حورات خاصة

الملك محمد السادس يمد يد الصلح لطي خلافات الجزائر والمغرب و3 أسباب تمنع الجزائر من الموافقة

رغم الجيرة التاريخية والعوامل والمقومات المشتركة بينهما، إلا أن العاقلات بين الجزائر والمغرب ظلت متوترة على مدى عقود وتداخلت وتعقدت بوجود قضايا خلافية جوهرية.

لكن الملك المغربي محمد السادس وضع كل ذلك جنباً وأطلق رسائل إيجابية بدأها حين تحدث عن ضرورة فتح الحدود وطي الخلاف بعد أن اقترب إغلاق الحدود البرية بين الجزائر والمغرب من ثلاثة عقود. فمنذ عام 1994 والحدود بين البلدين مغلقة أمام جميع أنواع الحركة والمبادلات.

وتلي ذلك مبادرة مغربية تتمثل بتقديم يد العون للحكومة والجيش الجزائري في إطفاء الحرائق التي اندلعت بعدة ولايات جزائرية، لتكون بذلك المغرب قد مدت يدها للصح لجارتها الجزائر، فكيف قوبلت وما رد القيادة الجزائرية.

وللوقوف على الأمر التقت وكالة “ستيب الإخبارية” مع أنو المالك، الكاتب والحقوقي الجزائري والباحث في العلاقات الدولية، والدكتور إدريس الكنبوري، الباحث والمحلل السياسي المغربي.

معاينة مربع2 1

مبادرة لطي الخلافات بين الجزائر والمغرب

يؤكد الحقوقي الجزائري والباحث في العلاقات الدولية، أنو المالك، أن حديث الملك المغربي محمد السادس في خطاب العرش ومبادرة المغرب بمد يد العون للجزائر، هي خطوات إيجابية يجب أن تلقى الدعم والتشجيع، ولكنه يشير بذات الوقت إلى أنها جاءت بوقت غير مشجع.

ويقول: الأزمة بين الجزائر والمغرب صار فيها الكثير من الملفات الخطيرة، مثل طروحات مندوب المغرب في الأمم المتحدة بما يخص “شعب القبائل”، وقضية بيغاسوس والتي اتهمت فيها الجزائر رسمياً المغرب بالضلوع بعمليات تجسس.

ويضيف: إن الأجواء العامة بين الجزائر والمغرب غير مشجعة، وتؤشر على أنه لا يمكن أن نجد نهاية لهذه الصراعات بين البلدين، فملف الصحراء الغربية رغم أن الجزائر تؤكد أنها ليست طرفاً إلا أنها تقدم كل الدعم لجبهة البوليساريو بالوقت الذي يرى المغرب بأنها قضية وحدة ترابية.

ويوضح بأن الجزائر اليوم تدعم جبهة البوليساريو كموقف سيادي، والمغرب لديه قضايا وملفات أخرى يراها سيادية أيضاً، وتبقى هذه الملفات مرهونة بيد الأمم المتحدة لإيجاد حلول فيصلية لها.

ويتابع “المالك”: المبادرة المغربية كانت جيدة وكان من المفترض أن تقابل مهما كانت الظروف، إلا أنّ الطرف الجزائري غض الطرف كلياً ورفض مبادرة الملك المغربي كما لم يقبل مساعدة المغرب بإطفاء الحرائق.

ويشير إلى أن المبادرات المغربية وطروحات الملك محمد السادس دائماً تتكرر تجاه الجزائر، لكن الفرق بالأمر هو الجانبين النظري والعملي، فالحديث عن حسن الجوار بين الجزائر والمغرب موجود لكن مستوى الممارسة فيختلف الأمر، حيث الخلافات السياسية مستمرة، وعلى الرغم من أن المبادرة إيجابية إلا أنّ المقابل سلبي.

 

ملفات معقدة بين الجزائر والمغرب

يشدد الباحث الجزائري على أن ملف الصحراء الغربية لا يجب أن يخرج من الدائرة الأممية وأن تبقى علاقات الجزائر والمغرب ضمن المسارات السياسية والدبلوماسية.

ويقول: على الجزائر أن تقابل الأمر بطابع إيجابي مماثل من طرح للحوار وحلحلة الأمور العالقة، رغم تحذيرنا من استمرار الوضع الخطير بين الجزائر والمغرب والذي وصل إلى أنّ المغرب نظرت نظرة حرب للجزائر التي تدعم جبهة البوليساريو في الصحراء.

ويضيف: في الجزائر لا يوجد قضية اسمها القبائل، بينما هي حركة انفصالية مكونة من أشخاص ليس لديهم امتداداً يعتدّ به بالمنطقة، ومنطقة القبائل كانت على مر التاريخ جزائرية وضمن التنوع العرقي بالبلاد.

مشدداً على أن الربط بين الصحراء الغربية والقبائل هو ربط خاطئ، فالصحراء الغربية هي قضية يجري التفاوض فيها بأروقة الأمم المتحدة، بينما تصريح مندوب المغرب في الأمم المتحدة حول قضية القبائل كان مرفوضاً ولا أساس له.

ويؤكد بذات الوقت على أنه من المهم أن يكون هناك تقارب بين الجزائر والمغرب لحل الخلافات، وإيجاد قواسم مشتركة وإبعاد الخلافات عن قضية الصحراء الغربية تماماً وتركه بدائرته الأممية.

 

ما موقف القيادة الجزائرية

يوضّح أنو المالك أن الجزائر من أولى البلدان التي مرّ بها الربيع العربي إذا كان هذا المصطلح يعني الثورة على الأنظمة وتغييرها، حيث حصل ذلك عام 1988.

ويقول: حدث حراك شعبي تاريخي مرة أخرى عام 2019، إلا أنه لم ينجح بإحداث التغيير سوى أن النظام حينها غير الوجوه فقط مستغلاً الفوضى والتشرذم السياسي بالبلاد.

ويضيف: اليوم تقف هذه القيادة الجديدة عاجزة عن تلبية طلبات الشارع ومجارات التغيير الذي طالب به الشعب، لأن إحداث التغيير سيكون على حساب هذه الفئة السياسية التي جاءت للحكم مجدداً، وعلى المستوى الإقليمي لا أعتقد أن بإمكان القيادة السياسية الجزائرية تحقيق شيء، ولا يمكن للجزائر استعادة وزنها الإقليمي إلا باستقرار داخلي.

ويكشف المالك أن مشكلة النظام الجزائري أنه يعيش بعقلية “عدم الانحياز” التي كانت تروّج في القرن الماضي ولم تعد تأتي أوكلها اليوم، فالعالم اليوم تحول لأشبه بقرية صغيرة والصراعات صارت ناعمة والتدخلات لم تعد عن طريق الجيوش فقط.

ويتابع: العالم العربي مفكك بين عدة تيارات منها المعلن ومنها الخفي الذي تقوده أجهزة استخبارات كبيرة، والواقع أنه يوجد عجز من أجل عودة الاستقرار واللُحمة بين الدول العربية، وستكون هذه الدول بدون قيمة إذا بقيت متشبثة بالأفكار القديمة في ظل هذا التشتت بينها.

ويلفت “المالك” إلى أنه يتمنى أن يكون هناك تفاهمات وحلول بين الدول العربية عموماً والجزائر والمغرب خصوصاً، إلا أنه يؤكد بذات الوقت بأنه على المستوى العملي فإن الأمور أعقد بكثير خصوصاً في ظل أفكار صاعدة عنصرية داخل الجزائر للعرب وغيرهم.

ويستطرد قائلاً: للأسف ابتعدت الجزائر نتيجة لذلك عن دورها الريادي بالمنطقة، والسبب هو العصابات التي استولت على الحكم، والتي تفكر بمنطق العصابة وليس الدولة.

ويبيّن أن الجزائر ابتعدت عن الحضن العربي إلى دول غربية وأخرى أجنبية مثل إيران وغيرها، وكان يمكن لها لو أخذت دورها الإقليمي أن تلعب دوراً مهماً بمثل القضية السورية وكان يمكن أن تجد حلاً بها يحفظ للشعب السوري حريتهم وكرامتهم، وليس فقط سوريا فمثلاً ليبيا التي تعتبر دولة جوار كان يمكن أن يكون للجزائر دور أكبر فيها.

 

أطروحة الوحدة المغربية وأسباب الرفض الجزائري

يرى الدكتور إدريس الكنبوري، الباحث والمحلل السياسي المغربي أن مبادرة الملك محمد السادس للصلح بين الجزائر والمغرب وطي صفحة الماضي ليست جديدة، فهي ترتبط بتوقيت وصوله إلى الحكم عام 1999 بعد وفاة والده الملك الحسن الثاني.

ويقول: هناك معطيان أساسيان، المعطى الأول أن ملك المغرب كان قد ناقش أطروحة جامعية حول الاتحاد المغربي الافريقي في النصف الثاني من التسعينات أيام كان طالباً، وكان موضوعه هو الاتحاد المغربي ـ الليبي، الأمر الذي يعني أنه متشبع بقيم الوحدة المغاربية ولديه إلمام واسع بالموضوع وبأهمية الاتحاد المغاربي. والمعطى الثاني هو أن النزاع المغربي الجزائر وإغلاق الحدود يعود إلى عام 1994، أي قبل توليه الحكم، وهو نزاع مرتبط بمرحلة الحسن الثاني، وعندما جاء محمد السادس أراد إحداث انتقال شامل عن تلك المرحلة، بما فيها النزاع مع الجزائر، لكن هذه الأخيرة لم تفهم الرسالة في اعتقادي.

ويؤكد “الكنبوري” أن الملك المغربي سبق أن وجه عدة دعوات بفتح الحدود بين الجزائر والمغرب وتطبيع العلاقات، لكن الجزائر لم تكن تتجاوب مع تلك الدعوات. موضحاً هناك أسباب متعددة لهذه الممانعة الجزائرية.

وحول الأسباب يقول: أن النظام العسكري الحاكم لا يريد خيانة ما يسمى “وديعة بومدين”، إشارة إلى الرئيس الأسبق الهواري بومدين الذي أنشأ ومول جبهة البوليساريو الانفصالية في الصحراء، فالتطبيع مع الجزائر والمغرب بالنسبة لهذا التيار البومديني داخل المؤسسة العسكرية يعني خيانة الماضي “الثوري”.

ويضيف: السبب الثاني لممانعة الجزائر هو أن تطبيع العلاقات مع المغرب قد يعني التخلي عن دعم جبهة البوليساريو، لأنه من غير الممكن أن يكون هناك تناقض في الموقف الجزائري، بحيث يمد النظام يدا لمصالحة المغرب ويدا أخرى إلى البوليساريو لطعنه من الخلف.

ويتابع: ثالث الأسباب هو أن الجزائر لا تريد حل مشكلة الصحراء داخل الاتحاد المغاربي، بل تريده أن يبقى عنصر استنزاف لقوى المغرب وعرقلة تقدمه ومنع توسعه الترابي.

 

ملف الصحراء المغربية

لطالما شكّل ملف قضية الصحراء المغربية عائقاً بتقدم العلاقات بين الجزائر والمغرب، حيث تراه المغرب قضية سيادية وتراه الجزائر من منظور آخر تدعم من خلاله الحكم الانفصالي بالصحراء.

يقول الدكتور إدريس الكنبوري: بالنسبة للمغرب الرسمي ليست هناك علاقة بين تطبيع العلاقات مع الجزائر وطي ملف الصحراء، لأن ملف الصحراء بيد الأمم المتحدة، والمغرب سبق له أن تقدم بمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء عام 2007 كأساس للحل.

ويضيف: المقصود هو أن يكون هناك تطبيع جزائري مغربي يتبع مساراً معيناً، بينما يأخذ موضوع الصحراء مساره الخاص الأممي. أما موضوع القبائل فهو ليس في اهتمام المغرب أصلاً، ولم تتم إثارته إلا مؤخراً بسبب التعنّت الجزائري في دعم الانفصال في الصحراء المغربية، بينما هي ترفضه في منطقة القبايل بالجزائر.

 

مستقبل العلاقات بين البلدين

في القوت الذي يواصل المغرب مد يد الصلح بمناسبات متعددة لا تزال الجزائر ترى أن الوقت والأجواء المشحونة غير ملائمة لحل الخلافات وطي صفحة الصراعات.

ويقول الدكتور “الكنبوري”: لا يبدو اليوم أن هناك أفقا لحل الخلافات بين المغرب والجزائر إلا بشرط واحد وهو أن يتغير النظام الحاكم في الجزائر، وأن يحصل نوع من التطور الديمقراطي وتخلي الجيش عن التحكم في مؤسسة الجمهورية.

ويضيف: لقد تنازل المغرب كثيراً وعبر عن إرادته في ترك ملف الصحراء بعيداً عن العلاقات الثنائية، بحيث أعرب عن نيته في قبول عدم تأثر ملف النزاع بالعلاقات مع الجزائر، مهما كانت النتيجة، لأنه يعرف بأن النزاع ليس مع الجزائر بل مع جبهة البوليساريو، وإن كانت الجزائر تدعمه من الخلف.

ويشدد أن ما حصل في المغرب من تغيير كان منذ عام 1999، مع مجيء الملك محمد السادس إلى الحكم، وقتها أراد طي كل الخلافات سواء داخلية أو خارجية، وبدء صفحة جديدة مع الجزائر لأنه لم يكن مسؤولاً عن المرحلة الماضية.

ويتابع: كانت بداية التطبيع قد لاحت مؤشراتها عندما حضر الرئيس الجزائري الأسبق عبد العزيز بوتفليقة جنازة الحسن الثاني وتبادل العزاء مع الملك الجديد، وقيل وقتها إن “ديبلوماسية الجنائز” قد تفتح كوة في جدار العلاقات المتوترة بين البلدين، لكن لا شيء تغير حتى اليوم للأسف الشديد.

 

ومع وجود أوضاع سياسية مضطربة في تونس وليبيا فإن البلدين الجارين الناجيين من الأزمات الداخلية يصطدمان تاريخياً الأمر الذي يمنع تواجد قوّة عربية في المنطقة المغربية العربية يكون لها دور إقليمي ودولي يعتدّ به.

 

خلافات الجزائر والمغرب - أنور مالك - إدريس الكندوري
خلافات الجزائر والمغرب – أنور مالك – إدريس الكندوري

 

حاورهم: جهاد عبد الله

اقرأ أيضاً|| إيران تريد السيطرة على منطقة بسوريا بالقوة وروسيا تمنعها.. فما القصة

اقرأ أيضاً|| في سوريا تشكّل حزب لأول مرة بمنطقة حساسة ويحمل أفكاراً انفصالية واتهم بالدعم من إسرائيل.. وهذه قصته

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى