معركة استردادها مستمرة.. الأموال الليبية المجمدة التي بددت مع الإطاحة بالقذافي كيف وصلت إلى الشارع العراقي وبأسعارٍ زهيدة!؟
¶ ما هي الأموال الليبية المجمدة؟
تجميد الأموال أو ما يُسمى تجميد الأصول هو التحفظ على الأموال ومنع مالكها من التصرف فيها بعضاً أو كلاً بحكمٍ قضائي.
وهذا الحكم و الإجراء يتمّ لعدّة أسباب، منها: الاتهام أو الاشتباه بغسل الأموال والكسب غير المشروع والديون والخوف على مصالح الأشخاص.
¶ الأموال الليبية المجمدة
يعد ملف الأموال الليبية المجمدة، الأكثر تعقيداً منذ سقوط نظام معمر القذافي، إذ لم تنجح أي حكومة تولت الأمور منذ ذلك الحين في تحريك هذا الملف، لتبقى أكثر من 200 مليار دولار حبيسة البنوك الأوروبية.
و جمدت هذه الأموال بموجب القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي في مارس/آذار 2011، ومسجل برقم (1973)، ويتضمن فرض عقوبات على نظام القذافي بعد اتهامه بقمع حراك فبراير/شباط، ومن بينها تجميد الأصول الليبية، شاملةً كل الأصول المالية والأموال والموارد الاقتصادية التي يملكها النظام السابق بصورة مباشرة أو غير مباشرة في الخارج.
يقول السياسي الليبي موسى بو محمود لوكالة “ستيب الإخبارية” إنَّ: “موضوع الأموال الليبية المجمدة، ملف معقد و شائك و طفا إلى السطح منذ عام 2011″، مضيفاً “هذا المصطلح لم يكن موجوداً في ليبيا، ولكن متعارف عليه منذ 2011”.
ويضيف: “ويقصد بالأموال المجمدة؛ الأموال الليبية الموجودة خارج البنوك والحسابات الليبية، بعضها في بلدان عربية وبعضها في أمريكا وبريطانيا ودول جنوب أفريقيا ودول أوروبية أخرى”.
ويواصل كلامه: “طبعاً في تونس وحدها تقدر الأموال المجمدة بـ73 مليون دولار، وهذا مبلغ صغير مقارنةً بالأرقام الكبيرة الموجودة في بلدان أخرى، ويقدر المبلغ في جنوب أفريقيا بـ 180 مليون دولار إلى جانب الاستثمارات الليبية والمدن السياحية الموجودة في جنوب أفريقيا وغربها في دول مالي والسنغال”.
وبحسب بو محمود “تعتبر شركة الاتصالات الليبية في السنغال إحدى الشركات الوطنية التي قامت بتوفير الخدمات للسنغال قبل الأحداث في ليبيا، وبعد الأحداث قامت دولة السنغال بالاستيلاء عليها”.
¶ بيع الأموال الليبية المجمدة في العراق بأسعارٍ زهيدة
يروج مجهولون عبر مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة لفكرة وجود دولارات أمريكية مملوكة للبنك المركزي الليبي، ويدعون أنهم يبيعونها بأسعار أقل من أسعار الدولار الأمريكي في سوق الصرف العراقية.
ويقوم هؤلاء بنشر إعلانات عبر التواصل الاجتماعي، مع وضع أرقام هواتف مختلفة، بعضها تركية و يمنية ومصرية.
تمكنت وكالة “ستيب الإخبارية” من التواصل مع أحد مروجي الأموال المجمدة من خلال أحد الأرقام الموجودة عبر الإعلان على منصة “فيس بوك”.
يرسل أبو عامر (لقب اختارته ستيب لمروج الأموال المجمدة «البائع» نظراً لأنه رفض الكشف عن اسمه بأي شكلٍّ من الأشكال)، عند محاولة أي شخص التواصل معه، مجموعة من المقاطع المصورة و التسجيلات الصوتية وتحويلات مالية خافياً اسم المرسل و المستلم.
قائلاً: “السلام عليكم أخي العزيز. هذه الدولارات أموال مهربة من ليبيا. أبيع الشدة (أي 10 آلاف دولار أمريكي) مقابل 5 آلاف دولار (أي بنصف المبلغ).
ويضيف: “عندما تدخل هذه الأموال أي بنك يتم مصادرتها وحجزها؛ لذلك أبيعها بهذا السعر”.
¶ كيف يقنع مروجو الأموال المجمدة لفكرة الشراء؟
يحاول “أبو عامر”، جاهداً إقناع الشخص (الزبون) الذي يتواصل معه بفكرة الشراء وطرق استلام هذه الأموال بأمان وبعيداً عن الاحتيال.
وحول كيفية استلام المبلغ، يقول البائع باللهجة العراقية: “تريد تتعامل وياي كاش بكاش داخل الأردن أو تركيا. تريد تتعامل وياي عن طريق الحوالات هذي صور الحوالات الي جتني من العراق، ومثل مدا تشوف في صور حوالات كل وصل يحتوي على رقم كود الاستلام يصير على رقم سري الي متواجد في ايصال حواله”.
ومن أجل أن يزيد الثقة بينه وبين الزبون ويزيل الشكوك، يقول: “حبيبي اني احولك في البدايه وارسلك صورة الايصال. ما انطيك رقم كود إلا من تحولي ونبدا بمبلغ بسيط لزرع الثقه. إذا موافق نبدا من باجر صبح ساعه ٨ صبح”.
ويتابع: “وشوف عزيزي هاذني وصلين مال حوالات ومثل مدا تشوف بعينك شلون زبون حول وخله اصبعه على رقم كود هاذني حوالتين يوم زبون حولي من شركة الطيف”.
¶ الوقوع في فخ مروجي الأموال الليبية المجمدة “الباعة”
وقع كثيرون في شباك مروجي الأموال المجمدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فما إن أرسل المشتري مبلغاً “عربون” لاستلام المقابل حتى يختفي الباعة بشكلٍّ نهائي أو يرسلون أوراقاً مزورة، وهنا القانون لا يحمي “المغفلين”.
يقول أبو أحمد (مواطن عراقي تم الاحتيال عليه من قبل مروجي الأموال)، إنَّ الرغبة في الاستفادة من المبلغ لاستثماره دفعته لخوض هذه المغامرة.
ويضيف: “كثيراً ما سمعنا عن الأموال الليبية المجمدة، وكنت أصدق مثل هذه الأمور حتى وقعت في الفخ”، متابعاً “أرسلت عربون بمبلغ ألف دولار، بناءً على طلب البائع لتعزيز الثقة بيننا، وفعلاً بعد يومين جاءني شخص غريب سلمني ظرف وذهب مسرعاً، وكان عبارة عن ألفي دولار”.
وتابع: “ردّ المبلغ بالضعف جعلني أطمع حقيقةً، لذلك أرسلت بعد ذلك مبلغ 5 آلاف دولار لأحصل مقابل ذلك على 10 آلاف دولار كما هو متفق عليه، ولكن بعد أن حولت المبلغ الضخم اختفى البائع ورغم محاولاتي لم أتمكن من معرفته ولا العثور عليه”.
وأردف القول: “بعد ذلك لجأت لمحامي، وسألته عن كيفية استرداد المبلغ ولكنه قال لي إنّ مثل هذه المواضيع مبنية على الاحتيال وهؤلاء لا يملكون رقماً أو موقعاً محدداً ليتم العثور عليهم، و نصحني بعدم تصديق مثل هؤلاء ولا سيّما أنهم جهة مجهولة”.
وليس بعيداً عما حدث لأبو أحمد، وقع عبدالله عمر بالفخ ذاته ولكن بطريقةٍ مختلفة نوعاً ما: “عندما أرسلت مبلغ ألف دولار كعربون ثقة، جاءني أحدهم و سلمني ظرف فيه مبلغ 2000 دولار. في الحقيقة كدت أطير فرحاً و قد حصلت على ألف دولار دون تعب أو شقاء وخلال يومين فقط”.
ويتابع القول: “أخذت 100 دولار لكي أقوم بصرفها عند أحد الصرافين الذين أعرفهم، وعندما نظر إليها قال لي إنها مزورة، و نصحني فوراً بحرقها كي لا توجه لي تهمة غسل الأموال و أسجن على إثرها”.
وبحسب عمر: “عندما رجعت إلى البيت غسلت ورقتين من فئة مئة دولار، وبالفعل تبين لي أن جميع الأوراق مزورة، وقد تم الاحتيال عليّ بسهولة”، قائلاً: “رجاءً لا أحد يثق بهؤلاء أو يتعامل معهم”.
¶ هل توجد أموال ليبية مجمدة في العراق!؟
أفادت الكثير من التصريحات الصادرة عن البنك المركزي العراقي والقضاء وجهات رسمية عراقية، بأن موضوع وجود أموال ليبية مجمدة في العراق “غير صحيح وهو عملية احتيال”.
السياسي الليبي موسى بو محمود، يقول إنَّ موضوع وجود أموال ليبية مجمدة في العراق غير دقيق وغير حقيقي وبأنه لا يوجد شيء من هذا القبيل: “فوجئت بسماع وجود الدولار المجمد الليبي بالشارع، لأن الأموال الليبية المجمدة هي عبارة عن استثمارات و أرصدة كبيرة موجودة في خزائن دول يوجد معها اتفاقيات تتعلق بنقل هذه الأرقام والأموال التي تتبع لتسلسل معين”.
ويضيف: “إذ أنه من غير الممكن أن تجد الأموال الليبية في الشارع. كما قلت هي أرقام موجودة في بنوك دول محترمة، ولكن الذي يحدث في العراق هو عملية احتيال والتسويق لأموال مزورة، لأن الوصول لهذه لأموال الليبية ليس سهلاً”.
¶ الحكم القضائي للمتعاملين بها
يتم التعامل مع مروجي وبائعي الأموال المجمدة على أنه غسيل الأموال، و تنطبق عليه ذات المواد القضائية.
تنصّ المادة –36– من قانون العقوبات العراقي، على أنه يعاقب بالسجن لمدة لا تزيد على ( 15عاماً) وبغرامة لا تقل عن قيمة المال محل الجريمة ولا تزيد على خمسة أضعاف كل من ارتكب جريمة غسل أموال.
كما لا يحول انقضاء الدعوى الجزائية دون الحكم بمصادرة الأموال المتحصلة من عمليات غسل الأموال أو تمويل الإرهاب.
¶ ظروف العراق ساهمت في انتشار الأموال غير المشروعة
يقول المحامي المستشار محمود صباح لوكالة ستيب: “بعد الاحتلال عام 2003 وما شهده العراق من غياب الرقابة الحكومية بكل مؤسساتها، وما خلفه من تدمير للبنى التحتية و انكشاف السوق العراقية، أصبح العراق بيئة ملائمة لوقوع الجرائم من جهة وغسل الأموال من جهة أخرى”.
وأضاف: “و هيأت البيئة الداخلية، الأجواء بعد عام 2003 وغياب الدولة بكامل أجهزتها ومؤسساتها إلى ولادة هذه الظاهرة بشكل واضح؛ و لغياب دولة القانون والأجهزة الرقابية وسياسة الإغراق والسوق السوداء، واعتماد سياسة السوق المفتوح أمام الأسواق العالمية بما فيها من سلع جديدة و رديئة، فضلاً عن فتح الحدود مع العالم دون قيد أو شرط ويدعم ذلك سهولة تداول الأموال وتحويلها إلى الخارج وضعف القطاعات الإنتاجية على توفير السلع والخدمات”.
ويتابع: “وبفضل البيئة غير الملائمة، أصبح العراق الملاذ الآمن للقيام بجريمة غسل الأموال من قبل المافيات، فضلاً عن الأسواق الجديدة التي أنشئت في العالم بظل العولمة وليس لها موقع جغرافي يمكن السيطرة علية وتزايد حجم الجريمة الاقتصادية في العالم، وإعلان بعض الدول قبولها الأموال غير المشروعة وتقديم التسهيلات لها مقابل فوائد عالية تمكنها من الحصول على ربحية عالية دون رقابة ومساءلة قانونية”.
مؤكداً: “يعد غسل الأموال من أخطر الجرائم المالية بسبب انعكاساته المباشرة على الجوانب الاقتصادية والسياسية والأخلاقية والفكرية على مستوى الأفراد والمجتمع و المؤسسات، وعملية غسل الأموال بالعراق غير معقدة من حيث المراحل حيث تدخل الأموال بسهولة عالية دون المرور بالمراحل، نتيجة تردي الوضع الأمني في البلاد وعدم كفاءة الأجهزة الرقابية الحكومية، الأمر الذي يجعل الاقتصاد العراقي عرضة للتخريب”.
وبحسب صباح، سجلت آلاف الحالات لدى بعض الأجهزة الرقابية وخاصةً في المحافظات العراقية الوسطى والجنوبية، حيث يمارس الأشخاص نشاطات غسل الأموال بسهولة؛ ومما يساعدهم على ذلك التطور الحاصل في القطاع المالي و المصرفي الذي سرّعَ من عمليات التحايل، بالإضافة الى النظام الآلي لتحويل الأموال، الذي سهل إتمام عمليات مشبوهة لغسل الأموال، كما أن استخدام شبكة الانترنت، أدت هي الأخرى إلى توسع عمليات التحايل من خلال استخدامها من قبل عصابات غسل الأموال للاستفادة من السرعة الخاطفة للتحويلات النقدية عبر العالم، أو بين الحسابات في الدولة الواحدة.
وتبين أن 25% من الرسائل الإلكترونية المرسلة بين البنوك والأشخاص لا تتضمن المعلومات التفصيلية الخاصة بهذه التحويلات، وساعد الظرف الاستثنائي الذي يمر به العراق في تصاعد العمليات الإرهابية بدعم من دول أخرى.
¶ البنك المركزي العراقي يحذّر
حذّر البنك المركزي العراقي، في وقتٍ سابق من الشهر الجاري، من “الوقوع في عمليات النصب والاحتيال التي يمارسها البعض عبر منصات التواصل الاجتماعي، والمتعلقة بعمليات بيع لعملة تسمى الدولار الليبي”.
وقال في بيانٍ رسمي: “يروج البعض لفكرة وجود دولارات أمريكية مملوكة للبنك المركزي الليبي، مدعين إنهم يبيعونها بأسعار أقل من أسعار الدولار الأمريكي في سوق الصرف العراقية”.
وأضاف: “لا وجود لمثل هذه العملة، وإن إجراءات التحقق من عدم وجودها قد تمت بتبادل المعلومات مع الأجهزة المعنية في داخل العراق وخارجه”.
وتابع البيان: “أي جهة أو شركة تدعي بيعها لهذه العملة من خلال الترويج عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، و إيهام الجمهور بوجود دولار أمريكي يعود إلى البنك المركزي الليبي، هي (غير مرخصة) من هذا البنك”.
¶ مصير الأموال الليبية المجمدة في الخارج ؟
منذ حصول عبدالحميد الدبيبة على ثقة مجلس النواب في مارس/آذار الفائت، وهو يجري مفاوضات مكثفة مع بعض الدول الأوروبية، لتسييل الأموال الليبية المجمدة في بنوكها منذ عام 2011.
وتأتي مساعي الدبيبة، للاستفادة منها في تحقيق التنمية المخطط لها في البلاد.
بحسب السياسي الليبي بو محمود، فإن “هناك صعوبة بالنسبة للحكومات الليبية في استرداد هذه الأموال المنهوبة إن صح التعبير”، مضيفاً “طبعاً خلال فترة المؤتمر الوطني الليبي، شكلت لجان وحاول عدد من البرلمانيين أن يكونوا مفاوضين عن الحكومة الليبية للتفاوض مع الحكومات التي تتواجد لديها هذه الأموال”.
وأردف القول: “ولكن حدث شيء غريب جداً حيث أجيز لهذه اللجان التصرف حتى شاركت في النهب وإهدار المال العام، رغم أن كل من يتمكن من إرجاع أو حصول الدولة الليبية على جزء من هذه الأموال المجمدة، تكون له نسبة 10% وهذه سابقة لم نشهدها في ليبيا من قبل”.
مؤكداً: “حتى اللحظة الأرقام غير دقيقة لدى بعض البلدان وبعضها تكتمت على الأموال الليبية المنهوبة، كما رفضت بعض البلدان الإفصاح عنها بالأساس. كما قلت الملف شائك والخاسر الأكبر هو الشعب الليبي”.
وكانت ليبيا، طالبت الأمم المتحدة بوضع آلية جديدة تسمح بإدارة مؤسسة الاستثمار للأموال الليبية المجمدة لعدم إهدارها، كما سبق وتقدمت بطلب لمجلس الأمن الدولي لتعديل قراره، الذي جمد بموجبه الأموال والأصول الليبية في الخارج ليعطي بلاده حق إدارة الأموال والأصول، دون فك التجميد عليها.
وفي أبريل/نيسان الماضي، أصدر مجلس النواب الليبي بياناً طالب فيه بالوقوف أمام سعي بعض الدول الأوروبية للتنسيق مع أطراف داخلية رفع التجميد عن الأرصدة الليبية المجمدة في الخارج.
وطالب المجلس بالوقوف أمام سعي الدول للحجز على هذه الأموال المجمدة لديها بما يخالف كل القوانين و الاتفاقيات والأعراف الدولية.
¶ معركة استرداد الأموال الليبية المجمدة
يقول المحامي الليبي حسين بو محمد: “أطاحت الثورة الليبية بنظام معمر القذافي القمعي، لكنها خلفت بعد ذلك انقسامات سياسية وكذلك توترات عسكرية، تسببت بتمزيق اقتصاد البلاد”.
ويضيف: “أدى الصراع بين الأطراف الليبية السياسية منها والعسكرية إلى تبديد مليارات الدولارات بين تلك التي نهبت والتي تم تجميدها واستفادت من فوائدها الدول الأوروبية، ولكن للأسف لم يستفد منها الليبيون رغم معاناتهم وظروفهم الصعبة”.
ويتابع القول: “وما زاد من معاناة الشعب الليبي، قرار الأمم المتحدة رقم 1970 الصادر عام 2011، بتجميد الأصول الليبية”.
وبحسب المحامي الليبي، فإن مهمة استرداد أموال ليبيا المجمدة أو المنهوبة حول العالم، هي معركة لا زال الليبيون يخوضونها مع ما تشهده البلاد حتى الآن من بعض التوتر.
إعداد: سامية لاوند