مقال رأي

مؤشرات خطيرة للإطاحة بـ قسد.. هل سلّمت واشنطن رأس “قسد” للنظام السوري؟

مؤشرات خطيرة للإطاحة بـ قسد

قالت وزارة الدفاع الأمريكيّة “البنتاغون”، الإثنين الماضي، إنَّ القوات الأمريكيّة الموجودة في سوريا لم تعد مسؤولة عن حماية النفط في سوريا، واعتبر المراقبون هذه الخطوة بمثابة التخلي المبدئي عن قوات سوريا الديمقراطية “قسد“، التي تقاتل ضد تنظيم داعش في شرق الفرات منذ 2015.

مؤشرات خطيرة للإطاحة بـ قسد.. هل سلّمت واشنطن رأس "قسد" للنظام السوري؟
مؤشرات خطيرة للإطاحة بـ قسد.. هل سلّمت واشنطن رأس “قسد” للنظام السوري؟

وبحسب المتحدّث باسم وزارة الدفاع، جون كيربي، فإن “موظفي وزارة الدفاع ومقاوليها من الباطن، ليس مخولاً إليهم مد يد المساعدة إلى شركة خاصة تسعى لاستغلال الموارد النفطية في سوريا، ولا إلى موظفي هذه الشركة أو وكلائها”، مُضيفاً أن “مهمة القوات الأمريكيّة في سوريا هي محاربة داعش والقضاء على خلاياه النائمة، وأن عدد القوات الأمريكيّة في سوريا حالياً نحو 900 عسكري”.

رأس قسد مقابل صواريخ S400

يبدو أن أنقرة تحاول فتح الدفاتر القديمة مع واشنطن، وتذكير الرئيس الجديد، جو بايدن، بأنه هو وباراك أوباما كانا وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز/ يوليو 2016، وهو تذكيرٌ وَضَعَ واشنطن مجدّداً في موقف دفاعي محرج أمام حليفتها في الناتو.

ويعتقد المراقبون أن تنظيم (فتح الله غولن) وقسد يشربان من نفس النبع، بالتالي أعادت أنقرة ترتيب أوراقها من جديد من خلال زج أنصار (غولن) والقيادات المؤيدة لمنظومة العمال الكردستاني في تركيا بالسجون، وبالتالي قطعت الخيط الرفيع فيما بينهم، ومن هنا بدأت أنقرة توجّه رسائل متتالية إلى الإدارة الجديدة في البيت الأبيض، مفادها “إن تخليتم عن رأس قسد يمكننا التخلي عن تفعيل صواريخ S400″، ويبدو أن واشنطن أعجبتها الفكرة، فجاءت فكرة التخلي عن حماية النفط السورية كمؤشر إيجابي على الرسالة التركية، ولا شك أن قسد وقبل الإقدام على هذه الخطوة ومحاولة إنقاذ نفسها، اختبرت ردّة فعل واشنطن في الحسكة والقامشلي بعد محاصرة المربعين الأمنيين فتبين لها بأنهم متفقون مع الروس على الخطوط العريضة، وبالتالي فكرة التخلي عن قسد وتسليم رأسها إلى النظام، باتت أكثر واقعية وواردة في هذه المرحلة.

قسد تستبق الأحداث

يبدو أن قسد أدركت حجم المؤامرة عليها، واستبقت الغدر الأمريكي لها فأرسلت على الفور الوفد الذي ضم، إلهام أحمد ومحمد العمر مسؤول ملف النفط والاقتصاد في قسد إلى دمشق وحميميم للتفاهم معهما حول الخطوط العريضة فيما بينهم، واستمرت اللقاءات لمدّة أربعة أيام برعاية روسية بعد أن وصفتها مصادر موالية للنظام “بالإيجابية”.

من المرجح أن موسكو بالتفاهم مع واشنطن مهدت للقاء بين النظام وقسد، فما كان وصف المدعو، الدار خليل، بيشمركة روج ئافا بــ”المرتزقة” إلا تمهيداً للقاء مع النظام السوري وإعادة المياه إلى مجاريها، واعتبار الاتفاق مع المجلس الوطني الكردي “خيانة لدماء الشهداء”. في باطن هذه الرسائل خدمة لطهران، والرّد على التخاذل الأمريكي معها في شرق الفرات.

كما بات واضحاً أن هذه التصريحات، جاءت تمهيدية للاتفاق مع النظام، ونسف ما تمَّ التفاهم عليه سابقاً مع المجلس الوطني الكردي، وضرب الجهود الأمريكية حول وحدة الصف بعرض الحائط، كل ذلك منح قسد قوة دفع إضافية للانجرار نحو حلبة النظام حتى يتمكن من دفنهم في البادية السورية مستقبلاً.

وبحسب تسريبات من اللقاءات التي جرت في حميميم ودمشق، تمكنت الأخيرة من انتزاع بعض الأوراق من قسد وضربت هيبتها ومصداقيتها في المنطقة، ولإجبارها من خلال التفاهمات الأولية على رفع علم النظام فوق الدوائر والمؤسسات الرسمية الحكومية في شرق الفرات ومنبج، وإعادة موظفي النظام إلى الدوائر الحكومية السابقة.

قسد تحاول استفزاز واشنطن من خلال هرولتها نحو دمشق كلما ضاقت بها السبل، لكن يبدو أن واشنطن غير مستعدة للتضحية بعلاقتها مع أنقرة مقابل تنظيم يقوده عناصر العمال الكردستاني، المصنّف ضمن قائمة الإرهاب في أوروبا وأمريكا وكندا وحتى مع موسكو في نفس الإطار.

الخلاصة: جميع المؤشرات تقول إن قسد باتت تعيش مرحلتها الأخيرة نتيجة الارتباك الذي تعيشه قيادتها والتخبط في التصريحات، وما هرولتها نحو دمشق إلا تأكيد لما نقوله، فإدارة بايدن تتجه للتهدئة مع طهران، ومحاولة عقد صفقة جديدة حول ملفها النووي وبشروط جديدة وهذا هو المرجح، ومن جهةٍ أخرى يبدو أن الرياض هي الأخرى منزعجة من تخبطات إدارة بايدن بعد إخراج جماعة الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية وقطع الدعم العسكري عن السعودية والإمارات، وهذا يؤكد لنا بأن نهج إدارة بايدن سيكون مختلفاً عن ترامب، وبالتالي تاريخ الديمقراطيين في الشرق الأوسط (تاريخ أسود) لا يحمل في طياته أي قيم أخلاقية وإنسانية حول تعاملها مع قضايا الشعوب وحقوقهم العادلة.

بالمحصلة، الاعتقاد السائد حالياً هو أن كوادر حزب العمال الكردستاني بالتنسيق مع طهران، باعوا قسد إلى النظام السوري بعد انتهاء مهمتها في سوريا، مستغلين موقف واشنطن المتردد والضعيف حيال الوضع في سوريا، بالتالي من المرجح أن ما يتمّ تداوله حول المفاوضات الكردية أصبح من الماضي وعلى الكرد في سوريا أن يكونوا يقظين من المؤامرات التي تحاك ضدهم على يد جماعة قنديل، وبالتالي قسد باتت تلفظ أنفاسها الأخيرة، إن لم تتدخل واشنطن لإنقاذها في الوقت بدل الضائع فإنها ستغرق في المستنقع، وواضح أن كوادر (قنديل) قد فشلوا في الانقلاب على المجلس الوطني الكردي وإعادته من جنيف إلى القامشلي، بالتالي نحن أمام مرحلة مصيرية حرجة للكرد في سوريا وجميع المؤشرات تقول إن واشنطن قد غدرت بقسد وباعت رأسها إلى الروس ومن ثم النظام، وكذلك الانتشار الأخير للقوات الأمريكية في شرق الفرات والصمت حيال اشتباكات عين عيسى ما هو إلا دليل آخر على صحة ما أقوله.

علي تمي: كاتب وسياسي

ملاحظة: (ما جاء في المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى