مقال رأي

هل ستعود الحرب الباردة من جديد بين حيتان الكرملين والبيت الأبيض؟

نصب فخاخ ملغومة

بعد التدخل الروسي العسكري بشكل مباشر في سوريا لصالح النظام السوري بتاريخ 30 سبتمبر 2015، بناءً على طلب الأخير آنذاك، والذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، وبالفعل نجحت موسكو في كبح جماح المعارضة السورية وإعادتها إلى المربع الأول.

هل ستعود الحرب الباردة من جديد بين حيتان الكرملين والبيت الأبيض؟
هل ستعود الحرب الباردة من جديد بين حيتان الكرملين والبيت الأبيض؟

يقول السفير الأمريكي السابق في سوريا روبرت فورد إن: “الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت سوريا كفخ للإيقاع بروسيا ضمن المستنقع السوري”.

إذا صح هذا الكلام، فإن واشنطن مشاركة بشكل أو بآخر في التآمر على فصائل المعارضة السورية لصالح مصالحها الاستراتيجية مع روسيا، وتريد إعادة تجربة “الاتحاد السوفيتي” عندما استدرجتها إلى أفغانستان التي بدأت حربها في 24 ديسمبر 1979 وحتى 15 فبراير 1989، وهذا ما اعتبره المراقبون بأنه أبرز الحلقات في مسلسل التاريخ الدموي للروس في هذا البلد لمواجهة الإسلاميين المتطرفين في هذه البلاد التي كانت تدعم من الدول المناوئة للاتحاد السوفيتي آنذاك وهي (أمريكا – السعودية – باكستان – الصين)، مُنيت روسيا حينها بهزيمة نكراء نهاية الأمر ما مثّل عاملًا رئيسياً في انهيار تكتل ( حلف وارسو) فيما بعد.

يبدو أن الأمر بات جلياً أن أنقرة لا ترغب بأخذ أدوار السعودية وباكستان في سوريا، وخاصة بعد تجميع الفصائل المتطرفة في إدلب تحضيراً لتكرار تجربة أفغانستان بحق روسيا في سوريا، ولهذا السبب يعتبر ( فورد ) بأنهم نصبوا فخاً لروسيا، حينما تم استدراجها إلى سوريا لغرقها في المستنقع في نهاية المطاف .

حرب التصريحات بين واشنطن وموسكو ودخول أنقرة على الخط

ظهر في الآونة الأخيرة تصعيد كلامي خطير بين موسكو وواشنطن، ومن جهة أخرى اتهامات متبادلة بين الصين والولايات المتحدة، وهذا ما يعتبره المراقبون “أزمة” لن تكون عابرة هذه المرة، بل سيكون صداماً حقيقياً بين حيتان الكرملين والبيت الأبيض، وربما في سوريا يتم تنفيذ ذلك وكل طرف يستخدم أدواته ضد الآخر.

تقول الصحافة الغربية إن الاتصالات السياسية بين واشنطن و موسكو حول سوريا “جامدة تماماً” في أعقاب التصريحات النارية بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين.

بايدن وفي أول تصريح استعراضي له ضد الدب الروسي وصفه بـ ” القاتل” فرد الأخير يسخر منه، قائلاً: “إن بايدن يحاول إسقاط ما في نفسه على آخرين، متمنياً أن يكون نظيره الأمريكي في صحة جيدة”، مضيفاً “إننا عادة ما نرى ما بأنفسنا في الآخرين، ونظنّ أنهم على ما نحن عليه، وعندئذ نطلق أحكامنا عليهم”.

تماماً كما قال بايدن “كلانا يعرف الآخر جيداً، بماذا يمكنني أن أردّ عليه؟ حريّ بي أن أقول: أتمنى لك صحة جيدة. أقولها ولا أضمر أية سخرية”، جاءت حرب التصريحات بين البلدين بعد صدور تقرير للاستخبارات الأمريكية ورد فيه إن فلاديمير بوتين سمح بحملة “تأثير” مؤيدة لدونالد ترامب في مواجهة جو بايدن، وهذا ما كان سبباً مباشراً بإشعال النار بين الدولتين النوويتين.

بدورها تدخلت تركيا على الخط مباشرة لأنها تدرك جيداً بأنه مجرد وجود أية مواجهة عسكرية بين الدولتين النوويتين ستدفع الثمن لوقوع قواعد الناتو في أراضيها ولموقعها ( الجيوسياسي ) القربب من القواعد العسكرية الواقعة في جمهوريات (الاتحاد السوفيتي) سابقاً.

أردوغان بدوره انتقد تصريحات نظيره الأمريكي، جو بايدن، ضد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قائلاً: إنه أمر “غير مقبول”، مشيداً بالرد “الراقي” للزعيم الروسي.

وقال أردوغان للصحافة في إسطنبول في معرض حديثه عن الموضوع ذاته إن “تصريحات السيد بايدن حول السيد بوتين لا تناسب رئيس دولة.. ليست تصريحات مقبولة”، معتبراً أن “بوتين رد بكثير من الرقي والذكاء”.

بالمحصلة: واشنطن تسعى لعدم تمكين روسيا من جني ثمار تدخلها العسكري والسياسي في سوريا، وتحاول تحقيق المطالب الإسرائيلية، وعلى الأخص إخراج إيران من سوريا، وإغلاق الحدود السورية- العراقية أمام إيران، وهذا ما ترفضه روسيا وتطالبها بالمغادرة لأن “وجودها العسكري في سوريا غير شرعي “، بالتالي يبدو أن إدارة بايدن تعد العدّة لإغراق موسكو في المستنقع السوري من خلال استخدام فصائل إدلب المتطرفة ضد تواجدها العسكري في سوريا، وهذا ما ترفضه أنقرة حتى اللحظة.

البيت الأبيض والاستفراد بالملف السوري

الخلاصة: البيت الأبيض أو الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس جو بايدن ستسعى للانفراد بالتسوية في سوريا من خلال جنيف (2254) كإحدى أوراق استعادة الهيمنة الأمريكية في المنطقة، وملف الأزمة السورية وأحد من أكثر الملفات التي دارت بشأنها تكهنات، على الرغم من أن بايدن ذاته أثناء حملته الانتخابية لم يعقب كثيراً على الأزمة السورية، حيث تصدرت جائحة كورونا والعلاقات مع أوروبا والصين أولويات سجالات مرشحي البيت الأبيض آنذاك.

وكل المؤشرات تقول إن إدارة بايدن “ستتجه لتبنّي استراتيجية مختلفة عن إدارة سابقه دونالد ترامب، حيث ستعمل على استعادة الدور الأمريكي في سوريا، بعد تراجعه بشكل كبير خلال المرحلة السابقة، لصالح روسيا”.

المواجهات في شرق الفرات باتت مفتوحة على مصراعيها، فتركيا تفاهمت مع روسيا على السيطرة على تل تمر وعين عيسى الاستراتيجيتين في شرق البلاد، وواشنطن لازالت مترددة حول كيفية تعاملها مع الأزمة السورية، وخاصة في شرق الفرات أن حليفتها (قسد) مطلوبة في دمشق وأنقرة، وبالتالي الوضع في هذه المنطقة معقد للغاية، بسبب تشابك المصالح بين القوى الفاعلة على الساحة السورية.

فموسكو وطهران من جهتهما تطالبان قسد بإعادة النفط إلى سيطرة النظام أو أن تسلم رأسها الى تركيا، بالمقابل الأخيرة تنتظر الإتفاق مع واشنطن. فتجدد المواجهات في عين عيسى خلال الأيام الماضية توحي بأن أنقرة مصرّة على السيطرة على هذه البلدة، فموقف واشنطن محرج للغاية من جهة لا ترغب الإطاحة بحليفتها قسد لصالح الأتراك، ومن جهة لا تريد خسارة تركيا كدولة صاعدة واستراتيجية تعتمد عليها الناتو في المنطقة، فوجود صبغة حزب العمال الكردستاني على قسد تضع واشنطن في موقف محرج بالتالي هناك مصلحة للنظام وطهران بسيطرة تركيا على مزيداً من مناطق قسد وخاصة في عين عيسى فاحتمالات المواجهة باتت واردة جداً.

فتمدد طهران عسكرياً في اليمن والعراق وسوريا ولبنان يزعج تل أبيب، وبالتالي باتت قسد النقطة الأضعف في الحلقة التي ستدافع عنها واشنطن حتى مرحلة معينة لكن لن تضحي بمصالحها الاستراتيجية مع تركيا لصالح قسد، فالأخيرة تؤدي دور وظيفي فقط سيتم رميها إلى سلة المهملات بعد انتهاء مهمتها، والواقع في شرق الفرات مختلف تماماً عن المناطق الأخرى، فالعشائر العربية وخاصة في ريف دير الزور لايزال دورها فاعلاً في المنطقة، وواشنطن تجاهد لإرضائهم وكسب ودهم، وقسد بحكم سيطرة العمال الكوردستاني على قرارها ستجد نفسها في الزواية الحادة ، و مصيرها لايزال على طاولة البازارات بين الحيتان المتصارعة على الساحة السورية، فالجميع ينتظر من إدارة بايدن تحديد بوصلة سياستها في سوريا لتقوم بأخذ الإجراءات اللازمة للتعامل معها وفق مصالحها الإستراتيجية في المنطقة، وهذا ما سيرفع الستار عنه في الأيام القليلة القادمة.

علي تمي: كاتب وسياسي

ملاحظة (ما جاء في المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي الموقع بالضرورة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى