تاريخ

كان طقساً دينياً لدى الفراعنة ومنعه محمد علي باشا.. كيف بدأ “الرقص الشرقي”

 

لم يكن الرقص الشرقي قد تبلور بعد بالشكل الذي نعرفه اليوم إلا في القرن الـ19 أولاً من خلال الهولندية ماتا هاري، التي أُعدمت لاحقاً، لكن عدة مراجع تاريخية تُشير إلى أنها أول من أدخلت “رقص البطن” أو ما يُعرف اليوم بـِ”الرقص الشرقي”، مستندةً إلى طقوس العبادة الهندوسية.

 

الرقص الشرقي

كانت ماتا هاري مرتبطة بعسكري هولندي سافرت برفقته إلى إندونيسيا التي كانت من ضمن مستعمرات هولندا في ذلك الوقت، حيث تعرفت على كيفية ممارسة الهندوس لعبادتهم للإله شيفا عن طريق ما يُعرف بـ”الرقص المقدس”، وهو عبارة عن حركات راقصة، ولكلّ حركة تقوم بها الراقصة الهندوسية معنى معيّن.

وبالعودة إلى الجداريات المنقوشة على المعابد الهندوسية، يمكن ملاحظة أن لباس الرقص الشرقي- كما هو معروف اليوم- يشبه إلى حدٍّ كبير، لباس النساء الهندوسيات.

الرقص الشرقي لدى الفراعنة

وفي موسوعته الشهيرة “قصّة الحضارة”، كتب المؤرّخ الأمريكي بول ديورانت أنه “في الوقت الذي كانت فيه طقوس العبادة في الحضارة اليونانية عبارة عن ابتهال وتضرّع وبكاء، كانت طقوس العبادة في مصر القديمة عبارة عن رقص وحركات جسدية للتقرّب من الإله”.

يقرّ غالبية الباحثين والمهتمين بتوثيق أول ظهور وممارسة للرقص بصعوبة ذلك، لأن الرقص لم يترك محسوسات مادية، باستثناء رسومات الكهوف. ومن هنا، نلاحظ صعوبة تأريخ الرقص وتحديد زمن دقيق ومُحدّد انطلق فيه.

اقرأ أيضاً:

المتحرش تأكله التماسيح.. باحث مصري يكشف حقائق غريبة عن قوانين الفراعنة

لكن بعض المصادر تُشير إلى أنّ أول ظهور للرقص عند الإنسان كان من خلال الرسومات التي اكتُشفت داخل “ملاجئ بيمبتكا” الصخرية في الهند، والتي تُشير إلى أن تاريخ الرقص يعود إلى ما يزيد على 10 آلاف عام (ق.م).

الظهور الثاني لآثار الرقص عند الإنسان يعود إلى 3300 سنة ق.م، حيث وُجدت رسومات في قبور الفراعنة تُشير إلى أنهم كانوا يعرفون الرقص نشاطاً شائعاً في الطقوس الدينية، من خلال رفع النساء لسُرتهن (وهي رمز الأمومة) إلى الأعلى أمام الحجارة المنحوتة؛ كي يبارك الإله خصوبتهن.

فقد تعبّد المصريّون عبر الرقص للإلهة حتحور أو الأم السماوية التي احتضنت الإله حورس وهو طفل بعد مقتل والده أوزوريس، حتى تمكن من الانتصار على إله الشرّ “ست” الذي قتل والده. فصارت حتحور الأم السماوية رمزاً للحب والعطاء والخصوبة.

اقرأ أيضاً:

مصر تبهر العالم.. مشاهد رائعة من موكب نقل المومياوات الملكية وحضور عربي وعالمي (فيديو وصور)

لكن وفي العام 2019، أشارت دراسة مصرية صادرة عن مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية -نُشر جزءٌ منها في صحيفة “الشرق الأوسط”- إلى أنّ الرقص في مصر القديمة كان جزءاً من الطقوس الدينية في المعابد، وكان أيضاً ضرورة حياتية، وتسلية دنيوية. وأقيمت حفلات الرقص في كثير من المناسبات الدينية والدنيوية، مثل عيد السدّ، وعيد الأوبت، وحتى الجنازات كانت لها رقصاتها الخاصة أيضاً.

وأضافت الدراسة التي أعدّتها الباحثة المصرية وسام داود، أن الفرعون كان يرقص للإلهة حتحور في عيدها، وأنّ بعض الرقصات التي كانت تؤديها الراقصات في الأفراح والموالد الشعبية المصرية في العصر الحديث، وُجد بعضها مسجلاً على جدران مقابر ومعابد الفراعنة.

ووفقا للدراسة، فقد وثق ذلك عالم مصريات سويسري، يُدعى هنرى فيلد، حيث وصف الرقصات قائلاً: “تبقى القدمان ساكنتين، وتقوم الذراعان والأرداف بحركاتٍ عنيفة، في صورة مشابهة لرقصة العوالم المصرية الحديثة”.

اقرأ أيضاً:

جمال شعر ملكات مصر الفرعونية يثير الجدل.. علماء الآثار يكشفون السبب بعد آلاف السنين – صور

خرج الرقص من المعابد إلى الأماكن الخاصة (قصور الملوك والسلاطين) بعد مجيء الديانات التوحيدية. فقد ذُكر في إنجيلَي مرقس ومتى، رقصة سالومي (ابنة هيروديا) أمام زوج أمها الملك هيرودوس الذي افتُتن بها وقال لها: “اطلبي مني، فأعطيكِ”. فطلبت رأس يوحنا المعمدان نزولاً عند رغبة والدتها.

مع توافد قبائل الغجر إلى مصر في منتصف القرن الـ16، والذين جاءوا غالباً من الهند بشكلٍ أساسي ومرّوا في طريق رحلاتهم بالعراق، مع وصولهم لمصر واختبارهم عيش حياة بدائية منعزلة بعيداً عن أي أعراف أو تقاليد، ظهر ما يُعرف بـ”رقص المتعة”.

 

في كتابها “على اسم مصر”، وهو بانوراما عن ملامح الحياة المصرية قبل العام 1952، أشارت ريم أبو عيد إلى أنّ “غوازي” الغجر قدمن رقصاً يهدف إلى إمتاع الناس، من خلال حركات اهتزازية سريعة ومبتذلة.

 

وقبل بداية الاحتلال الفرنسي لمصر مع نهاية القرن الـ18، وصلت مجموعة أخرى من الغجر قادمة من الهند وإيران إلى مصر. كانت الغجريات تستغلّ التجمّعات لتحريك أجسادهن من أجل لفت نظر الرجال بهدف الإغواء والحصول على المال.

حتى ذلك الوقت، لم يكن الرقص الشرقي معروفاً عند عموم المصريين أكثر من كونه عبارة عن حركات مبتذلة بهدف المتعة.

 

منعه محمد علي باشا

مع بداية القرن التاسع عشر، عرفت مصر المقاهي خلال فترة الحكم العثماني. وقد عرفت هذه المقاهي رواد الفكر والإبداع، كما عرفت “رقصات النحل” التي كانت تؤدّيها الغوازي على أنغام الموسيقى الصاخبة، أشهرهنّ كوتشوك هانم (سوريّة الأصل) التي هام بها الروائي الفرنسي غوستاف فلوبير، إلى حدّ أنّه كتب عنها.

 

وكانت هذه الرقصة عبارة عن تمثيلية تؤدّيها الغازية، فتُمثِّل أنّ النحل لسعها ثم تخلع ثيابها قطعة بعد قطعة تألماً من لسعات النحل الموهوم، فيُلقى عليها ملاءة كبيرة تغطي جسدها، بينما تقرع الطبول إيذاناً بانتهاء الرقصة.

وفي هذا الإطار، يذكر المستشرق والرحالة البريطاني إدوارد لاين في كتابه “أخلاق وعادات المصريين المحدثين وتقاليدهم” (1836)، أنّ ممارسة الرجال للرقص الشرقي كانت سائدة؛ وذلك لتسامح المجتمع مع رقص الرجال، ورفضه أن ترقص النساء أمام الرجال، ولهذا مُنعت الراقصات من الرقص في القاهرة.

 

فعندما انتشرت “العوالم والغوازي”، كان هناك رفض شعبي لرقصهنّ، لدرجة أنّ والي مصر محمد علي باشا أمر بمنع رقصة النحلة في مقاهي القاهرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى