حورات خاصة

التقارب بين تركيا والإمارات.. أسبابه ودوافعه ونتائجه المحتملة على ملفي سوريا وليبيا بنظر الخبراء

بعد سنوات من القطيعة والتنافس الإقليمي، بدأت خطوات التقارب بين تركيا والإمارات معلنةً توجهاً جديداً لكلا البلدين وطي صفحة الماضي، وهو ما سينعكس على العديد من الملفات والقضايا.

وبحسب التقارير والمعلومات المتطابقة فإن التقارب بين تركيا والإمارات بدأ من الجانب الاقتصادي وهو الأهم متجاوزين الملفات الخلافية، وجرت اتصالات ولقاءات رفيعة بين مسؤولي البلدين أبرزها اتصال الشيخ محمد بن زايد، نائب رئيس دولة الأمارات، مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل نحو أسبوع، ثم زيارة طحنون بن زايد ولقاء مسؤولين أتراك.

وللحديث عن أبعاد هذه اللقاءات ومستوى التقارب بين تركيا والإمارات وما دفع إلى ذلك وما سينتج عنه، التقت “وكالة ستيب الإخبارية”، ابراهيم مطر خبير العلاقات الدولية، والأكاديمي والباحث السياسي التركي مهند أوغلو.

التقارب بين تركيا والإمارات
التقارب بين تركيا والإمارات

التقارب بين تركيا والإمارات

بدأ جبل الجليد بين تركيا والإمارات بالذوبان من خلال لقاءات واتصالات على مستوى قيادة البلدين، وبحث مسائل اقتصادية قد تعتبر منفذاً للولوج بالقضايا السياسية.

يقول ابراهيم مطر خبير العلاقات الدولية: إن استقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن الوطني وبعد ذلك خطابه الإيجابي عن آفاق العلاقات مع الإمارات ويعقبه تصريح المستشار الدكتور أنور قرقاش، هي مستجدات تقع ضمن سياق توافقي إقليمي عام بدأ مع المصالحة الخليجية لتبريد الخلافات وتجاوز التوترات في المنطقة، والتقارب بين تركيا والإمارات سبقه حوارات مصرية تركية وأيضاَ حوارات سعودية تركية، ولكن الدبلوماسية الإماراتية تتخذ قراراتها وتمهد الطريق لغيرها.

ويؤكد “مطر” أن التقارب بين تركيا والإمارات قائم على أرضية اقتصادية استثمارية وتجارية، فبالرغم من الفتور السياسي الذي شاب العلاقات بين أبو ظبي وأنقرة إلا أن العلاقات الاقتصادية لم تتأثر على الإطلاق.

ويضيف: العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وتركيا مبنية على المصلحة المشتركة، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 8 مليار دولار عام 2020 والإمارات هي ثاني أكبر شريك تجاري عربي لتركيا، فيما بلغ حجم استثمارات بين البلدين مؤخراً 5 مليار دولار.

وأشار إلى أن الهدف البعيد للاتصالات بين أبو ظبي وتركيا لتحسين العلاقات الاقتصادية بالمقام الأول ومحاوله تركيا دخول منتدى غاز شرق المتوسط الذي تترأسه مصر.

 

عودة تركيا للشراكة العربية مرهونة بشروط

وحول الموقف التركي الجديد من البلدان العربية ومحاولة التصالح مع عدة بلدان أبرزها الإمارات ومصر والسعودية، والسبب الحقيقي خلف الموقف التركي الجديد.

يقول إبراهيم مطر: اتخاذ تركيا لمجموعة من القرارات أبرزها التصالح مع مصر ووقف تحريضها ضد النظام المصري، وكذلك مراجعة أنقرة لمواقفها التحريضية ضد السعودية، والأهم أن التوافق الإماراتي التركي تسارع بعد أن تخلت تركيا عن دعمها السياسي والإعلامي والتنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين.

ويضيف: هذا التراجع والمراجعة التركية هي التي مهدت الطريق لزيارة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، وهي التي تمهد أيضاً الطريق للقاء مهم بين الشيخ محمد بن زايد والرئيس أردوغان لتتويج التفاهمات بين أبو ظبي وأنقرة.

ويرى خبير العلاقات الدولية، أن التقارب بين تركيا والإمارات هي مصالحة اقتصادية بالمقام الأول مبنية علي تفاهم سياسي وخضوع أنقره لسياسة احترام عدم التدخل في شئون داخلية تخص الدول العربية.

ويوضّح “مطر” بأن العملية التفاوضية بين الإمارات وتركيا، بدعم من مصر والسعودية، مرهونة بعدد من التغيرات في الموقف التركي.

ويتابع: أولها توقف أنقرة التام عن دعم الفاعليين من غير الدول في المنطقة، وثانياً وقف دعم المرتزقة في ليبيا والتي تهدد به الأمن القومي العربي، وثالثاً عدم التدخل في اليمن وتخفيض عدد الجنود أو سحب قواعدها العسكرية من الخليج بصورة عامة.

 

حقبة دولية جديدة

يرى خبراء أن العديد من الجهات عملت على تأجيج الصراع بين أنقرة وأبو ظبي، غير أن المصالح الاقتصادية دفعت البلدين إلى تجاهل الخلافات.

ويقول الأكاديمي والباحث السياسي التركي مهند أوغلو حول ذلك: تحريك المياه الراكدة بين الجانبين يأتي ضمن بدء حقبة دولية جديدة تتضمن هذه الحقبة متغيرات إقليمية مهمة، تدفع الأطراف التي تتنافس بحكم دورها وقوتها على أكثر من ملف ان تتجه إلى توسيع دائرة المنافع المشتركة وترك بعض النقاط الخلافية لمناقشتها لاحقاً إذا ما وجدت الثقة للمضي نحو علاقات أكثر وضوحاً واستقراراً.

ويضيف: ليس هناك خلافات عميقة لا يمكن حلها في العلاقات الدولية ولكن توجد ملفات أكثر أهمية لكلا الطرفين من خلال المصلحة المستقبلية والقومية لكل جانب، وعلى رأس هذه الخلافات الملف الليبي الذي فيه بدأ كل طرف دعم طرف، حيث تركيا دعمت حكومة الوفاق، والإمارات دعمت حفتر، وهذا الملف لأهميته الاقتصادية والأمنية والعسكرية والسياسية كان له ذلك السبب في اتساع الشرخ بين الجانبين.

وعلى الرغم من ذلك يرى “أوغلو” أن هذه التحركات ربما مبدئياً هي مرحلية آنية وليست استراتيجية بالرغم من العلاقات الاقتصادية الجيدة بين الطرفين ولكن سنوات خلاف تحتاج إلى جهد وإلى تثبت في صدق النوايا.

 

علاقات استراتيجية قادمة

يشرح الخبير التركي أن “السياسة فن لا يوجد فيه مستحيل”، موضحاً التغيير بالمواقف من كلا البلدين بعد سنوات الخصام.

ويقول: ليس عيباً أن تعيد ترتيب أي دولة أوراقها داخلياً وخارجياً مادام الهدف الحفاظ والمزيد من المصالح التي تعود على البلد. ومن هذا المنطلق نرى أن الحكومة التركية تسعى جاهدة لتحقيق الأفضل حسب الظروف والسياقات الإقليمية والدولية.

ويوضّح بأن الملف الاقتصادي بين البلدين يعتبر عنصراً هاماً لكن أي حجم تجاري بين أي دولتين لا يمكن أن يخرج هذه الدولة أو تلك من أزمة اقتصادية سيما أن مشكلة الاقتصاد التركي ليست منحصرة فيها وليس كل أسبابها سياسية.

ويضيف: أدلّ على ذلك من اهتزاز اقتصادات أغلب الدول بسبب كورونا بشكل عام ولوجود تحركات عسكرية في عدة ملفات وغيرها الكثير.

ويتجه “أوغلو” للتأني بالحكم على العلاقات الجديدة حيث يرى أن كلا البلدين في إقليم جيوسياسي واحد ولكنه يعتبر أنه ليس صحيحاً الحكم من الآن على اعتبار أن بدء ذوبان الجليد سوف يكون خلفه علاقات استراتيجية.

ويؤكد بذات الوقت أن ” وجود دولتين إقليميتين متنافستين على ملفات محددة يجعل التقارب بينهما ينعكس إيجاباً على تلك الملفات ويبدو أن الملف الليبي ومن ثم السوري سيكون لهما ذلك التأثير إذا ما استقرت العلاقات الثنائية بينهما”.

وكما خلص الخبيران “مطر” و”أوغلو” بأن التقارب بين تركيا والإمارات هو تمهيد لعودة علاقات تركيا مع العالم العربي حيث اتجهت الإمارات دوماً لتكون سبّاقة في طرح الحلول السياسية لها ولأشقائها العرب، بينما تتخذ تركيا خطوات إيجابية واسعة تجاه مصر والسعودية أيضاً، وهو الأمر الذي لا بد أن يعود بالمنفعة الاقتصادية على الجميع من جهة وتقريب المسافات في قضايا إقليمية كانت خلافية بينها ليبيا وسوريا وغيرها.

التقارب بين تركيا والإمارات
التقارب بين تركيا والإمارات

حاورهم: جهاد عبد الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى