مقال رأي

العودة إلى سوريا: المعادلة المستحيلة

العودة إلى سوريا: المعادلة المستحيلة

مارست الحكومة اللبنانية ضغوطاً كبيرة على اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها، لإجبارهم على العودة إلى بلادهم ومواجهة الموت المحقق، وقد ترافقت تلك المضايقات مع مداهمات أجراها الجيش اللبناني، داخل مخيمات السوريين غير الرسمية، نفّذ خلالها اعتقالات في صفوفهم، أدّت في العام 2017 إلى موت تسعة سوريين -على الأقل- أثناء احتجازهم. لكن رواية الجيش أحالت الموت إلى “مشاكل صحية مزمنة، تفاقمت بسبب الظروف الجوية”، في الوقت الذي أظهرت صور قُدّمت إلى منظمة “هيومن رايتس ووتش” آثار إصابات، تتناسب مع الأذى الناجم عن التعذيب البدني، ولم يجرِ الجيش تحقيقاته في الوفيات كما وعد، ولم يُعاقَب المسؤولون عن هذه الجرائم.

العودة إلى سوريا: المعادلة المستحيلة
العودة إلى سوريا: المعادلة المستحيلة

وأشار ناشطون في بيروت، إلى أن “معظم اللاجئين السوريين هم من سنّة الأرياف ومن مناطق توصف بأنها معادية للنظام. كما أن هناك تخوّف من أنه إذا ارتاحت هذه الفئة، يمكن أن تفكر بحقوق سياسية أو -على الأقل- بحقوق اجتماعية، بالإضافة إلى أنها قد تُستعمل في التركيبة (السياسية والطائفية للبلد)، ولهذا، فمن الأفضل دفعها إلى أماكن مهمشة. كما أن سيطرة حزب الله على تلك المناطق، جعلت هذه الفئة مراقبة بقوة ومضيّق عليها بشدّة، وبالتالي لا حل أمامها إلا مغادرة لبنان و/أو العودة إلى سوريا”.

هذا ولا يزال اللاجئون السوريون في لبنان، يتعرضون للكثير من انتهاكات لحقوق الإنسان، في الوقت الذي تعيش فيه لبنان أوضاعاً أمنية مضطربة، وظروفاً معيشيةً صعبةً للغاية. وبالإضافة إلى تلك الظروف، والضغوط التي تمارس بحق اللاجئين، فقد زادت جائحة كورونا هذه المعاناة بشكل لافت.

والجدير بالذكر أن أكثر من 15 ألف لاجئ سوري في عرسال، يواجهون شتاءهم الثاني منذ صدور قرار في عام 2019 عن “مجلس الدفاع الأعلى”، الذي يترأسه رئيس الجمهورية والمسؤول عن تطبيق استراتيجية الدفاع الوطني، بتفكيك البنى التي تأويهم. وقد أرغمهم القرار على العيش من دون سقف وعزل ملائِمَيْن، واضطُرّهم إلى تحمّل ظروف الشتاء القاسية، بما فيها الفيضانات الجارفة، ودرجات الحرارة التي تصل إلى ما دون الصفر أحياناً.

وفي السياق ذاته، 19 كانَون الثاني 2021، قالت المنسّقة الأولى لحقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش “ميشال رندهاوا”: “لا تزال ظروف عيش اللاجئين السوريين في عرسال الذين أُرغموا على تفكيك ملاجئهم في 2019 قاسية، بالإضافة إلى قيود الحركة للحدّ من تفشّي فيروس “كورونا”، تهدّد سلامتهم وحياتهم”، وبسبب جائحة “كورونا” انتشر وحش البطالة بين السوريين، بالتزامن مع انهيار مستوى الخدمات العامة وهذا ما آل إليه حال “أبو المعتز الشامي”، أحد اللاجئين السوريين في لبنان، وهو من ريف دمشق ولديه خمسة أطفال، وحين طرحنا عليه بعض الأسئلة، عن أثر ارتفاع الدولار سلباً على اللاجئين السوريين في لبنان، ودور المفوضية السامية بمساعدتهم، أجاب: “لاشك أن تدهور الاقتصاد في لبنان أثر سلباً; كانت المئة دولار أمريكي، تساوي 150 ألف ليرة لبنانية، بينما هي اليوم ,, 875

كما تطرق في حديثه عن دور المفوضية قائلاً: “كما قلت لك، إن اللاجئ السوري هنا لديه بطاقة مفوضية، لكل شخص 27دولار شهرياً، بينما اثناء الصرف تصرف لهم 100، لكنها لا تكفي لبيت مؤلف من ثمانية أشخاص”

وأكد أبو المعتز عدم وجود خدمات أو منظمات غير المفوضية، وأن بعض اللاجئين يتقاضون مساعدات مالية من المفوضية، ولكن حسب الأولوية; يوجد عائلات لديها مصابون ومعاقون، وأيضاً أطفال ( ينحدرون من حمص_حي الوعر) يعانون من ارتخاء أعصاب، كما يوجد أربعة أطفال يعانون من ضمور في العين وارتخاء في الأعصاب، ونوّه أبو المعتز أن دخله الشهري يغطي الجزء الأكبر من مصاريف المنزل، وابنته الجامعية تقوم بإعطاء الدروس الخاصة لطلاب المدرسة في المنزل، وأن وضعه المادي لا بأس به، مقارنة بالكثير من العائلات من أصحاب الدخل المحدود، الذين وصف وضعهم بالسيء جداً، علماً أن لديهم بطاقة مفوضية، لكن الغلاء الفاحش في الأسعار، كان له تأثير سلبي كبير على اللاجئين، على حد قوله.

وفي السياق ذاته، قدرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئيين في 2021، أن ما يقارب 90% من السوريين في لبنان، يعيشون تحت خط الفقر، بعد أن كانت النسبة عام 2020 تصل إلى 50%، كما تم استبعاد 90% من السوريين عن فرص العمل، ما أثر على دخلهم وتدهور مستوى معيشتهم.

وقد سبق للحكومة اللبنانية أن تعاملت -ولا تزال- بالطريقة ذاتها مع الملف الفلسطيني بحجة الخوف من التوطين، وهي اليوم تتّبع سياسة التضييق القانوني والاجتماعي والإنساني والسياسي على السوريين بالحجة ذاتها، ويُذكر أن لبنان استقبل( 1.5 مليون )لاجئ سوري منذ اندلاع الثورة في آذار 2011، بعد أن هربوا من هول الحرب والقصف والقتل الذي مورس عليهم من قبل قوات النظام والميليشيات الداعمة له، وهم إلى الآن يعانون من ظروف معيشية وصحية وتعليمية لا ترقى للحد الأدنى من الإنسانية، فأصبحوا عالقين بين مطرقة الفقر والجوع، وسندان العودة إلى القتل والذل…!

الكاتب: جبير صياح السكري

ملاحظة: ( ما جاء في المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى