مقال رأي

سفينة النجاة الهاشمية.. عبدليّي الأردن

يزخر التراث الإسلامي ومن قبل العربي حتى في زمن “الجاهلية” بمرويات عن شيم الهواشم ومآثرهم ولعل من أبرزها هشم اللحم وإطعامه للمحتاج والغريب وتأمينه مقبلاً ومدبراً، آفلاً وقافلاً.

وعلى اختلاف أحوال الهواشم فيما يخص الجانب المادي للقوة بشقيها العسكري والاقتصادي، ما اختلف الموقف كلما اقتضت القضايا الكبرى الإيثار وحتى الفداء.

بعد هذه السطور، أعبر إلى أولى فقرات مقالة لا بد أن تكون موجزة دون تضييع أهم فصول الفتنة التي أعلن عبد الله الثاني، ملكاً (للأردن) وعميداً (لآل البيت) وشقيقاً أكبر للأمير حمزة، أعلن عن وأدها في مهدها.

لم تكن في حقيقة الأمر في المهد فجذورها ترجع إلى ثلاث محطات مفصلية:

أولاها: منذ تغيير ولاية العهد الأولى والثانية.

ثانيها: منذ تنحي الملك طلال عن العرش.

ثالثها: منذ اغتيال الملك المؤسس الشهيد عبد الله الأول بن الحسين شريف مكة ومفجر الثورة العربية الكبرى.

أبدأ من الثالثة وأعود إليها في الخاتمة فأقول، إن قدر عبد الله الثاني أن يكون بمثابة المؤسس الثاني للأردن الجديد يعبر بالبلاد في مستهل العقد الثالث من حكمه إلى المئوية الثانية.

عبد الله الأول استطاع النجاة بشرق الأردن من وعد بلفور وسايكس بيكو وحاول إقناع أمته برؤيته الثاقبة بقبول قرار التقسيم في فلسطين التاريخية لكنهم أضاعوه مليكاً ووطناً.

لم يكن الخائن الغادر الذي أطلق رصاصات الاغتيال الذي نجا منه الحسين الحفيد في رحاب المسجد الأقصى وحده القاتل، بل كل من انجر وراء قطيع المشككين من مطلقي ومروجي الأكاذيب.

تلك فتنة تعود فتطل من جديد برؤوس عدة مستهدفة قادة آخرين كما حصل مع الشهيد محمد أنور السادات والشهيد فيصل الثاني والشهيد وصفي التل رغم الكثير من الفوارق إلا أنها جميعاً تأتي مؤكدة للآية الكريمة: (الفتنة أشد من القتل).

الأردن الجديد والشرق الأوسط الجديد لا يعرف ملامحه كثيرون لكنه قطعاً ليس ما تم تسريبه قبل تفجير ما وصف زوراً وبهتاناً “الربيع العربي”.

المحطة الثانية

الفتنة التي حاول البعض ومازال البعض منهم على قيد الحياة وأعرفهم بشكل شخصي، أن “انقلاباً” داخلياً و”تواطؤا” مع أطراف خارجية هو ما كان وراء تنحية الملك طلال وليس وضعه الصحي.

تلك الفرية أريد بها استهداف أسرة الحسين الحفيد الذي لولا رعاية الله وجنده المخلصين لما نجا سياسياً وصار من أعظم القادة الدوليين بشهادة العدو قبل الصديق.

لم تكن فتنة واحدة بل أمواج متلاطمة من الفتن التي لم تزد ربّان السفينة سوى احترافاً.

زهاء نصف قرن، زالت نظم وانهارت دول كانت تنعق بمقولة: أيام الأردن معدودة!

المحطة الأولى

الأكثر دلالة على ما جرى في الأيام الأخيرة، فهي قصة تغيير ولاية العهد.

بدأت الحكاية كلها بقرار الراحل العظيم الحسين بن طلال تغيير ولاية العهد بعد تدهور حالته الصحية.

قام برد الحق إلى أهله دستورياً وهو تولي النجل الأكبر للملك ولاية العهد، والحسين كما ورد في كتاب عبد الله الثاني “فرصتنا الأخيرة”، الصادر قبل عشر سنوات، أمر بتولية شقيقه حمزة تاركاً له الأمر في رد هذا الحق إلى حفيده الحسين كونه أكبر أنجال عبد الله الثاني، مشدداً على ضرورة توخي “الحذر الشديد”.

وهذا ما حدث تماماً على مدى العقدين الماضيين، لم يهنأ عبد الله الثاني يوماً من المؤامرات التي حاولت النيل من الأردن من خلال خرق السفينة من الداخل بعد إدراك القاصي والداني أن الأمواج المتلاطمة ما زادتها إلا قوة.

وكأي فتنة يختلط فيها الحابل بالنابل خاصة في ظل تنمر منصات التواصل الاجتماعي وفضائيات الأفاعي والحرابيّ، فريق يشير بالاتهام إلى فريق آخر سواء داخلياً أم خارجياً، والناظر إلى المشهد كله عن بعد لا يخفى عليه أن المستهدف الحقيقي هو الأردن “كياناً” وليسا نظاماً أو ملكاً.

انتهت هذه الفتنة نعم، لكن الأزمة قائمة والعبرة جلية: عبد الله الثاني كما الأول استطاع إنقاذ الأردن الكيان” ولا شيء ولا أحد يتقدم على أمن الأردن واستقراره” كما جاء في رسالة الملك في السابع من نيسان عام ٢٠٢١. بشار جرار

 

إن التشكيك المتعمد والعنيد بمضامين الرسالة الملكية ومن قبلها بيان حمزة في بيت العم الأكبر للعائلة، ولي العهد السابق الحسن بن طلال، يشير إلى أن المتورطين في معركة حياة أم موت وليس تكسير عظام فحسب، ذلك لأن خيوط المؤامرة تشير بوضوح إلى من يستوجب المحاسبة “سياسياً” على الأقل إن لم تكن كلف المساءلة القانونية والجرمية محتملة الآن أو في المدى المنظور.

 

بشار جرار: كاتب ومحلل سياسي ــ واشنطن

سفينة النجاة الهاشمية.. عبدليّي الأردن
سفينة النجاة الهاشمية.. عبدليّي الأردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى