نقطة تحول في الحرب الروسية الأوكرانية.. تفاصيل خطة موسكو لتوجيه “القاضية” لكييف وإيقاع الناتو بالفخ
شهدت الحرب الروسية الأوكرانية نقطة تحول كبيرة خلال الأشهر الأخيرة، حيث عادت القوات الروسية لتتقدم إلى العمق الأوكراني وتسيطر على مناطق جديدة، وسط تراجعات للقوات الأوكرانية التي باتت تعاني بعد فشل هجومها المضاد. إلا أن هناك “خطة” تعمل عليها القوات الروسية، وقد تُحسَم الأمور سياسياً وليس عسكرياً خلال هذا العام وفق خبراء.
واصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التعبير عن خشيته من التطورات الأخيرة وتقدم القوات الروسية باتجاه مدينة خاركيف، ثاني أكبر المدن الأوكرانية، وسط نقص الإمدادات الغربية.
وسبق لموسكو أن سيطرت على أجزاء واسعة من خاركيف في المراحل الأولى من “الحرب الروسية الأوكرانية” قبل أن تستعيدها كييف.

نقطة تحول في الحرب الروسية الأوكرانية
سيطرت روسيا على 278 كيلومترًا مربعًا بين 9 و15 مايو/أيار في شرقي أوكرانيا، ولا سيما في منطقة خاركيف، في أكبر اختراق لها منذ سنة ونصف السنة، وفق ما أظهر الخميس الماضي تحليل أجرته وكالة الصحافة الفرنسية استنادًا إلى بيانات للمعهد الأمريكي لدراسة الحرب.
ويرى محللون عسكريون أن الهجوم على خاركيف قد يهدف إلى استنزاف القوات والموارد الأوكرانية بشكل أكبر مع حشد روسيا مزيداً من قواتها البشرية وذخائرها.
يقول الدكتور عمر الديب، رئيس مركز خبراء رياليست بروسيا، في حديث لوكالة ستيب نيوز، إن هناك نشاطًا عسكريًا روسيًا مرتبطًا بالتحركات الغربية في أوكرانيا من خلال الإمدادات العسكرية الغربية للجيش الأوكراني، وبدأ النشاط الروسي تأثيره واضحًا من خلال التراجعات الأخيرة لأوكرانيا على الجبهات.
ويضيف: “بالنسبة لمعركة خاركيف، فهي ليست مرتبطة بنشاط جديد، إلا أن الخطة الروسية تقتضي إقامة منطقة عازلة قرب حدودها، خصوصًا أنها كانت منطلق الهجمات الأوكرانية الأخيرة بالصواريخ والطائرات بدون طيار، لا سيما التي استهدفت مدينة بيلغورود الروسية”.
ويتابع: “لا أعتقد أن روسيا تريد السيطرة الكاملة على خاركيف لأنها مدينة كبيرة وسيصعب القتال فيها وسيمتد طويلاً”.
من جانبه، يرى ديمتري بريجع، الباحث ومدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، أن هناك تحركات عسكرية روسية كبيرة خلال الأشهر القادمة، وسط حديث عن إمكانية السيطرة الكاملة على دونيتسك ولوغانسك شرق أوكرانيا، والهدف الواضح للقوات الروسية هو عمل “منطقة عازلة” قرب حدودها، وهي “استراتيجية أولية”.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أكد الأمر حين أعلن الجمعة الفائتة بأن هدف القوات الروسية هو إقامة منطقة عازلة في العمق الأوكراني، خصوصًا بعد أن أصبحت الأسلحة الغربية بيد الجيش الأوكراني تضرب العمق الروسي.
من جهته، أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن خشيته من أن يكون الهجوم البري الذي بدأته روسيا في العاشر من مايو/أيار الحالي في منطقة خاركيف، مجرد تمهيد لهجوم أوسع نطاقًا في الشمال والشرق.
وفي أول مقابلة مع وسيلة إعلام أجنبية منذ بدأت موسكو هجومها في خاركيف، قال زيلينسكي إن القوات الروسية توغلت ما بين 5 و10 كيلومترات على طول الحدود الشمالية الشرقية قبل أن توقفها القوات الأوكرانية.
تخبط أوكراني
ويرى عمر الديب أن الوضع الأوكراني أصبح أكثر صعوبة وبدأت القيادة الأوكرانية تشعر بأنها أصبحت عبئًا على الدول الغربية، لذلك قلّت إمدادات الأسلحة والذخائر وحتى التمويل، وهو ما زاد من إخفاقات القوات على الأرض، إضافة إلى ظهور الخلافات الداخلية إلى العلن من خلال سلسلة الإقالات الأخيرة بالسلطات الحاكمة.
وأقر زيلينسكي بأن ثمة نقصًا في عديد القوات الأوكرانية، وأن النقص يؤثر في معنويات الجنود، في وقت دخل فيه قانون جديد للتعبئة حيز التنفيذ السبت لتعزيز صفوف الجيش.
جرس إنذار
من جهتها، قرعت أجراس الإنذار في الغرب، حيث اعتبر وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس الأربعاء أن المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة خاركيف بأوكرانيا يجب أن تكون بمثابة “جرس إنذار”، مضيفًا أن حلفاء كييف “صرفوا انتباههم” عن أحداث الحرب الروسية الأوكرانية.
وأضاف الوزير البريطاني: “هذه ليست حربًا يمكنك أن تكون فيها متنبهاً تمامًا ثم تغلق أذنيك أو ربما تصرف انتباهك لنزاع مختلف ثم تتوقع ألا يتغير شيء على الأرض”.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أكد أن موسكو مستعدة لمواجهة الغرب على أرض المعركة في أوكرانيا إذا ما تطلب الأمر، بعد جدل حول تصريحات غربية تحدثت عن إمكانية مشاركة قوات من دول أعضاء بحلف الناتو في الحرب إلى جانب القوات الأوكرانية.
حول ذلك، يقول عمر الديب: “قوات حلف الناتو متواجدة بأوكرانيا لكن بشكل غير رسمي، ولن يؤثر ذلك في الوقت الراهن على مسار المعركة سوى أنها هدف للقوات الروسية، ما لم تهدد روسيا وجودياً حينها قد يختلف الوضع وقد نشهد بوادر الحرب العالمية الثالثة”.
بينما يقول ديمتري بريجع: “دخول قوات الناتو إلى العمق الأوكراني سيكون له تأثير عكسي، حيث سيساعد روسيا في كثير من الأمور، ولا أعتقد أن الناتو بصدد افتعال حرب مباشرة وكبيرة، لكنهم يلعبون بالنار”.
ويضيف: “الكل يعرف أن الحرب الروسية الأوكرانية لها حدود وضعتها الدول الغربية حيث لا تريدها أن تخرج خارج حدود أوكرانيا، وهي تعرف أنها ستنتهي بالمفاوضات وبشروط روسيا أو بتنازلات أوكرانية، فهم يعرفون أن روسيا لن تتنازل عن المناطق الأربعة التي ضمتها”.
شرط قد ينهي الحرب الروسية الأوكرانية
ويرى الخبراء أنه من الصعوبة بمكان أن تنتهي الحرب الروسية الأوكرانية هذا العام إلا إذا تحققت شروط، وبعضها قد يكون مستحيلاً وآخر قابل للتطبيق.
يقول الديب: “أعتقد أن العام الحالي لن يكون فيه حسم الحرب الروسية الأوكرانية إلا بشرطين: الأول هو تدمير الجيش الأوكراني كاملاً وسيطرة روسيا عسكريًا، وهو أمر مستبعد حاليًا. والثاني هو تغيير المواقف الغربية، لا سيما الأمريكية، وهي مرهونة بتغيير إدارة الرئيس بايدن التي قد تحدث خلال الانتخابات الأمريكية القادمة”.
ويؤكد بريجع على الحديث قائلاً: “روسيا تراهن على التغيير القادم في الإدارة الأمريكية، حيث لو عاد الجمهوريون من خلال دونالد ترامب فإنه قد يوقف الدعم عن أوكرانيا، وهو من يرفع شعار “أمريكا أولاً” ولا يهمه الآخرون”.
ويرى الخبير أن روسيا تعتمد في مفهومها العسكري على الحرب طويلة الأمد و”حربنة” الاقتصاد، وهذا ما له تداعيات مستقبلية، مضيفًا: “الحكومة الروسية تعمل على تقوية اقتصادها مقابل العقوبات وتمويل الحرب في الوقت نفسه من خلال العديد من الاستراتيجيات، أهمها التعاون مع الصين وبعض الدول الآسيوية والعربية”.
ويشير في الوقت عينه إلى أن بوتين يمتلك طموحات كبيرة وقد بدأت منذ نحو عام 2007، ويؤكد أنه استطاع إعادة الزمن إلى الوراء، من خلال الحديث عن الحرب الباردة وكسر هيمنة الولايات المتحدة وسياسة القطب الواحد، والانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب.
