تحقيقات ستيب

طفل أنقرة المدلل شارك في عملية الاحتيال.. لِمَ تتهرب القوات التركية من دفع إيجار النقطة 9؟

¶ تاريخ إنشاء نقاط المراقبة العسكرية التركية عددها وتوزيعها الجغرافي

في أكتوبر/تشرين الأوّل من عام 2017، أعلنت القوات التركية أنها بدأت بإقامة نقاط مراقبة بإدلب في إطار اتفاقٍ أُبرِمَ في سبتمبر/أيلول العام نفسه، مع كلّ من روسيا وإيران في أستانة عاصمة كازاخستان.

وبحسب الاتفاق، تتولى النقاط المذكورة مهمة مراقبة وقف إطلاق النار بين قوات النظام السوري والميليشيات التابعة لها من جهة وفصائل المعارضة المسلحة من جهةٍ أخرى.

طفل أنقرة المدلل شارك في عملية الاحتيال.. لِمَ تتهرب القوات التركية من دفع إيجار النقطة 9؟
طفل أنقرة المدلل شارك في عملية الاحتيال.. لِمَ تتهرب القوات التركية من دفع إيجار النقطة 9؟

بدأت تركيا بتأسيس أوّل نقطة مراقبة لها في 3 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2017، في قرية سلوى التابعة لمنطقة دانا، وفي 23 من ذات الشهر، أسست نقطة المراقبة الثانية في قرية تكلا التابعة لمنطقة دارة عزة، و أتبعت ذلك بالثالثة في 19/نوفمبر من العام نفسه في جبل عقيل بالمنطقة ذاتها.

وفي 5 شباط/فبراير عام 2018، أنشأت تركيا نقطة المراقبة الرابعة في تل العيس بمنطقة الحاضر بريف حلب الجنوبي، وأسست الخامسة بعد 4 أيّام فقط في قرية تل طوقان التابعة لبلدة سراقب بريف إدلب الشرقي.

وواصلت تركيا أعمال تأسيس نقاط المراقبة، حيث أنشأت السادسة في 15 مارس/ آذار عام 2018 في قرية الصرمان بمنطقة معرة النعمان جنوب شرق إدلب، والسابعة في منطقة عندان بالريف الغربي لمحافظة حلب.

وفي الثالث من أبريل عام 2018، أنشأت نقطة مراقبة جديدة في منطقة الزيتونة الواقعة جنوب غربي إدلب، وأخرى في منطقة مورك التابعة لريف محافظة حماة والتي نالت الترتيب التاسع بين النقاط العسكرية، وبعدها بأشهرٍ قليلة تمّ إنشاء النقطة العاشرة في حي الراشدين غرب حلب، ومن ثمّ النقطة الحادية عشر في بلدة شير مغار المطلة على سهل الغاب بريف حماة الغربي.

وفي منتصف شهر مايو/ أيار عام 2018، أقامت القوات التركية نقطة المراقبة الـ 12 التي تمّ إنشاؤها في بلدة اشتبرق التابعة لجسر الشغور بريف إدلب الغربي، لتكون آخر نقطة مراقبة يتمّ إنشاؤها في المنطقة.

القوات التركية تنشىء نقطة مراقبة
نقطة مراقبة عسكرية تركية في مورك بريف حماة الشمالي

¶ طبيعة وملكية الأراضي التي تمّ إنشاء نقاط المراقبة التركية عليها

يقول معدّ التحقيق، محمد العمر، وهو مراسل وكالة “ستيب الإخبارية”، إنه وقبل إقامة كلّ نقطة من نقاط المراقبة التركية كان يدخل وفد عسكري تركي ترافقه قوات حماية من فصيل فيلق الشام (فصيل من فصائل المعارضة السورية المدعومة تركياً) للقيام بعملية استطلاع لمنطقة الأرض التي ستُقام عليها النقطة.

وكان يتمّ بالدرجة الأولى البحث عن أرضٍ (مشاع) كما يسميها الأهالي، أي أرض ليس لها مالك وتعود ملكيتها للدولة أو للمجلس المحلي في البلدة أو القرية القريبة من الأرض، كما في نقاط جبل الشيخ وتلة العيس وتل الطوقان وشير مغار، وفي حال لم يكن بالمنطقة أرض (مشاع) كانت القوات التركية تبحث عن أرض من الأملاك الخاصة، وتقوم بتوقيع عقد مع صاحب الأرض لدفع إيجار سنوي بالدولار الأمريكي عن كلّ دونم، بحيث يبدأ العقد من تاريخ دخول العربات التركية و تمركزها داخل الأرض إلى مدّة غير محددة أو معلومة.

حصل معدّ التحقيق على نسخة من صورة خاصة لأحد العقود الموقعة بين القوات التركية من طرف وأحد المزارعين من مالكي إحدى الأراضي الزراعية التي أقامت القوات التركية عليها نقطة مراقبة، وبحضور وسيط وشهود من فصيل فيلق الشام المقرب من تركيا.

وبحسب العقد تعود الأرض إلى مالكها مصطفى فواز المصطفى، وتبلغ مساحتها (38688) متر مربع، وفيها بئر ماء يحق للقوات التركية المستأجرة استخدامها فترة العقد، حيث يستخدم ويستعمل المأجور الأرض كنقطة عسكرية للمراقبة بدل إيجار (700) دولار أمريكي سنوياً للدونم الواحد.

 ويبدأ تاريخ الإيجار من منتصف 2018 لغاية منتصف 2019، مع إمكانية تجديد العقد بعد انتهاء مدّته بناءً على طلب الفريق الثاني، ويلتزم المستأجر بأن يعيد العقار المؤجَر للمؤجر وفق الحالة التي كان عليها عند التعاقد، وخاصةً إزالة السواتر تحت طائلة تعويض الضرر.

لِمَ تتهرب القوات التركية من دفع إيجار النقطة 9؟
صورة من العقد الذي أُبرم بين صاحب أرض نقطة مورك والقوات التركية بوساطة فيلق الشام

¶ شهادة مالك أحد الأراضي التي تهرّبت القوات التركية من دفع إيجارها

التقى معدّ التحقيق مع، مصطفى فواز المصطفى، أحد أهالي بلدة مورك بريف حماة الشمالي وصاحب الأرض التي أقامت عليها القوات التركية نقطة المراقبة رقم (9)، ليشرح كيفية توقيع العقد والجهة التي كانت وسيطاً بينه وبين القوات التركية.

مصطفى المصطفى، يقول: “أنا مالك الأرض التي كانت عليها النقطة. في اليوم السابع من شهر أبريل/نيسان عام 2018، دخل الجيش التركي إلى مورك، وتوجّه قسم منه إلى الأرض الخاصة بيّ”.

ويُضيف: “حينذاك، التقيت بالمقدم يلماز والنقيب أشرف من المخابرات التركية، اللذين أخبراني عبر مترجم يُدعى، أبو إبراهيم، بأنهم يريدون إنشاء نقطة مراقبة على أرضي، و سيقومون بتعويضي وفق عقدٍ رسمي، لأجيب بالموافقة على ذلك”.

 

القوات التركية
أرض زراعية تعود لمالكها مصطفى فواز المصطفى أقامت عليها القوات التركية نقطة مراقبة عسكرية

وبعد فترة وجيزة، تمّ تشكيل لجنة من وجهاء مورك وخان شيخون وبحضور قيادات من الفصائل، وأتى إلى الأرض مسَّاح أراضي تابع لفصيل فيلق الشام وقدر مساحة الأرض بـ 29 دونم، ليتمّ الاتفاق على إيجار سنوي يبلغ 700 دولار أمريكي سنوياً للدونم الواحد (مجموع المبلغ على العامين يعادل نحو 20 ألف دولار أمريكي)، وتمَّ توقيع العقد بحضور قائد قطاع حماة بفيلق الشام والشيخ أحمد علوان، والشيخ أحمد معطي من كفروما، وشهادة ووساطة من فيلق الشام بيني وبين الأتراك، يقولها مصطفى فواز المصطفى.

¶ القوات التركية احتالت على أصحاب الأراضي

يقول محمد العمر “معدّ التحقيق” بناءً على شهادة عدّة أشخاص ممن تمَّ إنشاء نقاط مراقبة عسكرية تركية على أراضيهم، إنَّ القوات التركية خلال فترة العقد كانت تتحجج لأصحاب الأراضي بأنها تأخرت بدفع الإيجار، لأن هناك تنسيقاً بينها وبين القيادة في أنقرة وبأن الأمر يحتاج الموافقة على صرف المستحقات التي سيحصلون عليها قريباً، لتظهر الحقيقة بعد انتهاء مدّة العقد وتهربهم من الدفع بشكلٍّ كامل.

ويُشير إلى أنه وبعد البدء بعملية إخلاء نقطة المراقبة التركية في مورك، أكتوبر/تشرين الأول من العام الفائت 2020، توضح للعلن قضية احتيال الجيش التركي على مالك الأرض وعدم الوفاء بشروط عقد الإيجار بين الطرفين على الرغم من بقاء القوات على الأرض لمدّة تزيد عن العامين ونصف.

القوات التركية
نقطة مراقبة مورك (9) التي أنشأها الجيش التركي عام 2018

يقول مصطفى المصطفى: “بعد نحو 6 أشهر، طالبتُ القيادة في النقطة 9 بدفع الإيجار، لتخبرني بأن الأمر تمَّ رفعه للقيادة بتركيا وبانتظار الموافقة، ولم يدفعوا لي حتى الآن، واستمر الوضع والمطالبات تسير على حالها، هكذا حتى خرجنا من مورك أواسط العام 2019 باتجاه الشمال السوري نتيجة سيطرة قوات النظام السوري على المنطقة”.

وأشار إلى أنه زار بعد تهجيره، نقاط المراقبة في المسطومة والجينة والنيرب للمطالبة بإيجار الأرض، ولكنه لم يحصل أي فائدة أو حتى جزء من المبلغ المستحق.

واستطرد المصطفى: “لا يزال هناك ممتلكات لي في أرض نقطة المراقبة، مثل عدة الضخ من البئر وغيرها، وتحدثت الآن خلال فترة إجلاء النقطة مع المتعهد المسؤول بغية إعادة هذه الممتلكات لي، ولكني لم أتلقَ ردّاً واضحًا”.

IMG 20210306 WA0017
السواتر الاسمنتية التي رفعتها القوات التركية عند إنشاء النقطة 9

هل الدولة التركية عاجزة عن سداد مستحقاتي؟ أنا الآن خائن و(إرهابي) بنظر النظام السوري، ولن أستطيع أنا أو أولادي العودة لأرضنا، لأكون الآن نازحاً في خيمة على الرغم من امتلاكي لأموال تكفيني لشراء منزل، وأرض لا أستطيع استثمارها.. لو بقي الجيش التركي في النقطة كنت سأطمئن بأنها محفوظة كملكية حتى لو أنها تعرضت للتخريب وأشجارها جرى تقطيعها، ولكن مع انسحابهم بات الأمل ضعيفًا، المصطفى تسائل خلال حديثه كثيراً علّه يجد لها أجوبة مقنعة ممن خدعوه، ولكنه لم يتلقَ حتى إجابة تريح قلبه.

IMG 20210306 WA0014
الخراب والدمار الذي أحل بالأرض الزراعية في مورك بعد إنشاء القوات التركية نقطة مراقبة عسكرية عليها

مصدر عسكري، يقول: “تركيا ليست فقيرة لتتهرب من دفع 25 ألف دولار، ولكن في الموضوع أمرين إما أن القوات التركية استلمت الإيجار وتصرفت بها مع فيلق الشام (الفصيل المتعاون معها) أو أنها لم تدفع بسبب سيطرة قوات النظام على النقطة على اعتبار أنها خسرت ثمن بقائها هناك، كما أنه من المحتمل أنها في الأساس لم تكن تنوي دفع إيجار الأرض لأنها في البداية كانت تقيم نقاطها على أراضي تعود ملكيتها للنظام السوري”.

¶ فيلق الشام يتهرب من المسؤولية

حاول معدّ التحقيق التواصل مع عدد من المسؤولين في فصيل فيلق الشام (الطفل المدلل لدى الأتراك)، لمعرفة أسباب عدم التزام القوات التركية بدفع مستحقات أصحاب الأراضي الذين أقيم على أراضيهم نقاط مراقبة عسكرية تركية، إلا أنهم تهرّبوا من الإجابة وأكّدوا قائلين: “نحن ما فينا نعمل شيء لهدول الأشخاص وكنا مجرد وسيط بينهم وبين الأتراك، إذا هنن ما دفعوا نحن ما فينا نعمل شيء، حاولنا كذا مرة وخبرناهم بس ما ردوا علينا”.

 

إلى ذلك، قال مصطفى المصطفى إنه كلما كان يتواصل مع الجنود الأتراك لدفع الإيجار كانوا يؤكدون له أنهم رفعوا الأمر للقيادة إلى أن تأتي الموافقة “بعد أخذ النظام السوري مورك أصبح تواصلي مع فيلق الشام، وهم يقولون لي أيضاً أن الأمر رفع إلى القيادة، قبل أيّام ذهبت وقدمت شكوى لم استفد منها في شيء، وقالوا إنّ العقد غير موقع من قبل الأتراك فقط المترجم المحلف هو من وقع عليه”.

“وبعد ذلك طلبوا مني تقديم الشكوى للأتراك ولكنهم يتهربون. قبل أسبوع قالوا سيأتي الوالي إلى عفرين قدم له هذه الصورة وهو كفيل بأن يحل لك مشكلتك، وبعد ذلك عدت وراجعت الفيلق الذي قال ليّ إنّ لديه اجتماع مع الأتراك قريباً، وكل فترة يوعدونني مثل هذه الوعود ولكن دون جدوى”.

لِمَ تتهرب القوات التركية من دفع إيجار النقطة 9؟
صورة عن العقد المترجم إلى اللغة التركية وعليها توقيع المترجم المحلف

¶ ماذا حصل للأراضي التي استأجرتها القوات التركية وأخلتها فيما بعد؟

حصل مراسل وكالة “ستيب الإخبارية” ومعدّ هذا التحقيق على العديد من الصور التي توضح الخراب الذي طال الأرض الزراعية في مورك نتيجة عملية إنشاء النقطة، كما تُظهر العديد من الصور الأشجار المثمرة التي تمَّ قطعها ورميها جانباً والسواتر الترابية والإسمنتية العالية التي تحتاج إلى الكثير من العمل لإزالتها، بالإضافة إلى أن الأرض باتت بوراً وتحتاج كذلك الكثير من الجهد والتعب والمصاريف لحراثتها وشراء الأشجار لزراعتها لتعود بعد سنوات إلى ما كانت عليه سابقاً.

IMG 20210306 WA0015
جذوع الأشجار التي قطعها الجيش التركي عند إنشاء النقطة 9 بمورك
IMG 20210306 WA0019
السواتر الترابية في نقطة المراقبة بمورك بعد مغادرة الجيش التركي وإخلائها

¶ طفل تركيا المدلل!!

يعدّ فصيل فيلق الشام، الذي تأسس في مارس/آذار 2014 بعد اندماج عدد من الفصائل الإسلامية، الفصيل الأقرب إلى تركيا ويُعرف بين الفصائل بـ”طفل تركيا المدلل”.

في صيف 2015، شكّل الفصيل جزءاً من تحالف جيش الفتح، الذي ضمَّ عدداً من الفصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام وسيطر على كامل محافظة إدلب  حينذاك، قبل أن يخوض بعد ذلك قتالاً ضد تحرير الشام.

كما يعد الفيلق مقرباً من جماعة الإخوان المسلمين، وشارك في العمليات العسكرية الثلاث التي نفذتها تركيا منذ العام 2016 في سوريا، والتي تركزت ضد المقاتلين الأكراد، وقاتل إلى جانب أنقرة خارج سوريا كذلك، حيث شارك في معارك ليبيا إلى جانب حكومة الوفاق حليفة تركيا، العام الفائت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى