حورات خاصة

حرب أردوغان الجديدة في سوريا ستنطلق من منطقة تحلم أنقرة بضمها

لم يكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ينتهي من إعلان إنشاء “مناطق آمنة” على الحدود الجنوبية من تركيا، أي في شمال سوريا، حتى تزامن ذلك مع قراره بإطلاق عملية عسكرية جديدة في شمال شرق سوريا، حصلت على ضوء أخضر من البرلمان التركي.

وخلال مؤتمرٍ صحفي الأسبوع الفائت، أعلن أردوغان أن بلاده ستشرع قريباً باستكمال إنشاء “مناطق آمنة بعمق 30 كيلومتراً، على طول الحدود الجنوبية مع سوريا”، وهو الأمر الذي حققت أنقرة جزءاً منه، عبر عمليات عسكرية شنّتها في الشمال السوري، كان آخرها عملية “نبع السلام” أواخر عام 2019.

أردوغان حدد المناطق التي ستأتي على رأس أولويات العمليات العسكرية التركية المزمعة، بتلك التي “تعد مركز انطلاق للهجمات على تركيا والمناطق الآمنة”، وذلك في إشارة إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ووحدات حماية الشعب الكردية، التي ترى فيها أنقرة “واجهة” لحزب العمال الكردستاني.

فتركيا التي كانت قد طرحت، في السنوات الأولى من عمر الحرب السورية، فكرة إقامة منطقة عازلة شمالي سوريا بهدف معلن هو “حماية المدنيين”، شنّت منذ عام 2016 ثلاث عمليات عسكرية في الشمال السوري كان هدفها القضاء على المسلحين الأكراد وإبعاد سيطرتهم عن المناطق القريبة من حدودها هي: “عملية درع الفرات” (بين مدينيتي أعزاز وجرابلس) عام 2016، وعملية “غصن الزيتون” (عفرين) عام 2018 وعملية “نبع السلام” (بين مدينتي تل أبيض ورأس العين) عام 2019.

وتخضع المناطق التي كانت مسرحاً للعمليات الثلاث الآن إلى سيطرة فصائل المعارضة السورية المدعومة من أنقرة، وهي تجاور مناطق ما زالت خاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية، ذات الأغلبية الكردية.

حول القرار التركي بإنشاء “منطقة آمنة” وإعادة اللاجئين السوريين، ونيّة رئيسها بشنّ عملية عسكرية واسعة في شمال شرق سوريا، حاورت وكالة ستيب الإخبارية كل من الكاتب السياسي الكردي علي تمي، والباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو.

أردوغان وحلمه القديم في سوريا

يقول الكاتب السياسي علي تمي، بأن تركيا جادة بإعادة اللاجئين السوريين إلى الداخل السوري “لكن بطريقة طوعية بحسب اعتقادهم، فمن يزور تركيا سيلاحظ حجم المعاناة لدى الحكومة والشعب التركي من مشاكل اللاجئين اليومية داخل المجتمع التركي، ونحن هنا نتحدث عن 5 مليون مهاجر سوري، يعني أكثر من سكان قطر والبحرين على حد سواء”.

ويضيف: “لكن باعتقادي لا خطة دولية جدية بإعادة اللاجئين لأن اللازمة السورية لا بوادر بحلها، وبالتالي كلَّ ما يُقال هنا وهناك هي مجرد أطروحات سياسية”.

الكاتب السياسي يتابع: “بحسب الخطة التركية، فهناك توجه سياسي بإعادة اللاجئين إلى مناطق غير خاضعة لسيطرة النظام السوري، وهذه المناطق لاتزال تشهد فيها صراعات داخلية بين الفصائل، بالإضافة إلى وجود انتهاكات بحق الأهالي”، مضيفاً “عموماً المشروع لم يكتمل بعد، وبالتالي لازال في وضعية الدراسة والمناقشة”.

فيما يتعلق بمدى نجاح الخطوة المذكورة ومصيرها حال فوز المعارضة التركية بالحكم، يرى تمي وهو المتحدث باسم تيار المستقبل الكردي في سوريا، أن “المعارضة التركية هي موالية للغرب وتخدم التوجه الغربي في الشرق الأوسط وتحديداً داخل سوريا، بينما حزب العدالة والتنمية يستمد قوته من الشعب التركي، وبالتالي أعتقد أنه بغياب مشروع واضح للمعارضة واللعب على حبل التناقضات مع الحكومة التركية لن يحالفها الحظ بالفوز في الانتخابات على الاقل من وجهة نظري الشخصية في هذه المرحلة”.

عملية تركيا العسكرية في سوريا

رغم أن أنقرة قررت شنّ عملية عسكرية في شمال شرق سوريا، لكن موعد إطلاقها لا يبدو أنه بات نهائياً، في ظل رفض دولي لها، وهو ما قد يكون سبباً في خفض حدة تصريحات الحكومة التركية خلال اليومين الماضيين.

يعتقد الكاتب السياسي علي تمي، أن قرار أنقرة حول عملية عسكرية جديدة في شرق الفرات هي “مسألة وقت، وحزب العمال الكردستاني منخرط بهذا المشروع بشكل أو آخر، وبالتالي بعيداً عن البروبغندا الإعلامية أعتقد أن الأتراك جادون في تهديداتهم، وعلى أهالي المنطقة أخذ هذه التصريحات على محمل الجد”.

ويواصل حديثه: “فصائل المعارضة السورية تعتبر منطقة كوباني (عين العرب) وعين عيسى، مناطق استراتيجية لأي عملية محتملة والسبب في أن هذه المنطقة تشكل صلة الوصل بين جرابلس وتل أبيض”، مضيفاً “أعتقد بأنهم وضعوا أعينهم على هذه المنطقة”.

موسكو تجرد حساباتها داخل سوريا

مؤخراً بدأت روسيا بسحب بعض قواتها من سوريا، وأفرغت مناطق تواجد قواتها في مناطق سورية عدّة، مما جعلت فرصة تركيا أكبر لشنّ عملية عسكرية جديدة.

تمي يقول إنَّ “موسكو بعد غرقها بالمستنقع الأوكراني كلّفها فاتورة باهظة، استنزفت قوتها وعتادها في أوكرانيا، وبالتالي تحاول إعادة جرد حساباتها داخل سوريا من جديد وسحب العديد من القطع العسكرية منها تحضيراً لمعركة كسر العظم مع واشنطن هناك”.

المواقف الدولية حيال العملية العسكرية التركية المزمعة

تعددت المواقف الدولية حيال التدخل العسكري التركي المحتمل في شمال شرق سوريا، وبحسب علي تمي فإن الموقف الأمريكي “يلفه الغموض حتى اللحظة فهم يعربون عن قلقهم وهذا القلق نفسه شاهدنا قبل التدخل العسكري في عفرين ورأس العين. باعتقادي الأمريكان لن يقفوا في وجه الأتراك في نهاية المطاف”.

ويتابع: “بينما الروس منشغلون بالوضع داخل أوكرانيا وينتظرون من الأتراك مكاسب جديدة مقابل تخلي عن المناطق المراد تدخلها عسكرياً من قبل فصائل المعارضة والجيش التركي، كردياً مطلوب من الجميع التحلي بالصبر والمسؤولية والتخلي عن منظومة قنديل ورمي أسلحتهم جانباً، لأن عقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلى الخلف ومصير المنطقة أصبح على حافة الهاوية”.

خارطة سياسية جديدة

الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، من جهته علق على القرار التركي بإعادة اللاجئين السوريين: “رغم أن حديث الرئيس التركي بخصوص خطة العودة الطوعية للاجئين السوريين، ليس جديداً إلا أن طرحه في التوقيت الحالي أثار الكثير من التساؤلات وليس معروفاً بالتحديد المدة الزمنية التي سيتم فيها تنفيذ مشروع «العودة الطوعية» حتى الآن.

كما لم يكشف الرئيس التركي، عمّا إذا كانت الخطة تحظى بتوافقات إقليمية ودولية، لاسيما أن سوريا لا تزال «غير آمنة» بحسب تأكيدات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان”.

ويضيف: “لكن اللافت أن تصريحات أردوغان تأتي بعد زيارته إلى المملكة العربية السعودية بأيام، الأمر الذي قد يرسم معالم وخارطة سياسية جديدة في المنطقة بين الحكومة التركية ونظام الأسد والدول العربية الإقليمية؛ كذلك جاءت بعد أيام من تقرير صحيفة تركيا المقرّبة من الحزب الحاكم، حول عزم الحكومة التركية على إعادة قرابة 1.5 مليون لاجئ سوري إلى بلادهم خلال مدّة زمنية حددتها الحكومة بين 15 و20 شهراً”.

أوغلو أردف القول: “بحسب المعلومات المتوفرة من الجانب التركي، يتيح المشروع الشامل العودة الطوعية لمليون سوري، سيتم تنفيذه بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية، في 13 منطقة، على رأسها أعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق، ويشمل بناء مرافق متنوعة، مثل المدارس والمستشفيات”.

حول مدى نجاح أنقرة بالخطوة المذكورة، ومصير المشروع حال فوز المعارضة التركية بالحكم؟ يوضح الباحث بالشأن التركي أنه ومنذ مطلع العام الماضي يتصدر ملف اللاجئين السوريين في تركيا حديث الساسة الأتراك، لتزداد الوتيرة شيئاً فشيئاً مع حلول العام الحالي، ليأخذ مسارات أكثر حدة، وخاصةً من جانب أحزاب المعارضة.

“وفي الوقت الذي تضع هذه الأحزاب إعادة السوريين إلى بلادهم على قائمة برامجها الانتخابية استعداداً للاستحقاق الرئاسي في 2023، دخلت الحكومة التركية والحزب الحاكم مؤخراً على الخط، ليغردوا في ذات السياق، لكن تحت عنوان طوعاً وليس إجباراً”، يقولها أوغلو.

هدف أنقرة من عملية عسكرية جديدة بسوريا

حول العملية العسكرية التركية المزمعة، يعتقد الباحث بالشأن التركي أنه “من المتوقع بحسب الإعلام التركي المقرب من الحكومة أن تُعطى الأولوية في العملية المحتملة للمناطق التي تم تأمينها مسبقاً والمناطق التي شنّت فيها هجمات ضد تركيا، لإنشاء ممر بعمق 30 كيلومتراً على طول الحدود السورية.

ولعلّ في مقدمة أسباب أي عمل عسكري جديد يندرج تحت بند رغبة تركيا بالتخلص من التهديدات الأمنيّة التي تشكل خطراً على مواقعها العسكرية في سوريا وتقويض أي فرصة لإنشاء إقليم انفصالي شمال سوريا”.

حاورتهما: سامية لاوند

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى