الشأن السوريسلايد رئيسي

بعد عشر سنوات من الحرب.. سوريون عادوا إلى طرق بدائية لتأمين لقمة عيشهم

دفعت الحرب السورية، المستمرة منذ عشر سنوات، الكثير من السوريين في الداخل للعودة إلى طرق بدائية يستطيعون من خلالها تأمين لقمة عيشهم، بعدما دُمرت المدن، وانهارت البنى التحتية، وأودت الحرب والقائمين عليها باقتصاد البلاد إلى الهاوية.

خلال جولتنا في حمص المدينة وريفها الشمالي، التقينا ببعض العائلات من سكان تلبيسة والدار البيضاء، اللتان شهدتا حربًا دمويةً، حيث نزح أغلب سكانها، وفُقد منهم الكثير، وبقي آخرون، يعيشون في “خوفٍ”، وعلى أمل.

عدنا إلى الزمن القديم

تقول أم محمد، وهي امرأة في عقدها الخامس، تعيش مع أولادها وأحفادها في مدينة تلبيسة بريف حمص الشمالي، “لقد عدنا إلى الزمن القديم”.

تجلس على مقربة من موقد النار، على بعد أمتار من بيتها، ترق عجينة الخبز قبل أن تضعها في التنور المتقد، لتخرج رغيفًا من الخبز ساخنًا. تقول وهي منهمكة في عملها “لقد عدنا إلى الزمن القديم، وحتى نأكل الخبز عدنا للخبز على التنور والصاج، هكذا أصبح حالنا اليوم، نحن وأهالي الضيعة جميعًا”.

تخرج أم محمد بيدها رغيف تقمّر على نار متقدة، تحكي لنا عن الأوضاع الصعبة التي تعيشها المنطقة، “لا خبز ولا غاز ولا كهرباء، قُطعت مواد التدفئة من المازوت وغيره، وكل أساسيات الحياة الكريمة مفقودة”.

تضيف، “نأكل من ما زرعناه في الأرض، بعض الخضروات التي تزرع منزليًا”. غير أن الطحين نحصل على بعضه من الإغاثة التي تأتينا متقطعة، ونشتري غيره من الحصص ذاتها التي تباع في الأسواق”.

هكذا “ندبّر حالنا”، تشرح أم محمد “نشتري أحياناً الحصص كاملة من أجل الطحين والسكر، فهناك البعض قادر على تأمين مادة الخبز وغيرها ولا يحتاج إلى الحصص الإغاثية فيقوم ببيعها”.

سوريين عادوا إلى طرق بدائية

وللكهرباء حكاية أخرى، فتارة تأتي وتارة أخرى تنقطع فنعود ونضيء الشمعة ونحاول تخزين أكبر قدر من الطاقة في المصابيح الكهربائية، ليتثنى لنا التنقل بين أرجاء المنزل ليلًا، مصطحبين معنا “البيل” و”اللكس” الذي يعمل على الغاز أو الكاز.

أحواض للزراعة المنزلية في قرية الدار البيضاء بريف حمص الشمالي
أحواض للزراعة المنزلية في قرية الدار البيضاء بريف حمص الشمالي

أما الغاز فبات الحصول عليه ضرب من خيال، “أطبخ على صوبية (مدفأة) الحطب وكل الناس كحالي، وعندما يأتي الصيف أطبخ في الخارج إما على نار التنور أو الصاج”.

أحواض للزراعة المنزلية في قرية الدار البيضاء بريف حمص الشمالي
أحواض للزراعة المنزلية في قرية الدار البيضاء بريف حمص الشمالي

وتشير أم محمد إلى أرضٍ زراعية مجاورة، في طرفها “تركتور” (جرار زراعي) توقف أصحابه عن الفلاحة فيه بسبب انقطاع مادة المازوت، وباتوا يفلحون على عجل جيرانهم، الذين بدورهم بدأوا بتسخيره لفلاحة الأراضي الزراعية في القرية.

مزروعات منزلية

وإلى الدار الكبيرة، قرية في ريف حمص الشمالي، يحكي رضا عن مزروعاته حول المنزل، “زرعت بعض شتلات الفول وبعد شهر تقريبًا يمكننا قطفه لنأكل منه”.

يضيف رضا “زارع شوية خس وبقدونس، لأن كل شيء أصبح باهظ الثمن والفرق بين الدخل الشهري والمصروف اليومي شيء أقل ما يمكن وصفه بأنه مُرعب”.

والآن صنعت أمام منزلي بعض الأحواض الصغيرة، سأزرع فيها شتلات البندورة والباذنجان والفليفلة، ونأكل من ما زرعناه لأن الأسعار كلها غالية جدًا ولا نستطيع أن نشتري شيء “والله يكون بالعون ويفرج أحسن شي”. وأردف “الوضع ما بينحمل أبدًا والناس كلها ضاجت”.

وبسؤاله عن إمكانية استثمار الأراضي الزراعية المحيطة بالقرية، يجيب رضا، لك أن تتخيل أن لا كهرباء ولا محروقات، إضافة إلى أن أغلب الأراضي الزراعية الشاسعة مهجورة إلا قلة قليلة تعمل بها، ذلك لأنه لا تتوافر أي مقومات للزراعة من آليات فلاحة إلى الأسمدة، والكهرباء لضخ المياه للري، كما لا يوجد مازوت للمولدات، وحتى إن استطعت أن تؤمّن هذه المواد وتزرع فحتمًا ستكون “مكسور” بالمقارنة مع هذا الارتفاع المخيف بالأسعار وانهيار العملة.

إلى حمص المدينة

وإلى حمص المدينة، يحكي ماهر ناصيف، صاحب محل “سمانة” (متجر) في حي الخضر، عن حركة البيع والشراء في الأسواق، يقول، “في بضاعة غير متوفرة، وفي بضاعة غالية جدًا، ولا أحد يشتري. وبين الغالي والمفقود، النتيجة واحدة، جمود في الأسواق”.

ويوضح أن أغلب البضائع الأساسية غير متوافرة، منها الخبز والزيت والسمن والسكر والأرز، والموجود منها ثمنه غالي جدًا.

والخضروات في أغلب الأوقات تفسد لديّ، لا أحد يشتري ولا أحد يملك المال، وإن كسدت الخضروات لدي “أنكسر لمدة شهرين مقبلين” لأنه، كما تعلم، أغلب الخضروات تباع تازة ويجب أن تُصرّف في اليوم ذاته، وأنا هنا أمام خيارين إما أن تكسد البضائع أو أبيعها بأبخس الأسعار، وهذه المصيبة.

اليوم لا يوجد شيء رخيص الثمن، أي مادة معرضة للكساد فهذه مصيبة بالنسبة لنا، لذلك، بدأت أتّبع مبدأ السلامة أنا وأغلب المحال التجارية، وهذا أيضاً ما ساهم في حالة الجمود والخوف.. أنا خائف والأهالي خائفين وكلنا نترقب وننتظر حل لهذا الوضع.

مواضيع ذات صِلة : في ظل القصف والنزوح أوضاع صعبة تعيشها قلعة المضيق شمالي حماة

يستطرد “أسعار نار، انهيار عملة، جمود، شلل في الحركة، أغلب البضائع الأساسية مفقودة، شو بدي أحكي؟ الوضع مزري.. عم تجي الناس تاخد أقل من احتياجاتها، شي بالغرام وشي بالأوقية، وشي عمو بدي بألف ليرة.. وما في بسكويتة بألف ليرة”.

خليها لله

يشير إلى جاره اللحام، “يقول لي جاري إن الناس تأتي وتشتري وقية أو نصف الأوقية من اللحم، وبعض الناس يأخذون العظام، لتزكية الطبخة فقط”.

شاهد أيضاً : أوضاع مأساوية يعيشها ساكنو مخيم حاس بريف إدلب الشمالي

حتى المواد التي تُحفظ في مكان بارد وتحتاج إلى برّاد، “مافي حدا عم ينزلها بسبب الكهرباء، لأن مصيرها الخراب والكساد.. ماذا أقول لك؟؟ خليها لله”.

بعد عشر سنوات من الحرب.. سوريون عادوا إلى طرق بدائية لتأمين لقمة عيشهم
بعد عشر سنوات من الحرب.. سوريون عادوا إلى طرق بدائية لتأمين لقمة عيشهم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى