مقال رأي

هل باتت دويلة شرق الفرات أمراً واقعاً على الأرض؟

هل باتت دويلة شرق الفرات أمراً واقعاً على الأرض؟

خديعة داعش

منذ عبور واشنطن إلى داخل الأراضي السورية في عام 2014، وتحديداً من كوباني وتحت سقف التحالف الدولي لمحاربة تنظيم ما بات يُعرف بـ(داعش) ، تحاول واشنطن تثبيت أقدامها على الأرض متذرعةً بالعمل على عدم عودة داعش إلى المناطق التي حررتها بالاشتراك مع قوات سوريا الديمقراطية، لا سيما بعد أن أحدث هذا التنظيم المتوحش خللاً وحالة فوضى داخل المجتمع السوري، ونتيجة هذه التحولات تركت خلفها آثاراً سلبية وضربت البنية التحتية داخل المجتمع والكثيرون كانوا يعتقدون بأن ماحدث داخل المجتمعات من حالات الانتقام والتهجير المبرمج وضرب بنية العشائرية وتفكيكها كانت نتيجة طبيعية ومن مخلفات الحرب على داعش لكن منذ الإعلان عن الانتصار على هذا التنظيم في 2017 ومن ريف ديرالزور، تبين للجميع اليوم وبعد أربعة سنوات بأن ماحدث كان مخططاً له بشكل مدرس ورفع الستار عنه اليوم هدفه الأول والأخير هو الوصول إلى ما وصلنا إليه اليوم ألا وهو إبقاء نظام ضعيف يحكم دمشق مقابل أن يتنازل عن منطقة معروفة اليوم باسم شرق الفرات، والتي تقدر مساحتها بـ(33 ألف كيلومتر مربع ) لصالح القوى العظمى، وبحسب الاعتقاد الغربي فإن ذلك أفضل بكثير من وصول معارضة منظمة وقوية تكتسب شرعيتها من الشارع وبالتالي لتهدد أبواب تل أبيب انطلاقاً من الجبهة الجنوبية لسوريا وترفض تمرير أجندات الدولية على الأراضي السورية.

شرق الفرات
هل باتت دويلة شرق الفرات أمراً واقعاً على الأرض؟

دخول موسكو على الخط

تاريخياً موسكو كانت دائماً سباقة في فضح الاتفاقيات الغربية التي تستهدف دول الشرق الأوسط بدءاً من اتفاقية (سايكس بيكو)، وانتهاءً بتواجد القوى الأجنبية على الأراضي السورية بعد 2014. يبدو أن موسكو شعرت بما شعر به السوريين، فالغرب اليوم سيستغلون منظومة داعش لتمرير أجندات “انفصالية” على الأراضي السورية، فالتنقلات السكانية التي أحدثوها داخل سوريا هو المكمل ويخدم المشروع ذاته، فنقل أهالي عفرين إلى الرقة بعد التدخل العسكري التركي ونقل أهالي حمص وريف دمشق إلى عفرين، تبين اليوم أن هذه التحولات في البنية السكانية للمجتمع السوري هدفه الفرز حسب القومية والمذهب لتكمل الصورة والمشهد للمشاريع المستقبلية على الأراضي السورية.

موسكو ومنذ 2016، شعرت بأن الغرب خلطوا الأوراق داخل سوريا من خلال إيجاد قوة عسكرية منظمة (قسد) لابتزاز الأتراك وإرغامها على التنازلات في مجالات عدة منها تفكيك الجغرافية السورية وإضعافها في المنطقة حتى تنفرد تل أبيب في قيادة المنطقة، ولا يخفى على أحد بأن موسكو تمسكت بالنظام السوري داخل الأروقة الدولية وحمت شرعيته رغبةً منها بالحفاظ على وحدة الأراضي السورية للمحافظة على موطئ قدم لها على المياه الدافئة و لمواجهة زحف الناتو نحو جنوب شرق آسيا، طهران بدورها ترى بأن ما يحضر في سوريا ستكون هي الوجبة التالية فخلقوا لها الملف النووي وفرضوا العقوبات عليها لإرغامها على قبول التواجد العسكري الغربي داخل الأراضي السورية، بينما أنقرة هي الأخرى رغم متانة علاقاتها الإستراتيجية مع واشنطن تعتقد اليوم بأنها خُدعتْ من قبل إدارة ( أوباما) في 2014 ويطلبون منها اليوم شرعنة هذه الخديعة لصالح المشروع الغربي في سوريا؛ فالليرة التركية تدفع اليوم ثمن عدم قبول المشروع الغربي داخل الأراضي السورية، أما موسكو فخلقوا لها أزمة أوكرانيا وأرمينيا ومشاكل قوقاز حتى تقرّ بالهزيمة في سوريا وتغض النظر عن ما يتم التخطيط له على الملأ وأمام أنظار الجميع، بينما لبنان والعراق أوجدوا لهما مشاكل داخلية اقتصادية لإشغالهما بها حتى تشرعن المخطط.

الخلاصة: واشنطن تحضّر اليوم طبخة وعلى نار هادئة، بالتنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل القوات الكردية نحو نصفها وتسيطر على ثلث مساحة سوريا الواقعة في مناطق شمال سوريا وشرق نهر الفرات بعد استعادتها من قبضة تنظيم “داعش”.

هذه القوة المدعومة من واشنطن تسيطر اليوم على نحو 90 في المئة من الثروة النفطية السورية بالإضافة إلى 45 في المئة من إنتاج الغاز، يبلغ مجموع الاحتياطي النفطي المؤكد في سوريا نحو ملياري برميل وهو ما يمثل أقل من (0.18%) من الاحتياطي العالمي. فضلاً عن غنى هذه المنطقة بالثروة المائية والحيوانية والتربة الخصبة التي تصلح لمشاريع الزراعية وذلك لتأمين الاكتفاء الذاتي لسكان هذه المنطقة حتى تعتمد على نفسها في حال نجحت بالانفصال عن الوطن الأم.

بالمحصلة، النظام السوري يتحمل اليوم حصة الأسد من المسؤلية والذي كان يقع على عاتقه حماية الوطن السوري من التفكك، فتنازله عن شرق الفرات مقابل البقاء في الحكم والإطاحة بالمعارضة هو أمر لا يحبذه السوريين، وكان يمكن إيجاد حلول توافقية مع المعارضة لتجنب انزلاق البلاد عن الفوضى والتفكك؛ منطقة شرق الفرات تعيش اليوم حالة دويلة داخل دولة، لها مؤسساتها وبرامجها واقتصادها وجيشها وحكومتها ووزرائها وحدودها ومعابرها، وبالتالي هذا الأمر الواقع الذي أوجده الأمريكان وأدخلوا معها الجميع في حالة الفوضى والصراعات ( داخلية وخارجية )، وإشغال الجميع بمشاكلهم ريثما يتم تمرير هذا المشروع وعلى نار هادئة لتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، والخوف الأكبر الذي يخشى منه السوريين اليوم هو أن تكون موسكو هي الأخرى و (بكامل قواها العقلية والجسدية) متورطة بهذا المشروع خدمةً لتل أبيب مقابل المساعدة في تمرير مصالح لها في أوروبا ومنطقة قوقاز، ويبدوا الجميع متفقين على إضعاف تركيا والجغرافية السورية تحاكي الواقع وطفت على السطح جميع المؤامرات التي تحاك ضد السوريين، ولم يخطئ رئيس وزراء التركي الأسبق نجم الدين اربكان، عندما قال: “عندما رأيتم بأن حيتان يتصارعون داخل الجغرافية السورية فاعلموا أن تركيا هي المستهدفة”.

وبالمحصلة هذا المشروع أخذ طريقه نحو التطبيق ليصبح أمر واقع جديد في المنطقة على شاكلة دويلة حديثة العهد داخل سوريا، وفي حال لم تكن موسكو متورطة في هذا المخطط وإن عارضت هذا المشروع فسيتم الإطاحة بدويلة شرق الفرات بين ليلة وضحاها وعلى طريقة جمهورية مهاباد وقائدها قاضي محمد (1946 ) في إيران، وعندها التاريخ سيعيد نفسه من جديد.

الكاتب السياسي والمتحدث باسم تيار المستقبل الكردي في سوريا: علي تمي 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى