تحقيقات ستيب

طريقتان خطيرتان لتهريب النفط والقمح من مناطق “قسد” إلى النظام السوري وأسماء بارزة تتولى العملية التي تدر أرباحاً طائلة

تشهد محافظة ديرالزور عمليات تهريب لمادتي النفط والقمح بشكل مستمر من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” شرقي الفرات باتجاه مناطق سيطرة النظام السوري غربي الفرات، رغم إعلان الأولى إغلاق جميع معابر التهريب مع النظام.

وتتمّ عمليات التهريب بطرقٍ سريّة عبر اتفاقٍ مسبق بين الطرفين، يحظى العمال فيها بأجورٍ بسيطة مقابل عمليات بيعٍ بالملايين، كما أشارت مصادر صحية إلى وجود مخاطر تهدد حياة العمال الذين يشاركون بنقل النّفط بطرق عشوائية وسريعة.

برزت أسماء كثيرة في عمليات التهريب هذه بمحافظة ديرالزور، مراسل وكالة “ستيب الإخبارية” يكشف لنا في هذا التحقيق بالأدلة المصورة وبمشاركة شخصيات كانت حاضرة فيها، كيف تتم عمليات تهريب النّفط والقمح في المحافظة.

¶ كيف تتم عملية تهريب النفط

يقول مراسل وكالة “ستيب الإخبارية” في ديرالزور، عبدالرحمن الأحمد، وهو معد التحقيق، إنَّ عمليات تهريب النّفط تتمّ عن طريق خزانات نفط كبيرة محملة على عَبارات مائية، حيث يتمّ تعبئتها من جهة قوات “قسد” عبر صهاريج النفط التابعة للمهربين ومن ثمّ تُنقل إلى الضفة الغربية للنهر.

وعند وصول هذه الخزانات إلى الضفة الغربية للنهر، تقوم العَبارات بإفراغ حمولتها داخل صهاريج تابعة لشركة القاطرجي، والتوجه بها إلى مصفاة بانياس.

بحسب “أبو سعد” أحد العمال الذين يعملون في معابر التهريب (وأبو سعد هو لقب وهمي اختارته “ستيب” لدواعي أمنية تخص سلامته)، يتم يومياً نقل قرابة 5000 برميل من النّفط إلى غربي النهر.

النفط
طريقتان خطيرتان لتهريب النفط والقمح من مناطق “قسد” إلى النظام السوري

¶ تهريب النفط عبر أنابيب تحت الأرض

الأحمد يؤكد أن تهريب النّفط لا يتم عبر خزانات وصهاريج فحسب، بل يعتمد المهربون طرقاً أخرى عبر الأنابيب.

ويوضح أن المضخات تكون موجودة داخل أحد البيوت القريبة من نهر الفرات في بلدة ذيبان الخاضعة لسيطرة “قسد”، ويتم وضع أنبوب في المنزل ودفنه تحت الأرض ليصل بين ضفتي النهر.

حيث تدخل الصهاريج إلى المنزل وتضخ النّفط عبر الأنابيب باستخدام مولدات كبيرة، لتوصله إلى معبر البريد الخاضع لسيطرة قوات النظام في مدينة الميادين.

¶ أسعار النفط المهرّب

التقى معد التحقيق بأحد مهندسي النفط العاملين في حقل “العمر النفطي”، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه، وقال إن “قسد” تبيع النظام السوري برميل النّفط بـ 75 ألف ليرة سورية، أي بقيمة 375,000,000 ليرة سورية يومياً.

حيث يقوم المهربون بشراء النّفط من الآبار على أنهم تجار محليين، ويقومون ببيعه لأصحاب حراقات النفط في مناطق “قسد”، والحراقات التي تقوم بنقل النّفط، على نوعين: كبيرة عليها خزانات بسعة 100 برميل، وصغيرة بسعة 50 برميل.

وبحسب المهندس، يتقاضى كل عامل يعمل بنقل النّفط، أجر يومي قدره 15000 ليرة سورية.

¶ المسؤولون عن تهريب النفط من جهتي “قسد” والنظام السوري

يعدّ المدعو “هلال العسكر” هو المسؤول عن عمليات تهريب النّفط من جهة مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ويعمل بالشراكة مع إخوانه من أبناء بلدة ذيبان.

حيث يقوم بدفع رشاوى مالية لقادة “قسد” أثناء قيامه بنقل أي شحنة جديدة مقابل التغطية والتغاضي عن عمليات التهريب التي يقوم بها مع إخوانه.

في حين أن المسؤول عن عمليات التهريب من جهة النظام السوري، هي شركة القاطرجي المعروفة، وتعد مهمتها نقل النّفط من مناطق سيطرة “قسد” إلى مناطق سيطرة النظام.

يقول رئيس ورشة نقل النّفط المهرّب لمعد التحقيق، إن المدعو “هلال العسكر” يكفل لهم عدم الملاحقة الأمنية أو التعرض من جانب “قسد”، كما تكفل لهم شركة القاطرجي بعدم التعرض لهم أو ملاحقتهم أمنياً من جانب النظام السوري.

¶ كيف يتم الاتفاق؟

الأحمد وبعد الاستفسار من مصادر أمنية، أكد أن الاتفاق على الكميات والأسعار وموعد التسليم، يتم مسبقاً على الهاتف بين هلال العسكر ومدير مكتب شركة القاطرجي، ولا يتحرك طرف إلا بعد أخذ الضوء الأخضر من المذكورَين.

يقول معد التحقيق، إن شركة القاطرجي المملوكة لرجل الأعمال، حسام أحمد قاطرجي، سبق لها وإن لعبت دور الوسيط بين تنظيم “داعش” وميليشيا النظام السوري، إذ تولت شراء شحنات يومية من النفط ذي الجودة العالية من بعض آبار حقل العمر شرقي دير الزور لمصلحة نظام الأسد.

وأشار إلى أنها ما تزال تلعب نفس الدور بعد طرد التنظيم وسيطرة “قسد” على المنطقة، حيث تمتلك أسطول من الصهاريج والقاطرات يقدر بآلاف الآليات التي تقوم بنقل المواد المهربة من مناطق “قسد” بديرالزور إلى مناطق النظام.

¶ مخاطر تهدد حياة العمال بمجال نقل النفط المهرّب

يرتدي العمال أثناء قيامهم بنقل النّفط من خزانات إلى صهاريج، ملابس عادية غير مخصصة لمثل هذه الأعمال المهددة لحياة الإنسان مع تكرارها.

أحد مهندسي البترول العاملين بحقل “العمر النفطي”، يقول إن نقل النّفط بهذه الطريقة يسبب خطراً على حياة الأشخاص الذين يعملون به، مشيراً إلى أنه يجب عليهم ارتداء بدلات خاصة تقيهم من إشعاعات النّفط التي تسبب السرطان، بالإضافة إلى ضرورة شربهم كميات من الحليب قبل وبعد عملهم بالنفط.

ويؤكد أن أجرهم اليومي لن يكفيهم مستقبلاً في تلقي العلاج من الأمراض التي ستسببها عمليات تهريب النّفط.

الدكتور مخلف حمادي، وهو طبيب مختصّ بالأمراض الجلدية، يقول إن النّفط يأثر على طبقة الجلد الخارجية من خلال الاستخدام المتكرر، مما يسبب حساسية شديدة ينتج عنها حكة واحمرار، بالإضافة لنشاط عمل البكتيريا مما يؤدي إلى ظهور عوارض التهابات جلدية.

ولفت الطبيب إلى أن المرء إذا استمر في استخدام المواد النفطية، فإن الالتهابات العميقة والتقرحات الجلدية ستظهر بالإضافة إلى تشوه الخطوط (البصمات) الموجودة على الجلد، كما قد يفقد الجلد إحساسه بالأشياء، لأن إحدى الوظائف الأساسية للجلد هي الإحساس، ويؤدي الاحتكاك الدائم بأطراف الأعصاب إلى تلفها، وبالتالي تخف القدرة على الإحساس تدريجياً، بحسب الطبيب الجلدي.

¶ مداهمات شكلية على المعابر النهرية

تحدث بين الفينة والأخرى مداهمات شكلية على المعابر النهرية، حيث يتم إبلاغ المهربين مسبقاً بالعملية من قبل قادة “قسد” المتعاملين مع المهربين، يقولها معد التحقيق.

حيث يقوم المهربون بعد إبلاغهم بإيقاف عمليات التهريب، ويقومون بتبادل إطلاق النار مع قوات “قسد”، ومن ثم ينسحب المهربون مع الإبقاء على عَبارة واحدة، تقوم عناصر “قسد” بإتلافها، ليتوضح للعلن أن الأخيرة ضد عمليات التهريب إلى مناطق النظام السوري.

ووفقاً لمعد التحقيق، بلغ عدد عمليات المداهمة خلال عامي 2020 و2021 قرابة 38 مداهمة.

¶ تأثير الاشتباكات على بيع النفط

أغلقت قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، الشهرين الفائتين، معابراً نهرية تصل مناطق سيطرتها مع مناطق سيطرة قوات النظام والميليشيات الإيرانية في ريف مدينة ديرالزور.

وجاء إغلاق المعابر، على خلفية التوتر الذي نشب بين الطرفين في مدينتي الحسكة والقامشلي.

¶ كيف تتم عملية تهريب القمح؟

لا تختلف عملية تهريب القمح كثيراً عن عملية تهريب النفط من المعابر النهرية في محافظة ديرالزور.

حيث يتمّ نقل أكياس القمح على عَبارات خاصة بها من شرقي الفرات إلى غربها، وفي الوقت الذي يتوجه فيه النفط إلى مصفاة بانياس يتوجه القمح إلى العاصمة دمشق.

كما يختلف أجور العمال الذين ينقلون القمح، وتكون أقل من العاملين في مجال تهريب النفط.

يقول “الأعرج”، اسم وهمي لرئيس ورشة نقل القمح، إنّ أجور العمال تبلغ 10 آلاف ليرة سورية يومياً، والذين يقومون بحماية عمال تهريب القمح من الاعتقال هم أنفسهم الذين يقومون بحماية عمال تهريب النفط.

¶ أسعار القمح المهرّب

يقوم المهربون بشراء القمح من التجار بسعر 1150 ليرة سورية للكيلو، ومن ثم ينقلونه إلى معابر التهريب، حيث يقوم العمال بوضعها في عبارات عادية ونقلها إلى الضفة الغربية الواقعة تحت سيطرة النظام عبر قاطرات تابعة للقاطرجي.

وبحسب أحد العاملين في نقل القمح، فإن القمح يُباع للنظام بسعر 1450 ليرة، أي بفارق ربحي يصل إلى 300 ليرة للكيلو الواحد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى