حورات خاصة

ما السّر وراء ارتباط اسم المغرب بـ”السحر والشعوذة” وما حقيقة نفي النبي سليمان الجنّ إليها

ارتباط اسم المغرب العربي بـ “السحر والشعوذة” لطالما كان محطّ جدلٍ ومُثار تساؤلاتٍ لا عدّ ولا حصر لها، ليس بدءاً بحقيقة هذا الارتباط والسرّ الكامن وراءه وليس انتهاءً بزعم أنّها “منفى الجن” منذ عصر النبي سليمان (عليه السلام) وبأنّها تحتضن “محكمة الجن الكبرى”، فهل التعامل مع هذه الظاهرة والقضاء عليها بمتناول السلطات في البلاد؟ أمّ أنّ القضية أعمق من ذلك بكثير وجذورها ضاربةٌ بتاريخ المغرب؟.

فإذا ما أردنا تسليط الضوء على “السحر”: فهو موروثٌ شعبي متعارفٌ عليه في كثيرٍ من المجتمعات المتخلّفة التي لا يوجد فيها متسعٌ كافٍ للمحاكمات العقلية والمنطق والتفكير بطريقةٍ علمية تستند على التجربة والبرهان وإنّما تلقي بكلّ الظواهر التي لا تستطيع تفسيرها منطقياً بين كفي قوىً غيبية لا منفذ أسرع وأسهل من الولوج إلى عوالهما الغيبية أكثر من “السحر”.

أن تكون ساحراً هذا ليس بالأمر اليسير، فوفقاً لمطّلعين قد يكلّفك ذلك الكثير وقد تفقد حياتك أو تصاب بالجنون حتّى آخر يومٍ في عمرك، والسحرة على ما يبدو مقاماتٌ ورتب، ففي المغرب تختلف المسميّات التي تطلق على السحرة والمشعوذين، حيث يطلق على كبار السحرة في المغرب اسم “فقها” وهم المختصون في “السحر الأسود”، فيما يطلق على آخرين اسم “الحكماء” وغالبيتهم من الطائفة اليهودية.

 وللإجابة عن التساؤلات السابقة حاور فريق وكالة “ستيب” الإخبارية، الأستاذة المغربية هند الركيبي (دكتوراه في الآداب العامة والنقد المقارن).

ما السّر وراء ارتباط اسم المغرب بالسحر والشعوذة؟

وتقول الأستاذة هند الركيبي: “بالفعل إنّ الاسمين يرتبطان معاً باعتبار أنّ المغرب  من أشهر دول العالم من حيث انتشار “ظاهرة السحر” لدرجة أنّ هناك سياحة خاصة تعتمد على هذا النوع من الأعمال، ومعروف أيضاً بأنّ المغرب فيها عدد كبير من  السحرة الذين يحجّون تجاه المملكة من مختلف أنحاء العالم، فمنهم الأفارقة والخليجيين واليونانيين والإسبان واليهود، بهدف ممارسة السحر في المغرب”.

وتضيف الأستاذة المغربية: “ونضع بالاعتبار الأسطورة التي تقول بأنّ النبي سليمان (عليه السلام) كان قد أمر بنفي الجن إلى المغرب، وهذا ما يفسّر وجود هذا العدد الكبير من القبور والأضرحة التي يُزعم أنّها تعود لهم، وكذلك الاعتقاد السائد بأنّ فيها العدد الكبير من خُدّام السحر الذين يساعدون على هذه الأعمال، ما يجعل من المغرب وجهةً أساسية لكل من يريد أن يحترف ممارسة السحر أو التخلص من آثاره، حيث توجد مناطق معروفة ومتشربة بهذه الثقافة ومنها: (دار البيضاء، ومراكش)، وغيرها من المناطق المغربية.

ما الذي قد يدفع الشخص للجوء إلى هذا الخيار؟

وفيما يتعلّق بلجوء البعض إلى هذا الخيار (السحر) تشير أ. هند إلى “وجود دوافع نفسية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بلجوء بعض الفئات لهذا الخيار لافتةً إلى أنّ هناك خلطاً في الدول العربية وبعض دول العالم ما بين المرض النفسي والمرض الروحاني، فيما الغالبية يلجؤون إلى الحلول الأرخص ثمناً، فاللجوء إلى الطب النفسي يعني دفع مبالغ مالية قد تكون مرتفعة في معظم الأحيان، كما أنّ لتفشّي الفقر والجهل والبطالة  أثرٌ كبير في تعاطي شريحةٍ واسعةٍ مع ممارسات من قبيل السحر والشعوذة”.

هل النساء أكثر إقبالاً على السحر أم الرجال؟

ولطالما أُثيرت العديد من الأقاويل حول أنّ النساء هنّ الفئة الأكثر إقبالاً على السحر، إلا أنّ أ. هند نفت هذا الأمر مستشهدةً بعدد من الدراسات والإحصائيات التي تؤكد على أنّ النسب المتعلّقة بالجنسين متقاربة إلى حدّ كبير، مضيفةً أنّ الأمر ينطبق على الأجانب كذلك وليس فقط قاصدي المغرب من العرب لهذا الغرض، حتّى أنّ نسبة الرجال الأجانب تتفوق على نظيرتها من النساء.

وفي السياق، كشف المركز الأمريكي “بيو” للأبحاث في إحدى التقارير الصادرة عنه أنّ “ما يعادل 86% من المغاربة مقتنعون بـ”وجود الجن” مقابل 78% يؤمنون بـ”السحر” و80% متأكدون من حقيقة “شر العين”، في حين لا تتجاوز النسبة 7% ممن أقروا بارتداء “تعويذات” و16% من مستعملي “وسائل أخرى لطرد شر العين ومفعولات السحر”.

هل هي ظاهرة محصورة بطبقة معينة أم جزء من الثقافة المغربية؟

ويتساءل البعض عمّا إذا كانت ظاهرة “السحر” محصورةً بطبقةٍ معيّنة أم أنّها جزء من الثقافة الشعبية، إذ تؤكد أ. هند أنّها جزء من الثقافة الشعبية للمجتمع المغربي، لأنّ انتشار هذه الظاهرة فيه بهذا الشكل من وجهة نظر باحثي علم الاجتماع يعكس سيادة الثقافة التقليدية اللاعقلانية التي تفسّر الأشياء وتربطها بما هو غيبي، فعلى الرّغم من أنّ المغرب معروف عالمياً بارتفاع مؤشرات التديّن فيه، إلا أنّ هذه الممارسات والعادات القديمة ما زالت سائدةً بالمجتمع المغربي وتعكس بشكلٍ أو بآخر غلبة نسبة الفقر والجهل فيه، مع أنّ المحسوبين على الطبقة المثقّفة أو الغنية يلجؤون كذلك إلى السحر والشعوذة”.

وتعزو الأستاذة المغربية سبب انتشار هذه الثقافة إلى “الفكر اللاعقلاني السائد الذي يحوّل ما هو “نفسي” إلى ما هو “روحاني” مشيرةً إلى أنّ إحدى معارفها والتي تتمتع بمكانةٍ مرموقة وبنسبة ثقافةٍ عالية أسرّت لها أنّها يستحيل عليها أن ترمي بالماء الساخن في أي مجرور دون أن تنطق بالبسملة أولاً”.

عقوبة السحر في القانون المغربي والتعامل الحكومي مع القضية

بالنسبة للتعامل الحكومي تشدد الأستاذة المغربية على أنّ القانون يُجرّم ممارسة السحر والشعوذة، فمن يُضبط بهذا الجرم يحكم عليه لكن في معظم الأحيان يتمّ التغاضي عنهم، إلا في حال كان هناك شكايات وأذية، حتّى أنّ السلطات في البلاد وفي أكثر من مناسبة شنّت حملات ضدّ الأماكن المشبوهة والمتعارف بشيوع السحرة والمشعوذين فيها، بهدف التضييق على المروجين لها”.

لكنها في نفس الوقت أشارت إلى أنّ “بعض هؤلاء (السحرة) لهم صلات جيدة بمسؤولين رفيعي المستوى ما يبقي العين مغمضةً عنهم بعض الشيء بما يجعلهم في مأمن من أي محاسبة، كما أنّ الملاحقات بعيدة نوعاً ما عن السحرة المتواجدين في “أماكن الأضرحة” و”الزوايا” النائية ممن يتخذون من هذا العمل سبيلاً للعيش، خاصةً في حال لم يصدر عنهم أي أذية مباشرة تجاه المواطنين أو السوّاح”.

يُشار إلى أنّ الفصل 609 من القانون الجنائي المغربي ينصُّ في فقرته 35 على أن من احترف التكهن والتنبؤ بالغيب أو تفسير الأحلام يعاقب بغرامة تتراوح بين 10 و 120 درهما و يعتبر هذا الفعل مخالفة من الدرجة الثالثة. وينص الفصل 726 من قانون الالتزامات و العقود على بطلان كل اتفاق يكون موضوعه تعليم أو أداء أعمال السحر و الشعوذة أو القيام بأعمال مخالفة للقانون أو الأخلاق الحميدة أو النظام العام.

العائدات من السحر والشعوذة

وفي المقابل، تكثر الأحاديث حول أنّ هذه الظاهرة تؤمّن للمغرب رافداً مالياً كبيراً جرّاء ما يعرف بـ “السياحة الروحانية” وعليه سلّطنا الضوء على هذه المسألة، حيث تؤكد أ. هند أنّه لا يوجد “عائدات مباشرة” كونه لا ضريبةً حكومية مفروضة على المشعوذين أو السحرة، امّا الشكل “غير المباشر” فيتمثل باستقطاب السياح الذين في المقابل غالباً لا يفصحون عن السبب الحقيقي وراء مجيئهم حيث يكون السبب المعلن هو السياحة والتمتع بمناظر المغرب الخلابة.

وتشير إلى أنّه لا توجد حتى الآن إحصائيات رسمية أو تقديرية حول أعداد السحرة والمشعوذين، حيث أنّ أغلبية من يؤمنون بهذه المعطيات ويتعاملون بها لا يفصحون عن طبيعة أعمالهم وممارساتهم خوفاً من المساءلة والتضييق عليهم، لافتةً إلى أنّ النسبة الأكبر منهم تتوزع في المدن الصغيرة والأرياف النائية.

أستاذ جامعي يبتز المغربيات لممارسة “الدعارة” .. وآخر بتركيا يشتري “جاكوزي” بأموال الجامعة والتحقيقات تكشفهما

حقيقة الروايات التي نسجت حول مغارة النبي دانيال

وتختم أ. هناء حديثها بالإشارة إلى أنّها ككثيرٍ من المغاربة لم تزر هذه المغارة شخصياً أو تعاينها لكّنها تسمع الكثير مما نسج حولها من روايات مختلفة، فيما يسمى بـ”محكمة الجن الكبرى” التي تمّ إغلاقها من قبل وزير الصحة المغربي، لافتةً إلى أنّها تعتبر محجّاً للكثيرين بغرض تعلّم السحر والشعوذة، حيث كان يؤمها الآلاف من مختلف بقاع العالم بهدف فكّ طلاسمها في حال كانوا علماء اجتماعيين أو من أجل تعلّم السحر أو حتّى التبرك بها، منوّهةً إلى أنّ الفضول لم يحذوها يوماً لتقفّي المعلومات عنها، إلا أنّ هذه المغارة تعدّ مُثار جدلٍ كبيرٍ حتى يومنا هذا، إليك أبرز المعلومات المتداولة حولها:

معلومات متداولة عن المغارة:

شغف البعض بكشف خفايا عوالم السحر والشعوذة قد يحذو بهم امتشاق عُباب المغامرة لاكتشافها، ولا مكان أكثر من (مغارة النبي دانيال) يحظى بهالةٍ كبيرةٍ من الغموض، حيث تُشاع الكثير من الروايات والأحاديث عن أنّها بمثابة مدرسةٍ لتعليم السحر، إذ ينشر السحرة أقاويل حول وجود (صخرة عظيمة) تسد باب المغارة التي تفتح بابها كل سنة سحرية (والتي تبلغ تسعة شهور) لمدة يومٍ كامل، حيث يقدم لها الراغبون في تعلم السحر.

ووفقاً للروايات فإنّ صخور مغارة دانيال تحتوي على أحجارٍ عظيمةٍ تضم طلاسم سحرية، ويبقى الطالب (الساحر) في المغارة تسعة شهورٍ يتعلم السحر و تسخير الجان، ويختم سنته إمّا بتسخير جان كي يخدمه ويخرج ساحراً، وإما أن يخرج ميّتاً أو مجنوناً.

حاورت الضيفة: سلام سلطان

ما السّر وراء ارتباط اسم المغرب بـ"السحر والشعوذة" وما حقيقة نفي النبي سليمان الجنّ إليها
ما السّر وراء ارتباط اسم المغرب بـ”السحر والشعوذة” وما حقيقة نفي النبي سليمان الجنّ إليها

أسباب خسارة حزب العدالة والتنمية في المغرب بعد حكم 10 سنوات وسقوط آخر قلاع الإسلام السياسي عربياً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى