حورات خاصة

هل ينجح الاتفاق الوحيد المتبقي بين أكبر ترسانتين نوويتين في العالم؟

بعد فترة انقطاع طويلة، يجتمع مسؤولون من الولايات المتحدة وروسيا، خلال الفترة من 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري إلى 6 ديسمبر/ كانون الأول، في العاصمة المصرية القاهرة لمناقشة معاهدة “ستارت” الجديدة للحد من الأسلحة النووية.

ويأتي الاجتماع بشأن معاهدة “ستارت”، وهي الاتفاق الوحيد المتبقي الذي ينظم أكبر ترسانتين نوويتين في العالم، في أعقاب شنِّ روسيا حربها على أوكرانيا والتعقيدات المتعلقة بعمليات التفتيش المتعلقة بالمعاهدة.

وتم تمديد المعاهدة آخر مرة في عام 2021 لمدة 5 سنوات، وبموجبها، تجري واشنطن وموسكو عمليات تفتيش على مواقع أسلحة بعضهما البعض. ومع ذلك، فقد توقفت عمليات التفتيش منذ عام 2020 بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، وظهرت تعقيدات عندما حاولت الولايات المتحدة استئناف عمليات التفتيش في وقتٍ سابق من هذا العام.

وأثار اختيار القاهرة مكاناً لعقد هذا الاجتماع المهم، الكثير من التساؤلات بعد أن كانت جنيف تقوم بهذا الدور أو فيينا كدولة محايدة.

لماذا اختيرت القاهرة لعقد المباحثات النووية؟

حول اختيار مصر لعقد الاجتماع النووي بين كلّ من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، يقول المحلل السياسي والأستاذ في الأكاديمية الروسية محمود الأفندي لوكالة ستيب الإخبارية: “بشكل عام جنيف تقوم بهذا الدور أو فيينا كدولة محايدة، ولكن للأسف بعد ما تُسمى بالعملية العسكرية الخاصة بأوكرانيا الروسية، هذه الدول استغنت عن الحياد وأصبحت تدعم أوكرانيا ضد روسيا”.

ويضيف: “روسيا رفضت بشكل نهائي أن تعقد لقاءات بهذه الدول لأنها فقدت الحياد. ورأينا أن الروس وقفوا حتى اللجنة الدستورية السورية وحتى الآن لم يتفقوا على البلد المحايد لعقد الاجتماعات فيها”.

ويتابع: “بشكل عام اختيار مصر كان على أساس الحياد فقط. الدول العربية والإسلامية والإفريقية أخذت طرف الحياد ومصر إحدى هذه الدول ولها علاقات طيبة مع الطرفين وهذا يؤدي فعلياً لكسب الثقة للطرفين”.

من جهته، يقول أستاذ العلاقات الدولية ورئيس مركز الجمهورية الجديدة للدراسات السياسية والاستراتيجية حامد فارس، لوكالة ستيب الإخبارية، إنَّ اختيار أمريكا وروسيا لمصر لاستضافة هذه المحادثات هي رسالة بالغة الأهمية تعكس وتظهر ثقه البلديين في الدولة المصرية ورئيسها”.

ويزيد: “كما أنها دلالة على التقدير الكبير للسياسة الخارجية المصرية المتزنة و الحكيمة ورسالة مهمة تحمل في طياتها حجم الاستقرار الذي تتمتع به مصر ودورها الريادي والمحوري على المستوى الإقليمي والدولي، خاصةً أن القاهرة هي أول مدينة غير أوروبية تستضيف هذه المباحثات والتي تعقد في توقيت بالغ التعقيد و التشابك في ظل الحرب الروسية الأوكرانية وانعكاساتها السلبية على مجمل الأوضاع العالمية والتهديد الروسي باستخدام السلاح النووي في حالة وجود تهديد حقيقي لأراضيها و لأمنها القومي”.

ويضيف: “وبالتالي فإن استضافة القاهرة لهذه المباحثات يأتي في ظل الحياد الإيجابي الذي لعبته القاهرة في الأزمة الروسية الأوكرانية، خاصةً بعد الدعوة التي أطلقها الرئيس السيسي في قمة المناخ بضرورة إيجاد حل سياسي سلمي للأزمة الروسية الأوكرانية، وهو ما يؤكد نيّة القاهرة الصادقة لضرورة إحلال السلم الدولي وتنامي دور الدبلوماسية العربية كمحور اتزان في العمل على حل القضايا الدولية”.

هل ينجح الاتفاق الوحيد المتبقي بين أكبر ترسانتين نوويتين في العالم؟
هل ينجح الاتفاق الوحيد المتبقي بين أكبر ترسانتين نوويتين في العالم؟

أهمية نجاح المباحثات الروسية الأمريكية النووية

يرى الأفندي أنه من مصلحة الطرفين نجاح هذه المحادثات، ويضيف: “كيف ما كان الوضع بينهما يجب أن تنجح في تحويل المعاداة للسلام، لأن سباق التسليح سيؤدي فعلياً إلى كارثة على الكرة الأرضية؛ فتخفيف التسليح والصواريخ والرؤوس النووية يساعد نوعاً ما على نجاح عملية السلام”.

ويواصل حديثه: “نجاح المحادثات ليس مؤكداً، ولكن المهم هو استمرار اللقاءات لأن قطعها سيؤدي إلى كارثة، وعودة الاجتماعات هو مؤشر إيجابي لإيجاد صيغة لمعاهدة ستارت 2. بمعنى أن اللقاء أفضل من عدمه؛ فالنجاح أو الفشل يعتمد على الحوار وجدية الأمريكان به”، متابعاً “أتوقع أننا أمام جولات كثيرة ستكون في القاهرة ودول أخرى”.

تأثير المباحثات النووية الروسية الأمريكية على الملف الأوكراني

فيما يتعلق بمدى تأثر الملف الأوكراني بالمباحثات النووية الروسية الأمريكية، يقول أستاذ العلاقات الدولية حامد فارس، إنَّ هذه المحادثات “تؤثر بشكل كبير على الحرب في أوكرانيا على اعتبار أن حدة التوترات في الفترة الأخيرة تصاعدت بشكل خطير، ما قد يدفع روسيا لاستخدام أسلحة نووية تكتيكية، خاصةً بعد حادثة تفجير جسر شبه جزيرة القرم وبعد سقوط صاروخين داخل الأراضي البولندية”.

ويردف: “هناك محاولات غربية للدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا، وهذا ما سيؤدي إلى استخدامها لأسلحتها النووية وفقاً لعقيدتها، وبالتالي سيدفع العالم دفعاً للدخول في حرب عالمية جديدة وهو ما تتجنّبه واشنطن من خلال سعي البيت الأبيض والخارجية الأمريكية لإحياء المباحثات مع موسكو منذ عدّة أشهر خاصةً أن المباحثات متوقفة منذ مارس 2020”.

في حين يرى الأستاذ في الأكاديمية الروسية محمود الأفندي أن مباحثات مصر بعيدة جداً عن الملف الأوكراني، وبأن الملف الحالي هو فقط لتسيير مسار خاص للعودة للمعاهدة المتوقفة.

ويضيف: “فعلياً هي معاهدة للسلام العالمي. بشكل عام دائماً اللقاءات الموجودة و الاتفاقيات حتى إذا تمّت تعطي مؤشرات إيجابية للمستقبل. هذه المحادثات ستعطي أهمية لتقارب وجهات النظر الأمريكية الروسية للحد من التسليح ولإيقاف ما يُسمى إجبار أوكرانيا على التفاوض”.

السيناريوهات المحتملة للمباحثات الروسية الأمريكية النووية

بحسب فارس، فإن هناك الكثير من السيناريوهات المتوقعة لهذه المحادثات، خاصةً أن معاهدة “نيو ستارت” هي المعاهدة الوحيدة المتبقية لمراقبة الأسلحة النووية بين البلدين بعد انسحابهما عام 2019 من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى الموقعة بينهما عام 1987.

ويقول: “السيناريو الأول المحتمل، هو التوصل لاتفاق مكمل من أجل منع السباق النووي، وهذا لن يتم إلا بعد قيام واشنطن برفع جزئي للعقوبات الموقعة على موسكو، لا سيما أن كلا الطرفين ينظران إلى هذه المحادثات على اعتبار أن مجرد انعقادها هو تطور إيجابي بوجود نافذة للتفاوض و التباحث والحوار في وقت تسببت فيه الحرب الروسية الأوكرانية بتدهور حاد للعلاقات لتصل إلى نقطة شرارة حدوث مواجهة عسكرية تُعتبر الأسوأ منذ 60 عاماً.

أما السيناريو الثاني، فهو أن يتخذ كلا البلدين قراراً بتجميد المعاهدة بشكل نهائي، وفرص حدوث هذا السيناريو ضعيفة بل مستبعدة في ظل أننا شاهدنا على مدار الأسابيع الماضية تقارب روسي أمريكي، وهو ما ظهر واضحاً في الموقف الأمريكي من أزمة الصواريخ التي سقطت داخل الأراضي البولندية، وكيف تعاملت الإدارة الأمريكية بضبط نفس شديد وإدراك ووعي لخطورة أن تكون هناك مواجهة مباشرة بين الناتو وروسيا على اعتبار أن بولندا طالبت بتفعيل نص المادة الرابعة من معاهدة حلف شمال الأطلسي، وهو ما قوبل برفض أمريكي.

أما السيناريو الأخير؛ فهو أن يعمل كلا الطرفين على عدم التوصل لاتفاق وإطالة أمد المفاوضات، وهذا يأتي في إطار سعي كلّ طرف لاستخدام هذا الملف تحديداً كورقة ضغط على الطرف الآخر لتحقيق أكبر المكاسب من هذه المباحثات، خاصةً أن موسكو في مارس/ آذار الماضي، أعلنت تعليق السماح بتفتيش المنشآت الخاصة بها تعليقاً مؤقتاً وهو ما اعتبرته واشنطن انسحاباً واضحاً من المعاهدة وتراجعاً عن التزاماتها في ظل تلويح موسكو باستخدام أسلحة نووية تكتيكية يصل مداها لمسافة محددة”.

وتعد معاهدة “نيو ستارت” المعاهدة الوحيدة المتبقية لمراقبة الأسلحة النووية بين أمريكا وروسيا، بعد قيام البلدين عام 2019 بالانسحاب من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى والموقعة بينهما عام 1987.

ودخلت المعاهدة حيّز التنفيذ عام 2011 للعمل على الحد من استخدام الرؤوس الاستراتيجية، بالإضافة إلى الصواريخ والقنابل القادرة على حمل رؤوس نووية في البر والغواصات، وتم تمديدها لمدة خمس سنوات لتنتهي عام 2026.

وهذه الاتفاقية تلزم الطرفين بإجراء عمليات تفتيش في القواعد التي توجد بها الأسلحة، بالإضافة لتبادل البيانات للتحقق من الامتثال لبنود المعاهدة، كما تنصّ على تبادل عدد من الزيارات السنوية.

كما تنص المعاهدة على 18 عملية تفتيش داخل المواقع سنوياً، بواقع 10 عمليات يُطلق عليها “النوع الأول” وتتعلق بالمواقع التي يوجد فيها الأسلحة والأنظمة الاستراتيجية، وثمانية عمليات يطلق عليها “النوع الثاني” وتركز على المواقع التي لا تنشر سوى الأنظمة الاستراتيجية، وهذه المعاهدة وقعت في العاصمة التشيكية براغ عام 2010 بين الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما ونظيره الروسي دميتري ميدفيديف، وهي تقيد كل دولة بحيازة 1550 رأساً نووياً حربياً كحد أقصى و700 صاروخ وقاذفة قنابل.

وفي عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، كان هناك رفض منه لتجديد هذه المعاهدة، وقال إن واشنطن أخطأت لأن 60% من الترسانة النووية الروسية من صواريخ نووية متوسطة وقصيرة المدى، ولم تشملها المعاهدة، كما دعا إلى دمج الصين في منظومة اتفاقيات نزع الأسلحة النووية، وبالتالي فإن هذه المعاهدة تعد الضمان الأخير لعدم نشوب حرب نووية تؤدي إلى فناء البشرية وتهدد الحياة على كوكب الأرض.

ستيب: سامية لاوند 

هل ينجح الاتفاق الوحيد المتبقي بين أكبر ترسانتين نوويتين في العالم؟
هل ينجح الاتفاق الوحيد المتبقي بين أكبر ترسانتين نوويتين في العالم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى