حورات خاصة

ما مخاطر ملء سد النهضة ومن يقف خلف تعنت إثيوبيا.. وما الخيارات المتاحة أمام السودان ومصر في الوقت الحالي؟

باءت المفاوضات التي جمعت أطراف أزمة سد النهضة حتى اليوم بالفشل، وعجزت الدول الثلاث المشاركة فيها (مصر، السودان، إثيوبيا) عن إعطاء بوادر أمل في طي هذا الملف المعقد.

ويهدد استمرار هذه الأزمة استقرار المنطقة، خاصةً مع اللهجة التصعيدية التي بدأت تتحدث بها كل من مصر والسودان مؤخراً جرّاء استيائهما من “التعنت” الإثيوبي، وسط ترجيحات من المحللين للوضع في أن يتم طي الملف “عسكرياً”، لأن بوادر حرب قريبة تلوح في الأفق في ظلِّ عدم وجود توافق سياسي.

ما الخيارات المتاحة أمام السودان ومصر في الوقت الحالي وهل سنشهد قرعاً لطبول الحرب؟ ما الخطر الذي سيشكله ملء سد النهضة على مصر والسودان وأبرز التحديات التي يحملها، للوقوف على كل هذه الأسئلة حاورت وكالة “ستيب الإخبارية” كل من الخبير في الشؤون العربية و الأفريقية والمستشار السابق في الجامعة العربية، الدكتور حامد فارس، والمحلل السياسي السوداني ومستشار تحرير صحيفة اليوم التالي السودانية، محمد عبدالقادر.

ما مخاطر ملء سد النهضة.. ما الخيارات المتاحة أمام السودان ومصر في الوقت الحالي؟
ما مخاطر ملء سد النهضة.. ما الخيارات المتاحة أمام السودان ومصر في الوقت الحالي؟

ماذا يعني ملف سد النهضة بالنسبة لمصر؟

يقول المحلل المصري والخبير في الشؤون الأفريقية، الدكتور حامد فارس: “هذا الملف تحديداً يمثل مسألة حياة بالنسبة للمصريين، ومازالت مصر لديها الكثير من الخيارات على الرغم من التعنت الإثيوبي الواضح ورغبتها الشديدة في فرض سياسة الأمر الواقع، وهذا يتسق ويتفق مع تصريحات وزير الري الإثيوبي، الذي أكّد أن إثيوبيا ماضية في عملية الملء الثاني للسد سواء وصلوا لاتفاق أم لم يصلوا”.

ويُضيف فارس: “في ظنّي وتقديري، القاهرة مقبلة على معركة دبلوماسية في مجلس الأمن الدولي ضد التعنت الإثيوبي مع ضرورة وجود اصطفاف عربي وحشد دولي خلف الدولة المصرية، وهي الفرصة الدبلوماسية الأخيرة”.

الخيار العسكري وارد

ويوضح الخبير المصري أن خيار الحل العسكري يأتي بعد المعركة الدبلوماسية، قائلاً: “هو خيار لا يمكن إغفاله و أُطلق عليه هنا أنه حرب الضرورة و الاضطرار لحماية الأمن القومي المصري”.

ويُتابع القول: “كلّ الخيارات مفتوحة، وعلى إثيوبيا ألا تختبر صبر الدولة المصرية التي حتى هذه اللحظة ترغب في الوصول إلى اتفاقٍ قانوني ملزم حول سد النهضة، ويكون السد مجال التعاون والنماء بين مصر وإثيوبيا والسودان خصوصاً بعد تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، لقناة الجزيرة القطرية، التي قال فيها إنّ من حق إثيوبيا بيع المياة الفائضة عن حاجتها بعد الملء الثاني لخزان سد النهضة”.

المحلل المصري يؤكد: “هذه التصريحات لم تكن ذلة لسان، وإنما جاءت استمراراً لمسلسل الاستفزاز الإثيوبي لمصر والسودان؛ لذلك على إثيوبيا أن تعي أن مصر لن تفرط في قطرة مياة واحدة ولن تنتظر لكي تقوم إثيوبيا ببيع المياه لها، وبالتالي فكل الخيارات مفتوحة وكل الاحتمالات واردة”.

مخاطر ملء سد النهضة

وحول الخطر الذي سيشكله ملء السد على مصر، أكد الخبير في الشؤون العربية و الأفريقية أن “الملء الثاني للسد سيسبب أضراراً كبيرة غير قابلة للاحتمال، بل قد يسبب خطورة أكبر على جسم السد نفسه مما يهدد بانهياره، لأن عملية الملء الثانية تقدر بـ 13 ونصف مليار قدم متر مكعب؛ وكذلك على المدى البعيد خاصةً في ظل سنوات الجفاف الذي ينتقص من حصة مصر المائية ويضر بها ويؤدي لتبوير أكثر من أربعة مليون فدان من الأراضي الزراعية”.

وأردف القول: “للأسباب المذكورة، تسعى مصر إلى اتفاق قانون ملزم للملء والتشغيل يحقق لإثيوبيا هدفها من التنمية وتوليد الطاقة و يجنّب مصر المخاطر السلبية الحالية والمستقبلية، وكذلك فإن هذا السد يمثل خطورة كبيرة على الشقيقة السودان، لأن مصر والسودان أمن قومي واحد ولا نريد ضرر للسودان مثلما لا نريد ضرر بمصر؛ لذلك لا بدَّ أن يكون هناك تنسيق وتفاهم بين الدول الثلاث حتى نحقق المنفعة المتبادلة من هذا السد”.

لماذا تعثّر إثيوبيا المفاوضات؟

المستشار السابق بجامعة الدول العربية، يقول إنَّ: “غياب الإرادة السياسية الإثيوبية وعدم وجود الرغبة الصادقة في التوصل لاتفاق قانوني ملزم بين الدول الثلاث هو السبب في تعثر المفاوضات”.

ويُضيف: “إثيوبيا تريد بناء السد و ملئه دون أن يكون هناك اتفاق ملزم، لأنها تتفاوض من أجل كسب الوقت فقط مع عدم الرغبة في الوصول إلى نتيجة مرضية لمصر والسودان، مع التنصل من كافة ما تمّ الاتفاق عليه في المفاوضات السابقة، وأذكر هنا الاتفاق الذي تم برعاية أمريكا ووقعت عليه الدول الثلاث بالأحرف الأولى ثم رفضت إثيوبيا التوقيع على الاتفاق النهائي، وهذا يظهر الرغبة الإثيوبية في عدم الوصول إلى حلول ناعجة ونهائية فيما يخصّ سد النهضة”.

من يقف خلف تعنت إثيوبيا؟

الدكتور حامد فارس، وردّاً على هذا السؤال قال: “لا أستطيع أن أتهم أحداً بالوقوف خلف التعنت الإثيوبي، ولكن هناك من يريد الإضرار بالأمن القومي المصري عن طريق المياه، وهذا ما لن تسمح به القاهرة أبداً”.

السودان وملف سد النهضة

من جانبه، يقول المحلل السوداني، محمد عبدالقادر تعليقاً على ملف سد النهضة: “مازال السودان يعول على الحوار والمسارات السياسية والدبلوماسية لحل أزمة سد النهضة، و لعلّه قد دفع بمقترح في اجتماعات كينشاسا لتوسيع مظلة الوساطة لتشمل أطرافاً دولية كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، والهدف بالطبع تحريك جمود المفاوضات التي مازالت تتراوح مكانها مثلما هو معلوم وسط تعنت إثيوبي واضح يحاول فرض سياسة الأمر الواقع على الدولتين مصر والسودان”.

ويُضيف: “خطاب السودان الآن هو رفض الموقف الإثيوبي بالطبع، ويمكن أن يمضي حتى نهاية المسارات السياسية والدبلوماسية مثلما أكد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ويلجأ إلى مجلس الأمن أو إلى التحكيم الدولي خاصةً وإن المفاوضات الماضية بشأن السد لم تصل إلى نتائج”.

إثيوبيا تدق طبول الحرب

عبدالقادر يوضح أن “كل الاحتمالات واردة بشأن مستقبل الأمن في منطقة القرن الأفريقي إذا ما استمرت إثيوبيا على موقفها الرافض للتعامل مع السودان ومصر ومضت في الملء الثاني دون اتفاق”.

ويُتابع: “هنالك مصالح جدية للدولتين ستتضرر إذا لم يتم التوافق مع إثيوبيا قبل اتخاذ أية خطوات جديدة تجعل من السد أمراً واقعاً بالنسبة للدولتين”، مضيفاً “إثيوبيا تدق بالفعل طبول الحرب بصم أذنها عن المطالب المتكررة لدولتي المصب، ولا أعتقد أن الأمر سيمرّ بسلام إذا ما تمادت في تجاهل صوت السودان ومصر”.

مخاطر ملء سد النهضة على السودان

يرى المحلل السوداني أن “هنالك آثار سلبية كثيرة تقع على السودان جراء مضي إثيوبيا في خطة الملء الثاني”، متابعاً “وزارة الري والموارد المائية السودانية، بدأت بالفعل في تنبيه المزارعين والرعاة ومحطات مياه الشرب والمواطنين بأنه من المرجح انخفاض منسوب المياه خلال الأشهر القادمة، بسبب الملء الثاني. بيان الوزارة دعا جميع المعنيين بالأمر لاتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجاوز آثار الملء والتشغيل خلال الفترة من أبريل حتى سبتمبر 2021”.

ويواصل حديثه: “بالضرورة سيتأثر قطاع النيل الأبيض من الجبلين إلى جبل أولياء بملء سد النهضة نسبة لتعديل نظم تشغيل خزان جبل أولياء، وسيؤدي ذلك لتقليص مساحات الجروف والمراعي نسبة لعدم التفريغ الكامل للبحيرة”.

المحلل السياسي، يقول إنَّ الدراسات تشير إلى أن قطاع النيل الرئيسي من الخرطوم إلى عطبرة، سيتعرض لنفس التأثيرات و ستقل كميات المياه وتنخفض المناسيب، كما ستتأثر بالطبع نظم ملء وتفريغ خزانات رئيسية وحيوية في السودان مثل جبل أولياء و الروصيرص.

سياسة الأمر الواقع

عبدالقادر يؤكد تعليقاً على سبب تعثر إثيوبيا للمفاوضات “إثيوبيا تريد فرض سيطرتها على منابع المياه وتحويل النيل الأزرق الذي تنشئ فيه السد إلى ملك خاص لها، وتمضي لفرض سياسة الأمر الواقع على الجميع دون إعطاء أهمية للتنسيق المشترك في قضية حيوية ترتبط بالمياه التي منها (خلق كل شيء حي)، و بأهميتها المعلومة لمصر والسودان”.

الاستناد على مواقف غير معلنة في المجتمع الدولي

وفيما يتعلق بتعنت إثيوبيا وإذا ما كانت هناك جهة تقف خلف ذلك، يقول عبدالقادر: “كل الاحتمالات واردة في صراع السياسة الدولية والإقليمية. من المؤكد أن إثيوبيا استندت على مواقف غير معلنة في المجتمع الدولي وهي تمضي بكل هذه الجرأة في تجاوز واضح و مُعلن لمواقف دولتي المصب”.

ويُضيف: “لا يمكن تسمية جهة معادية لمصر تحرض إثيوبيا، ولكن الغريب بالفعل صمت المجتمع الدولي و اكتفاءه بالمراقبة في قضية يمكن أن ينجم عنه صراع غير مأمون العواقب في منطقة القرن الأفريقي”، قائلاً: “وللأسف ما يحدث الآن لا يبشر بأي خير في الإقليم المهم للأمن والسلم الدوليين”.

حاورتهما: سامية لاوند

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى