تاريخ

دعاؤها حررها من الرق.. قصة رابعة العدوية كما لم تسمعها من قبل

 

اشتهرت، رابعة العدوية، بالفضيلة والتقوى الشديدين، وكرست حياتها التي لفها الغموض للعبادة، ولم ترد أن يشغلها عن ذلك زوج أو مال أو ولد، وعرفت بزهدها في الطعام والشراب وحرصها على لبس ما يستر جسدها ولو كان بالياً وقديماً.

 

رابعة العدوية

اشتهرت العدوية بأنها من الرواد الأوائل لحركة التصوف الإسلامي، كما كانت أول من ابتدع “عقيدة الحب الإلهي” المسمى لدى الصوفيين بـ”العشق الحقيقي”، ممهدة بذلك الطريق للمتصوفين الذين جاؤوا بعدها، أمثال الحلاج وابن الفارض، وبفضل رابعة دخل تعبير الحب الإلهي ليصبح ركناً أساسياً عند المتصوفين.

و”الحب الإلهي” أو “العشق الحقيقي” يتمثل في عبادة الله لا خوفاً من النار ولا طمعاً في الجنة، إنما ابتغاء القرب من الله وطمعاً في رضاه فقط.

اقرأ أيضاً:

تخطت المليون في 24 ساعة.. أغنية رمضان جانا لماهر زين تتصدر الترند

عاصرت، رابعة العدوية، عدداً من الزهاد والنساك الذين كانوا يزورونها للاستماع إلى عظاتها، فضلاً عن العديد من المريدين الذين نقلوا فلسفتها في “العشق الإلهي”، في حين لم تترك بعد وفاتها كتباً في التصوف. 

وكذلك لم تترك أي أثر مكتوب يروي قصة حياتها، لكن قال الشاعر الصوفي الفارسي، فريد الدين العطار، إن والد رابعة كان فقيراً للغاية، لدرجة أنه لم يكن  يملك قطرة زيت لإنارة مصباح في الليلة التي ولدت فيها رابعة، كما لم يملك قطعة قماش ليلفها على جسد ابنته الوليدة التي كان ترتيبها الرابعة بين إخوتها، ومن هنا اكتسبت اسمها: “رابعة”.

اقرأ أيضاً:

رمضان على الأبواب.. كيف تدرب جسمك على استقبال الصيام قبل أن تبدأ به

رابعة بنت إسماعيل العدوية البصرية قد ولدت في ليلة ما بين عامي 714 و 718، ونقل العطار أن والدة رابعة حينها طلبت من زوجها أن يستعير بعض الزيت من بيت الجيران.

لكن والد العدوية كان متعففاً للغاية، وقد عاهد نفسه ألا يطلب شيئاً إلا من الله، فتظاهر بالذهاب إلى منزل أحد الجيران ثم عاد خالي اليدين.

وفي الليل، ظهر له النبي محمد عليه الصلاة والسلام في الحلم، وقال له: “لا تحزن، هذه البنت الوليدة سيدة جليلة القدر، وإن سبعين من أمتي ليرجون شفاعتها”.

وأمره النبي في الحلم أن يذهب في الصباح إلى والي البصرة حينذاك، عيسى زاذان، ويكتب له ورقة يقول فيها إن النبي محمداً زاره في المنام وأخبره أن والي البصرة يصلي كل ليلة مئة ركعة، وفي يوم الجمعة يصلي 400، لكنه نسي أن يفعل ذلك الجمعة الماضية لذا عليه أن يدفع 400 دينار لكاتب الرسالة كفارة ذلك.

وهذا ما كان، فقد دفع أمير البصرة لوالد رابعة بالمبلغ الذي أعانه وعائلته لفترة من الزمن.

اقرأ أيضاً:

في زمن الكورونا…. كيف سيكون شهر رمضان؟

دعاؤها حررها من الرق

توفي والد رابعة ووالدتها كذلك في صغرها، وضربت مجاعة مدينتها البصرة فخرجت مع إخوتها بحثاً عن الطعام، ثم تاهت رابعة عن إخوتها وترصدها أحدهم ثم خطفها وباعها بـ6 دراهم.

وكانت رابعة تمتلك موهبة كتابة الشعر وتؤديه، كما أجادت العزف على الناي، ويقال إن الرجل الذي اشتراها كان يجبرها على الغناء في مجالسه، أما هي فكانت تكره ذلك وتفضل العزلة وقضاء الوقت بمناجاة الله عز وجل.

وفي إحدى الليالي رآها الرجل الذي اشتراها ساجدة تناجي ربها وتقول: “إلهي أنت تعلم أن قلبي يتمنى طاعتك، ونور عيني في خدمة عتبتك، ولو كان الأمر بيدي لما انقطعت لحظة عن خدمتك، لكنك تركتني تحت رحمة هذا المخلوق القاسي من عبدتك!”. 

فلما سمع الرجل ذلك الكلام أعتقها على الفور، ففرحت وشكرت الله وتوجهت إلى الصحراء حيث تفرغت هناك للعبادة بقية حياتها.

الزواج من أمير البصرة

بعد حصولها على حريتها، كرست رابعة العدوية جل وقتها للعبادة والتقرب من الله ورفضت الزواج مرتين.

الأولى كانت عندما طلب يدها صوفي يدعى، عبدالواحد بن يزيد، وقيل إن ردها عليه كان: “يا شهواني، أطلب شهوانية مثلك”.

أما المرة الثانية فكانت عندما طلب يدها أمير البصرة آنذاك، محمد بن سليمان الهاشمي، الذي عرض عليها مهراً غالياً إلى جانب الكثير من المغريات.

وكتب إليها قائلاً: “لي غلّة عشرة آلاف في كل شهر أجعلها لك”. فكتبت إليه: “ما يسرّني أنك لي عبد وأن كل ما لك لي وأنك شغلتني عن الله طرفة عين”.

ومن جانبه، قال المؤرخ، محمد المناوي، إنها كتبت لأمير البصرة قائلة: “أما بعدُ: فإن الزهد في الدنيا راحة البدن، والرغبة فيها تورث الهم والحزن، فهيئ زادك، وقدّم لمعادك، وكن وصيّ نفسك، ولا تجعل الرجال أوصياءك فيقتسموا تركتك، وصُم الدهر، واجعل فطرك الموت. وأما أنا فلو خوّلني الله أمثالك ما حزت وأضعافه فلم يسرّني أن أشتغل عن الله طرفة عين، والسلام”.

أساطير حول حياة رابعة العدوية

لفت الأساطير حياة، رابعة العدوية، المنعزلة المتعبدة في الصحراء حيكت، واعتبرها الكثيرون أحد أولياء الله الصالحين، ونسبت إليها العديد من المعجزات في الحكايات الشعبية بسبب قربها من الله.

وواحدة من الأساطير العديدة التي أحاطت بالعدوية أنها تحررت من العبودية عندما رآها سيدها تصلي وهي محاطة بالنور من كل الجوانب، فأدرك أن لهذه المرأة مكانة خاصة لدى الله عز وجل وخشي من وقوع غضب عليه إن لم يعتقها، ففعل ذلك على الفور.

توفيت رابعة في البصرة وهي في الثمانينات من عمرها عام 801، بعد أن أفنت حياتها في حب الله وعبادته، ليعيش ذكرها إلى اليوم وتعرف بين الناس على أنها “إمامة العاشقين”. 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى