الديون الأمريكية تضع العالم أمام مشكلة لم تحدث مسبقاً وحلها بيد حزب أمريكي
أثيرت مخاوف كبيرة مؤخراً بعد عودة مشكلة الديون الأمريكية إلى واجهة الحديث بالولايات المتحدة بوقت هناك تنافس حزبي وخلافات داخلية، مما دفع اقتصاديون للتحذير من مشكلة عالمية لم يحدث لها مثيل، تزامناً مع خطر الركود والتضخم.
ولكن ماذا لو لم يتفق الحزبان الجمهوري والديمقراطي على رفع سقف الدين بالبلاد، واستمرت المشكلة، وكيف سيكون التأثير على العالم أجمع بعدها، وهل سيؤدي ذلك إلى ضغط سياسي واقتصادي يؤدي لانسحاب أمريكا من ملفات دولية مثل حرب أوكرانيا؟
للإجابة على ذلك التقت “وكالة ستيب نيوز“، مع السياسي الأمريكي، وعضو الحزب الديمقراطي، مهدي عفيفي، والخبير الاقتصادي، محمد بصو.
تركيبة الديون الأمريكية وأدوات الدين
يكشف الخبير الاقتصادي محمد بصو خلال حديث لوكالة “ستيب” أن حكومة الولايات المتحدة مدينة لمواطنيها، والحكومات الأجنبية، والمنظمات الدولية، وذلك في المقام الأول عن طريق إصدار سندات الخزانة، والأوراق المالية، والأذون.
ويقول: غالبية الديون الأمريكية مملوكة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والعديد من الوكالات الحكومية الأخرى، بما في ذلك الصندوق الاستئماني للضمان الاجتماعي وصندوق التقاعد العسكري وصندوق الرعاية الطبية.
بينما يشير إلى أن الحكومات الأجنبية، وخاصة الصين واليابان لهما جزء كبير من ديون الولايات المتحدة.
ماذا يحصل عندما تصل أمريكا إلى سقف الاستدانة المسموح؟
يشرح “بصو” أنه عندما يتم الوصول إلى سقف الدين، لم يعد بإمكان الحكومة اقتراض الأموال لتمويل عملياتها.
ويقول: هذا يعني أنه يتعين عليها إما خفض الإنفاق أو زيادة الضرائب أو إيجاد طرق أخرى لموازنة ميزانيتها. وإذا كانت الحكومة غير قادرة على القيام بذلك، فقد تتخلف عن سداد ديونها، مما قد يكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد.
ويضيف: سقف الديون الأمريكية هو الحد القانوني الذي حدده الكونجرس الأمريكي على مقدار الدين الذي يمكن للحكومة الفيدرالية أن تتراكم عليه. عندما تصل الحكومة إلى هذا الحد، يجب عليها إما رفع الحد أو إجراء تخفيضات كبيرة في الإنفاق لتجنب التخلف عن سداد ديونها.
ما هو تأثير التخلف عن سداد الديون الأمريكية على الاقتصاد العالمي؟
يؤكد الخبير الاقتصادي “محمد بصو” أنه إذا تخلفت الولايات المتحدة عن سداد ديونها، فمن المحتمل أن يكون لها آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد العالمي.
ويقول: من المحتمل أن يؤدي التخلف عن سداد الديون الأمريكية إلى فقدان الثقة في الاقتصاد الأمريكي، مما قد يتسبب في سحب المستثمرين أموالهم من الأسواق المالية الأمريكية. وقد يؤدي هذا إلى انخفاض قيمة الدولار الأمريكي وارتفاع أسعار الفائدة، مما يجعل اقتراض الأموال أكثر تكلفة على الحكومة الأمريكية وعلى الأفراد والشركات لاقتراض الأموال. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي وزيادة البطالة.
بالإضافة إلى ذلك، يرى “بصو” أنه من المحتمل أن يكون للتخلف عن سداد الديون الأمريكية آثار مضاعفة من خلال الاقتصاد العالمي حيث تمتلك العديد من البلدان كميات كبيرة من ديون الحكومة الأمريكية، كما أن المؤسسات المالية لديها مخاطر كبيرة لديون الحكومة الأمريكية.
كما يشير إلى أنه قد يؤدي ذلك إلى انخفاض قيمة العملات الأخرى وارتفاع أسعار الفائدة في البلدان الأخرى، ويمكن أن يتسبب أيضًا في انخفاض أسواق الأسهم العالمية والأسواق المالية الأخرى.
ويتابع: باختصار، من المرجح أن يتسبب التخلف عن سداد الديون الأمريكية، في أزمة مالية عالمية حادة، مع عواقب اقتصادية ومالية واسعة النطاق.
كيف تسدد أمريكا ديونها؟
تدفع حكومة الولايات المتحدة ديونها بعدة طرق، بما في ذلك من خلال استخدام الإيرادات الضريبية، والاقتراض من الجمهور، وإصدار ديون جديدة، بحسب الخبير الاقتصادي “بصو”.
ويقول: تتمثل إحدى الطرق التي تدفع بها الحكومة ديونها في استخدام الإيرادات التي تجمعها من الضرائب. تجمع الحكومة الفيدرالية الإيرادات من مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك ضرائب الدخل وضرائب الرواتب والضرائب على السلع والخدمات. تستخدم هذه الإيرادات لسداد الإنفاق الحكومي، بما في ذلك الفائدة على الدين القومي.
ويضيف: الطريقة الأخرى التي تدفع بها الحكومة ديونها هي الاقتراض من الجمهور. تصدر الحكومة سندات الخزينة، والأوراق المالية، والأذون، والتي يتم بيعها للمستثمرين. ثم تستخدم الحكومة العائدات من مبيعات السندات هذه لدفع تكاليف عملياتها وسداد الديون المستحقة الدفع. كما تستخدم الحكومة أحيانًا طرقًا أخرى لسداد ديونها، مثل بيع الأصول أو تحويل الأموال من الصناديق الاستئمانية الحكومية.
ويشير بالوقت ذاته إلى أن الحكومة تعاني بانتظام من عجز في الميزانية، مما يعني أنها تنفق أموالًا أكثر مما تنفقه من الإيرادات. هذا يؤدي إلى زيادة الدين الوطني.
ويشدد الخبير الاقتصادي على أنه يجب على الحكومة الاستمرار في اقتراض الأموال من أجل تمويل عملياتها وسداد ديونها.
هل يمكن لأمريكا أن يكون لديها فائض ميزانية وأن تكون لديها ديون ضخمة؟
يؤكد محمد بصو أنه لا يعني وجود الفائض في سنة مالية بأن الدولة أو الحكومة باتت قادرة على سداد كامل الدين.
ويقول: يمكن لحكومة الولايات المتحدة أن يكون لديها فائض مالي في عام واحد بينما لا تزال تحمل ديونًا من السنوات السابقة. يحدث الفائض المالي عندما تحصل الحكومة على إيرادات أكثر مما تنفق في سنة معينة. يمكن استخدام هذا الفائض لسداد الدين الوطني، لكنه لن يكون كافياً لسداد كل الديون في عام واحد.
ويوضح أنه يمكن للحكومة تحقيق فائض مالي بعدة طرق، مثل زيادة الإيرادات من خلال الزيادات الضريبية أو عن طريق خفض الإنفاق. وعلى سبيل المثال، إذا زادت الحكومة الضرائب و / أو خفضت الإنفاق، فيمكنها تحقيق المزيد من الإيرادات وإنفاق أقل، مما ينتج عنه فائض.
تجدر الإشارة إلى أن تحقيق الفائض يمثل تحديًا ونادرًا ، لأنه يتطلب توازنًا في النمو الاقتصادي والسياسات الضريبية والإنفاق لمواءمة وإنشاء سيناريو تأخذ فيه الحكومة أموالًا من مواطنيها و / أو الشركات أكثر مما تنفق.
ويستطرد بالقول: بالإضافة إلى ذلك، فإن تحقيق فائض في عام واحد لا يعني بالضرورة أن الدين الإجمالي سينخفض، حيث قد تستمر الحكومة في اقتراض الأموال في سنوات أخرى، مما يؤدي إلى زيادة الدين بمرور الوقت.
أمرٌ مستمر منذ سنوات
من جانبه يرى السياسي الأمريكي، وعضو الحزب الديمقراطي، مهدي عفيفي، خلال حديثه لوكالة ستيب نيوز، أن وصول أمريكا لسقف الدين ليس بالأمر الجديد، وهو يحدث على مدار السنوات الماضية، وخلال حكم الرئيس ترامب رفع سقف الدين ثلاث مرات وكانت أكثر مرة تحدث بتاريخ رئيس واحد.
ويقول: من أفشل التوصل لاتفاق جديد لرفع سقف الديون الأمريكية، هم الجمهوريين بعد سيطرتهم على مجلس النواب، حيث أنهم يريدون إفشال السياسات الاقتصادية للديمقراطيين، وافشال الرئيس بايدن، تمهيداً لترشيح دونالد ترامب.
ويضيف: لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أقوى اقتصاد وليس للديون علاقة بالأمر، وأغلب تلك الديون هي للصين حيث جاءت على شكل سندات وأذون خزانات يتم بيعها لمن يشتري، فيملكها بنوك كبرى وشركات كبرى وأصحاب الأموال، أما أكبر دولة مديونة لها فهي الصين.
هل ستفشل أمريكا بسداد دينها؟
لا يعتقد “عفيفي” أن أمريكا ستفشل في سداد الدين، حيث أن ذلك لم يحصل سابقاً، بينما فشل الاتفاق على رفع سقف الديون الأمريكية، سيدخل الولايات المتحدة بمشاكل كبيرة، نظراً لأنها لن يكون لديها السيولة الكافية لتغطية المشاريع التي تعهد بها الكونغرس.
ويقول: لو استمرت عرقة الاتفاق على رفع سقف الديون الأمريكية واستمرت المشاكل، فستكون هناك مشكلة عالمية لم يشهد لها العالم مثيل، رغم أني لا أعتقد أن نصل إلى هذه المرحلة.
وكان آخر فائض سجلته أمريكا بالميزانية عام 2001، ويرى عفيفي أن الحروب التي خاضتها أمريكا منذ ذلك الوقت في أفغانستان والعراق وغيرها لم تؤثر كثيراً رغم تكاليفها العالية، على اعتبار أنها كانت مدفوعة التكاليف من قبل جهات ترعاها، حسب وصفه.
ويشير إلى أن التأثير الأكبر بأمريكا والذي أوصلها لهذا الحال، هو السياسات الاقتصادية، التي أثرت على ذوي الدخل المحدود وأفادت أصحاب رؤوس الأموال.
الخلاف الحزبي خطير
يؤكد السياسي الأمريكي مجدداً أن الخلاف الحزبي هو الذي يؤثر على سقف الديون الأمريكية بشكل كبير حيث لا يزال ببدايته، مشيراً إلى أن سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب لم يكن بالشكل الذي يريدونه، حيث لا يزال الديمقراطيين يسيطرون على مجلس الشيوخ، ويرى أنه مع الوقت سيتم التوصل لاتفاق.
ويوضح عفيفي أن المشكلة الاقتصادية الحالية لن تؤثر على المنافسة الاقتصادية بين أمريكا والصين، بينما أن روسيا هي خارج هذه المنافسة أصلاً، مشدداً على أن قضية سقف الدين الأمريكي أمرٌ طبيعي يحدث فيه الخلاف كل عدة سنوات وينتهي باتفاق بين الأطراف الأمريكية.
وإلى حين التوصل لاتفاق بشأن الديون الأمريكية يبقى ناقوس الخطر يقرع بالعالم كله، حيث أن الدول خرجت من أزمة الإغلاقات وبدء التعافي من جائحة كورونا، ليطل بعدها شبح التضخم وخطر الركود، مما سيجعل أي مشكلة تصيب الدولار بمثابة ضربة قاضية لاقتصادات العالم التي ستواجه أكبر تحدٍ منذ عقود حينها.