تحقيقات ستيبسلايد رئيسي

تغييرات جذرية يشهدها المجتمع السعودي مؤخراً.. وباحثون سعوديون يكشفون لـ “ستيب” حقيقة الأمر

خلال السنوات القليلة الماضية شهدت السعودية تغييرات كثيرة على مستوى المجتمع السعودي والقوانين، حيث باتت حفلات الغناء ودور السينما علنيةً وتقام بمهرجانات كبير وبجمهور واسع، إلا أنّ منظمات حقوقية واصلت انتقاد المملكة والقوانين المعمول بها وشككت بالحالة السائدة.

 

  • حفلات ودور سينما وتغييرات في المجتمع السعودي

في شهر آذار عام 2017 شهدت مدينة الرياض أول حفل غنائي بعد عقود من الانغلاق المجتمعي وحظر هذه النشاطات، حيث أحيا الحفل الفنانين السعوديين “محمد عبدة وراشد الماجد”، إلا أنه كان حفلاً “ذكورياً” مُنعت من حضوره النساء.

وفي شهر كانون الأول من ذات العام شهدت السعودية أول حفل بمكان عام للنساء، حيث أحيت الحفل الفنانة “بلقيس فتحي” في مسرح مدينة جدة السعودية، وكان حفلاً “نسوياً” منع الرجال منه.

وانتظرت السعودية حتى عام 2018 ليقام أول حفل غنائي مُختلط “نساء ورجال”، والذي غنّى به الفنان المصري “تامر حسني”، إلا أنه وفق ما أعلنت هيئة الترفيه السعودية كان بضوابط أهمها أنّ المكان مفصول بين الرجال والنساء، ومنع “التمايل والرقص” واشترط اللباس المحتشم وعدد آخر من الضوابط.

وفي شهر آذار من عام 2018 شهدت السعودية افتتاح أول دار للسينما بالمملكة بعد عقود، وهو ما كان ضمن سياسة التغيير في المجتمع السعودي.

 

  • تغييرات بقوانين جدلية تخص المرأة السعودية

كانت السعودية هي البلد الوحيد في العالم الذي يمنع النساء من قيادة السيارات، واستمر ذلك حتى عام 2017 حين سمح الملك سلمان بن عبد العزيز، المرأة السعودية من قيادة السيارة وحيازة رخصة قيادة نظامية دون أي مانع، والذي كان بمثابة انتصار جديد لحقوق المرأة في المملكة، وفي 4 حزيران من عام 2018، كانت فتاة سعودية تدعى أحلام آل ثنيان أول امرأة تحصل على رخصة قيادة سيارة في السعودية.

كما تمكنت المرأة لأول مرّة من الحصول على جواز سفر والسفر إلى الخارج بدون موافقة قريب ذكر، في قانون آخر كان يعتبر من القوانين الجدلية جداً في السجّل الحقوقي للمملكة.

اقرأ أيضاً: للمرة الأولى.. سيدة تقود الهيئة العامة للإعلام في السعودية

 

وشملت الإصلاحات أيضاً تقدماً ملحوظاً للمرأة على صعيد الأحوال الشخصية، فالمرأة أصبحت تستطيع تسجيل ولادة أطفالها لدى مصلحة الأحوال المدنية، وهو ما كان محصوراً في الآباء أو الأقارب لجهة الأب، بالإضافة إلى إعلام المكتب بالوفاة والزواج أو الطلاق. وتسمح التعديلات للنساء – إضافة إلى أزواجهن – بأن يُعتبرن “رب الأسرة” بخصوص الأطفال، ما سيُحسّن قدرة النساء السعوديات على إجراء المعاملات الحكومية نيابة عن أطفالهن.

وقد سمح للنساء بدخول 3 استادات رياضية كبرى في مدن رئيسية، إذ أعلنت الهيئة العامة للرياضة، في تشرين الأول 2017، أنّ 3 من أكبر من الاستادات في المملكة سوف تفتح أبوابها للعائلات أوائل 2018.

 

  • قضية خاشقجي

عام 2018 كان عاماً لا ينسى في السعودية من حيث التغييرات، ولم يكن ينتهي العام حتى طفت على سطح قضية مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” على يد مسؤولين في القنصلية السعودية في تركيا.

مما تسبب بفتح ملفات حقوق الإنسان في السعودية من جديد، وخصوصاً تلك المتعلقة بعقوبات مثل “الإعدام”، إضافة لمحاكمة الناشطين والعملية القضائية وغيرها.

 

  • عقوبة الإعدام في السعودية

خلال عام 2020 الفائت أكدت هيئة حكومية في السعودية أنّ السلطات خفضت “بشكل كبير” تنفيذ عمليات الإعدام، ووثّقت هيئة حقوق الإنسان السعودية 27 عملية إعدام في عام 2020، وقالت إنها تمثل انخفاضاً بنسبة 85 في المئة مقارنة بعام 2019، حيث كانت المملكة حينها الثالثة عالمياً بعدد الإعدامات بعد الصين وإيران.

وأصدر قانون آخر تحدث عن أن الذين حُكم عليهم بالإعدام لارتكابهم جرائم وهم من القُصّر لن تنفذ عليهم أحكام الإعدام، وبدلاً من ذلك يُعاد الحكم عليهم بالسجن لمدة أقصاها 10 سنوات.

 

  • إزالة السيف من علم السعودية

هذه التغييرات في المجتمع السعودي والقوانين الحاكمة، أعطت الجرأة لأحد أشهر الكتّاب في السعودية ويدعى فهد عامر الأحمدي، ليدعو إلى إزالة رسمة السيف أسفل عبارة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” في العلم السعودي، ليثير ضجّة واسعة بين نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقد نشر الأحمدي تغريدة قال فيها: “اقترح إزالة السيف من علمنا السعودي لعدم مناسبته (أولا) لعصرنا الحالي، وعدم توائمه (ثانيا) مع قوله تعالى: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِينِ و(ثالثا) لنفي ادعاءات العنف والقتل عن ديننا الحنيف.. علما أن العلم السعودي تغير ست مرات لم يكن في مرتين منها يحمل سيفا كما يتضح من الصور”.

 

https://twitter.com/fahadalahmdi/status/1354344312969056257?s=20

ورد الأمير سطام بن خالد آل سعود، على تغريدة الأحمدي قائلاً: “السيف هو رمز للقوة والعدل وجزء أصيل في تاريخنا فلا ننسى أن ملوكنا يرفعون السيف أثناء العرضة للتعبير عن القوة والعزة والكرامة وشارك فيها الكثير من رؤساء العالم ورفعوا السيف فهل هذا يعني بأنهم يدعون للعنف، على نفس المبدأ نغير أسماؤنا وتاريخنا وشعار الدولة حتى لا نتهم بالعنف كما تدعي”.

تغريدة الأمير سطام
تغريدة الأمير سطام
  • هل السعودية باتجاه التغيير؟

كل تلك القوانين والإجراءات التي تتخذها المملكة السعودية لا تزال تواجه تحديات بين التطبيق والنقد، وحول ذلك يقول الدكتور محمد صالح الحربي، الخبير والباحث الاستراتيجي السعودي خلال حديث لوكالة “ستيب الإخبارية”: “السعودية ماضية في تحديث وتطوير أنظمتها، حيث سبق وأن صدرت الموافقة الملكية على تعديل المادة (112) من نظام الإجراءات الجزائية، وجاءت تعزيزاً كبيراً لمبدأ استقلالية السُلطة القضائية والتي تعتبر النيابة أحد ركائزها واستقلالها عن السُلطة التنفيذية، ويعزز دورها بشكل أكبر ويمنحها قوة في تعزيز الأمن الوطني للمملكة من خلال ما تقوم به من جهود في مكافحة الجريمة”.

الدكتور محمد صالح الحربي -الخبير الاستراتيجي السعودي
الدكتور محمد صالح الحربي -الخبير الاستراتيجي السعودي

ويضيف: ” مؤخراً أعلن ولي العهد تطوير منظومة التشريعات المتخصصة، وهي خطوة هامة لحفظ الحقوق وخلق بيئة تشريعية تفي باحتياجات المجتمع السعودي ومتطلباته، وترسخ مفاهيم العدالة والشفافية وتساعد على تحقيق التنمية الشاملة”.

ويشدد “الحربي” أنّ السعودية كانت ولا تزال تراعي في جميع إجراءاتها وأنظمتها وتطبيقاتها جميع المعايير الوطنية والدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، ومراعاة وإيلاء حقوق الإنسان الأهمية القصوى، عبر تشكيل منظمات وطنية مستقلة لحقوق الإنسان، منها على سبيل المثال “هيئة حقوق الإنسان، الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان”.

ويؤكد أن السعودية لا يعنيها ولا تلتفت لمواقف بعض المنظمات الدولية “المسيّسة” المبنية لمفاهيم عدة في إطار ازدواجية المعايير.

وعن عقوبة الإعدام التي تنتقدها المنظمات الحقوقية يقول: “بعض هذه المنظمات تسير وفق إملاءات وأجندات خارجية، وتتعامل بانتقائية واضحة، بدليل التركيز الإعلامي المكثف والمكرر على إعدام ثلة قليلة من الإرهابيين بالسعودية ممن ثبت تورطهم بالقتل والإرهاب، أو أنها لا تدرك أن التنظيمات القانونية والتشريعية خاضعة لسيادة الدول، ومنها قانون عقوبة الإعدام”.

ويتابع: “عقوبة الإعدام بغض النظر عن كونها تشريعاً دينياً، فإنها كانت على مر التاريخ عقوبة تطبق في جميع أرجاء المعمورة كضامن أساسي للعدالة بين المجتمعات. عندما يستهدف المجرم المجتمع بالقتل والإرهاب، ويسعى للإضرار بمصالحه ومقومات وجوده، فإنه يصبح من الضروري تخليص المجتمع منه، وليس الأمر ثأراً أو قسوة من المجتمع أو القانون، ولكنه تحقيق للعدالة وحفظ للنفس البشرية وضامن للأمن”.

ويوضّح الباحث السعودي أنّ الإبقاء على عقوبة الإعدام أصبح ضرورة تجاه كل من يساهم في أعمال “إرهابية” تمس حياة الأفراد وأمن المجتمعات، مشيراً بذات الوقت إلى أن دول كثيرة كانت قد علقت تطبيق عقوبة الإعدام ثم عادت لتطبيقها مثل “تركيا وسريلانكا والمالديف وماليزيا وبعض الولايات في أمريكا”. وذلك لأنها لاحظت تزايد السلوك الإجرامي بشكل ملحوظ بين مجتمعاتها.

ويختم “الحربي” مؤكداً أن السعودية مركز ثقل استراتيجي سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً على خارطة العالم، ولا يدخل ضمن منهجها أي أبعاد طائفية إيدلوجية أو فكرية أو عنصرية وفق قيمها ومبادئها.

 

  • المجتمع السعودي محافظ ولن يتقبّل بسهولة

وعلى الرغم من رياح التغيير التي ظهرت علنيةً من خلال القوانين والإجراءات الجديدة ونسف قوانين عرفية وموروثة خصوصاً تلك المتعلقة بالنساء والحفلات الغنائية وغيرها، إلا أنّ تيّاراً في السعودية يعارض الأمر ويعتبر أنّ ما ظهر هي فئة من الناس لا تمثل كل فئات المجتمع السعودي.

وحول ذلك تحدث الدكتور سعد الفقيه، رئيس المكتب السياسي للجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية، ومؤسس الحركة الإسلامية للإصلاح في السعودية، مع “وكالة ستيب الإخبارية” مؤكداً أنّ المظاهر التي انتشرت مؤخراً في المجتمع السعودي من حفلات وغيرها لا تعكس تغيير في المجتمع السعودي.

ويقول: “المظاهر التي انتشرت في السعودية لا تعكس تغييراً في المجتمع السعودي، بل إن الغالبية العظمى لا تزال محافظة، والذي أدى لذلك ليس سياسات ولي العهد الحالي “محمد بن سلمان” بل سياسات قديمة منذ بداية التسعينات بمشروع ما يسمى تجفيف المنابع وذلك بتبني القنوات الفضائية التي تُغير المجتمع ومنع معظم النشاطات الإسلامية والتربوية الجادة وتشجيع الاهتمامات الترفيهية”.

الدكتور سعد الفقيه، رئيس المكتب السياسي للجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية، ومؤسس الحركة الإسلامية للإصلاح في السعودية
الدكتور سعد الفقيه، رئيس المكتب السياسي للجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية، ومؤسس الحركة الإسلامية للإصلاح في السعودية

ويشدد الفقيه على أنّ الفئة من الناس التي ظهرت من المجتمع السعودي مؤخراً في الحفلات والمهرجانات وغيرها، كانت موجودة من قبل إلا أنها لم تكن تظهر بسبب طبيعة القوانين، أما اليوم فقد حصلت على الفرصة لذلك، وأعطي انطباع على أنّ السعودية تغيرت، إلا أنّ غالبية المجتمع السعودي لا يزال مجتمع محافظ وهذه المظاهر لا تمثل الغالبية.

أما عن التقارير الحقوقية التي تعدّها منظمات حقوقية مثل “منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش” فيرى أنّ انتقادها للأحكام في السعودية من “إعدام” وغيرها هو صحيح، حتى السجن والتحقيق والقضاء فيه ظلم بالسعودية، حسب وصفه.

اقرأ أيضاً: السلطات السعودية تُفرج عن الناشطة الحقوقية لجين الهذلول

 

ويقول: “الإجراءات القضائية لا يحكمها نظام واحد بل هي تراكم لتعليمات وأوامر من الديوان الملكي ووزارة العدل ووزارة الداخلية وغيرها، وموجودة بطريقة فيها كثير من التناقض وتداخل الاختصاصات، وكانت هناك محاولة في ٢٠٠٤ لتوحيد نظام الإجراءات الجزائية لكن لم تنسخ التراكمات القديمة، ولا يزال المتخاصمون يتنقلون بين المحاكم والإدارات الحكومية والمؤسسات شبه القضائية وكل جهة تقول ليس من اختصاصنا”.

ويبيّن “الفقيه” بأنه من المتوقع أن يُطرح قوانين وضعية بالسعودية، وهو عكس ما كان متعارف عليه من قوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية والعُرف، وغالباً سيلاقي الأمر صعوبة بتقبل المجتمع السعودي لها، بينما الحديث عن تقنين الشريعة أو إعادة ترتيب القوانين السعودية وفق الرؤية الجديدة ليست واضحة تماماً حتى الآن ليتم الحكم عليها، وقد يكون المقصود توحيد الاجراءات القضائية وقد يكون تقنين داخل حدود الشريعة وقد يكون تقنيناً وضعياً.

ويتحدث الباحث السعودي عن المنظمات الحقوقية بأن لها أسلوبان في انتقاد واقع حقوق الإنسان في السعودية، وهما أسلوب مفيد وناجح وأسلوب خاطئ وضار، معتبرأ أن الأسلوب الناجح هو انتقاد النفوذ المطلق للجهاز الأمني دون رقابة قانونية وانتقاد تبعية النظام القضائي للسلطة التنفيذية وانتقاد ممارسات التعذيب وحرمان المعتقلين من المحامين وانتقاد المحاكم السرية وغياب كل شروط العدالة ومن ثم انتقاد ما يصدر عنها من أحكام.

أما الأسلوب الخاطئ فهو انتقاد الحدود الشرعية واعتبارها بذاتها مرفوضة، مثل رفض عقوبة الإعدام مبدئياً بغض النظر عن ممارسات النظام الظالمة، ويقول :”هذا في الحقيقة كان يستفيد منه النظام لأنه يجدها حجة لإثبات أن هذه المنظمات لا تكترث بحقوق الإنسان بل بمهاجمة الشرع الذي تلتزم به الحكومة السعودية”.

التغييرات في المجتمع السعودي المحافظ إمكانية التطبيق ونقد المنظمات الحقوقية
التغييرات في المجتمع السعودي المحافظ إمكانية التطبيق ونقد المنظمات الحقوقية – تغييرات المجتمع السعودي
  • الخُلاصة

منذ عام 2017 والسعودية تطرق باب التغيير بالقوانين والأعراف القديمة على اعتبار مواكبة التغييرات العالمية والتطور في المحيط الإقليمي والعالمي، وقد استهلت ذلك في 2016 حين أعلنت عن إنشاء ما يعرف باسم هيئة الترفيه التي تعنى بإقامة المهرجانات والحفلات وغيرها من الأمور التي لم يعتد عليها المجتمع السعودي المحافظ، وخلال الـ 4 سنوات الأخيرة كانت هناك علامات فارقة بالقوانين، إلا أنّ السؤال الذي يبقى يدور حول إمكانية تغيير المجتمع السعودي المحافظ على عاداته وتقاليده وأعرافه طوال عقود ويعتبر حامل الإرث “الإسلامي” بالوراثة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى