مقال رأي

كورونا حصان طروادة لنظام عالمي جديد

وافق الكونغرس الأمريكي نهائيًا على مشروع قانون الإنقاذ الذي قدمه الرئيس جو بايدن، بقيمة 1.9 تريليون دولار لمساعدة الأمريكيين على مواجهة تداعيات جائحة كورونا وهي الثالثة منذ تفشي الوباء.

وذلك بعد إقراره في مجلسي النواب والشيوخ، من بينها 400 مليار دولار مخصصة لمكافحة الوباء وطرح لقاحات الوقاية من كوفيد19، بينما سيتم توجيه بقية الأموال من أجل إنعاش الاقتصاد وتعافيه من آثار الجائحة.

فحوالي تريليون دولار في شكل إعانات مباشرة للأسر، سيتم تقديم ١٤٠٠ دولار على شكل شيكات تحفيزية للفرد الذي يحصل على أقل من 75 ألف دولار كدخل سنوي (150 الف دولار دخل سنوي للعائلات) وتمديد حزمة تعويضات البطالة لمن خسروا أعمالهم وترفع إلى 400 دولار أسبوعياً بدل 300 دولار في حزمة ترامب، كما تشمل رفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولاراً في الساعة، والباقي يتم تخصيصه منها ٤٤٠.

مليار دولار تقريباً للشركات الصغيرة والمجتمعات الأكثر تضررا بالجائحة، وتخصيص 350 مليار لحكومات الولايات والحكومات المحلية لتغطية عجز الميزانية.

 

لكن يحق لنا أن نتسائل عن نتائج هذه الخطة أو كيف سوف تمول أمريكا هذه الخطة؟

الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، انكمش بنسبة 3.5 بالمئة خلال 2020، مقارنة مع نمو 2.2 بالمئة في 2019، متضرراً بشدة من تداعيات جائحة كورونا أي التراجع بـ 5.5%.

وإذا ما أخذنا المؤشرات على حساب الربع السنوي فإن النصف الثاني وثالث من عام ٢٠٢٠ شهدت ركوداً بمقدار ٣٣% (أي أن العرض أكبر من الطلب) وأن المعامل توقفت والقدرة الشرائية انخفضت، حيث ارتفعت مستوى أسعار الاستهلاكية ١.٥ % على أساس شهري.

ويتوقع أن يتجاوز هذا الرقم خلال الأسابيع القادمة، إضافة أنه ارتفع معدل البطالة إلى 14.7٪، أي أن إعطاء كوبونات مالية للمواطنين سوف يتم صرفها لمواجة ارتفاع الفاتورة الاستهلاكية وهو ما يميز خطة الدعم الأمريكية التي خصصت ١٠٠٠ مليار دولار مقابل ٤٤٠ مليار دولار للمشاريع أي أكثر ب 60%.

 

لكن لازال السؤال الأهم هو من أين سوف يتم تمويل الخطة؟

سجلت الموازنة الفيدرالية في الولايات المتحدة عجزًا قياسيًا بلغ 3.1 تريليون دولار في نهاية العام المالي المنقضي، وفقاً للبيانات الصادرة عن وزارة الخزانة، وبلغ العجز الحالي ضعف العجز القياسي السابق للموازنة المسجل إبان الأزمة المالية العالمية منذ حوالي عشر سنوات، ويتم تمويل العجز بضوء المؤشرات الحكومية الأمريكية بالطباعة أي مزيد من العملة بالسوق أي مزيد من ارتفاع الأسعار نتيجة ارتفاع الطلب  مع انكماش بالعرض بسبب توقف العرض، أي مزيد من انهيار القدرة الشرائية، وهنا لابد من التذكير أن ترامب قبل نهاية ولايته الرئاسية ضمن خطته الاقتصادية “أمريكا أولًا”  فرض تعرفة جمركية على السلع والخدمات المستوردة من دول العالم ) ٢٥ _ ١٥% )، هذه المواد باغلبها مواد أولية لعمل المنشآت والشركات.

وهو ما يعني مزيد من التضخم يفوق التعرفة الجمركية وخاصة أن دول العالم أيضاً بحثت لنفسها عن أسواق بعيدًا عن التعرفة الأمريكية وهو ما يحتاجه العالم.

كما أن هذا الدعم من خطة بايدن مع دولار قوي سوف يجعل الأمريكيين مستهلكين أكثر من منتجين كون ميزة التنافس قد وجهت لها ضربة قوية من حيث تعرفة ترامب الجمركية وتضخم بايدن المصطنع.

لكن الأخطر بخطة بايدن ليس الاستهلاك، ذلك أن مسارات الاستهلاك نتيجة التضخم وقلة الموارد بسبب جائحة كورونا سوف تدفع الأمريكيين إلى مزيد من المغامرة .. المغامرة باتجاه البحث عن طرق للمحافظة على قيمة الأموال ووسيلة للدفع تكون مستقرة وتستطيع تجاوز التضخم بل وحتى البحث عن طريقة للغنى، مع حملة إعلامية شديدة سوقت بفترة سابقة من قبل مؤسسات إعلامية كقصة البيتزا بـ ١٠ ألف من البيتكوين أو أرباح ماسك إيلون.

شاهد: البيتكوين …عملة افتراضية أقلقت دول وبنوك كبرى وخرجت من المجهول فمن يقف خلفها

وهو ما يدفع الأفراد إما لشراء أسهم شركات مختلفة التي سوف ترتفع بضوء الإنفاق وهي سوف تقنع جمهور المستهلكين بأرباح كبيرة لاسهمها وسوف توظف قسم كبير من أموالها لشراء البيتكوين ( وغيرها من العملات الرقمية).

وهذا ناتج عن الخلل الجمركي والبنية التتفكير القائمة على تحقيق الأرباح بضوء السباق الذي تسخنه الرأسمالية ملتون بشكل مستمر، بل أن الأفراد أنفسهم سوف يسعون للحصول على البيتكوين ( وغيرها من العملات الرقمية) متناسين الدعوات أن الببتكوين ليست عملة إنما سلعة وأنه يفتقد للاستقرار وهو ما يناسب المغامرة؟

اقرأ أيضاً: هل تصل البيتكوين للمليون دولار.. إليك أبرز توقعات الخبراء الصادمة لمستقبل العملات الرقمية

 ليس هذا فحسب بل إن الديون الصينية على أمريكا والتي تقدر ٢.٣ تريليون دولار ستندفع هي الأخرى بالتحول إلى العملات الرقمية أو شراء المعادن الثمينة ما أمكن لتخفيف الخسارة من التضخم بالدولار والاستيلاء على سوق العملات الرقمية الواعد … وتحويلها إلى عملات تستطيع تجاوز بها الصراع الامريكي ضد الصين..

إن خطة بايدن من الدعم المالي المقدم لتجاوز أزمة كورونا يمكن اعتباره بمحاولة إنشاء اتفاقية بريتون ودز جديدة أو محاولة تهيئة العالم بإعلان عن عصر العملات الرقمية وعصر الشركات، النسخة المتطورة من النظام الراسمالي الجديد.

كورونا حصان طروادة لنظام عالمي جديد
كورونا حصان طروادة لنظام عالمي جديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى