوحة والرياض إلى مركبة واحدة.. هل هو تمهيد لاتفاق سلام مع تل أبيت ومواجهة طهران؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى