معارض سوري يكشف سبب تعديل نظام هيئة التفاوض وحل للملف السوري تدفعه دول إقليمية
في وقت تتكشف فيه خيوط حل مدفوع من دول إقليمية في الملف السوري، خرجت هيئة المفاوضات السورية المعارضة بتعديلات لنظامها الداخلي، وصفت بأنها جعلتها تصبح كياناً “مستنسخاً” من حزب البعث السوري، بحسب خبراء تحدثوا لوكالة ستيب نيوز.
تعديلات النظام الداخلي في الهيئة العليا للتفاوض
في ختام اجتماعها الدوري، أعلنت الهيئة العليا للتفاوض لقوى المعارضة السورية خلال الأسبوع الفائت عن تعديل بعض مواد نظامها الداخلي، بما في ذلك إطالة فترة الولاية الرئاسية لقيادة الهيئة والسماح لرئيس الهيئة بالترشح مرة إضافية واحدة.
وأصبحت مدة تكليف قيادة هيئة التفاوض الآن عامين بدلًا من عام واحد، قابلة للتمديد مرة واحدة فقط. وبررت الهيئة هذه التعديلات بضرورة “منح رئاسة الهيئة فرصة زمنية كافية لتنفيذ الخطط المطروحة ودعم مسارات العملية التفاوضية”، إضافة إلى “إتاحة أوسع مجال للهيئة لاستغلال علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع الفاعلين الإقليميين والدوليين”. واعتبرت أن هذه الخطوة تأتي من أجل “تطوير آليات العمل الإداري”.
لكن هذه التعديلات أثارت زوبعة بين أجنحة الهيئة المتناحرة، حيث اعتبرت منصتا القاهرة وموسكو أن التعديل “ينسف فكر المؤسسة ويعد مخالفة واضحة للمبدأ الديمقراطي لتحقيق مصالح شخصية”.
ومنذ إعلان التعديل، تصاعدت الانتقادات، حيث أشار بعض المراقبين إلى أن التعديل يهدف إلى تمكين قيادات محددة من البقاء في مناصبها لفترة أطول.
وتزامن هذا التطور مع تعقيدات سياسية متزايدة في المشهد السوري واستمرار جمود مسار اللجنة الدستورية السورية، التي تعتبر هيئة التفاوض طرفاً رئيسياً فيها.
هيئة التفاوض السورية والمنصات المعارضة
تشكلت هيئة التفاوض السورية في ديسمبر 2015 خلال مؤتمر الرياض، بهدف توحيد صفوف المعارضة السورية استعداداً للمفاوضات مع النظام السوري.
تضم الهيئة ممثلين عن مختلف الفصائل المعارضة، بما في ذلك الائتلاف الوطني السوري، وهيئة التنسيق الوطنية، والفصائل العسكرية المعارضة، ومنصتي القاهرة وموسكو.
وتهدف الهيئة إلى التوصل لحل سياسي للأزمة السورية وفقاً للقرار الأممي 2254، الذي يدعو إلى عملية انتقال سياسي بقيادة سورية ودعم من الأمم المتحدة.
الجمود السياسي في العملية السورية
على الرغم من الجهود الدولية لدفع العملية السياسية السورية، إلا أن المفاوضات شهدت جموداً كبيراً. فالدعوة لتنفيذ القرار الأممي 2254 لم تؤتِِ ثمارها بعد، حيث يواصل النظام السوري رفضه لأي تسوية سياسية تؤدي إلى تغيير جذري في بنية السلطة. هذا الجمود أدى إلى تراجع الاهتمام الدولي بالملف السوري، وزيادة تعقيد الأوضاع على الأرض.
أسباب التعديلات وتوقيتها
في حديث لوكالة ستيب نيوز، يقول فراس الخالدي، عضو اللجنة الدستورية السورية ومنسق منصة القاهرة: “بدر جاموس وأعوانه في عصابة الائتلاف الإقصائية المتطرفة، التي تسيطر على الائتلاف منذ عدة سنوات وتتبادل مناصب مؤسسات الثورة بشكل مستفز، هم من دعوا للتعديلات. سبب التعديل في هذا التوقيت كما ذكرته هيئة التفاوض في بيانها هو حاجتها لفرصة زمنية لتنفيذ الخطط المطروحة”.
رفض التعديلات من منصتي القاهرة وموسكو
ويضيف الخالدي: “أسباب رفضنا للتمديد عديدة وأهمها أن رئاسة الهيئة الحالية لم تسجل أي إنجاز يذكر ولم تنجح في إعادة الزخم للثورة أو إعادة الاهتمام بها على قائمة أولويات المجتمع الدولي. بل يمكن القول بأنها أسوأ فترة رئاسية على الإطلاق، لم يتمكن خلالها قائد الهيئة من عقد أي اجتماع مع أي دولة فاعلة في الملف السوري أو مع أي مسؤول نافذ”.
ويشير إلى أن قيادة الهيئة لم تنجح في إعادة الملف السوري لأروقة جنيف تثبيتاً للقرار الأممي 2254، بل كانت شاهدة ومشرّعة لعملية “العبث” بأولويات القرار 2254 من خلال التعاطي مع مسارات جانبية كآستانة وسوتشي.
ويقول الخالدي: “الهيئة تتبع للإئتلاف الذي يتوجب تغيير اسمه ليصبح منصة إسطنبول. تركيا جزء من آستانة-سوتشي وتشارك كل من روسيا وإيران الرؤية للحل في سوريا من خلال تسليم المناطق المحررة للنظام والضغط على اللاجئين والنازحين للعودة لسلطة بشار الأسد”.
تفرد القرار السياسي داخل المعارضة
ويؤكد الخالدي أن هناك تيارات داخل المعارضة تسعى إلى التفرد بالقرار، مشبهاً ذلك بسياسة “حزب البعث القائد”. ويقول: “نعم، الإئتلاف يحاول التفرّد بقرار المعارضة وينتهج نهج نظام الأسد من خلال تصرفه كحزب البعث، وينتظر من باقي مكونات الهيئة أن تكون أشبه بالجبهة الوطنية التقدمية التي تغطي عادة فساد البعث واحتكاره للسلطة المطلقة على الدولة والمجتمع”.
ويذكر أن حزب البعث الحاكم بسوريا منذ سنوات، شهد تعديلات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، حيث جرى تجريده من قيادة البلاد “دستورياً” إضافة إلى تقليص صلاحياته بالدولة، إلا أن ذلك لم يغير شيء على أرض الواقع، وهو ما تجلّى في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي فاز بها الحزب كـ”العادة” بنسبة “ساحقة”.
غياب هيئة التفاوض عن الساحة
ويتابع الخالدي: “معاناة الملف السوري من الجمود أصابت مجموعة الإئتلاف الإقصائية، ما خلق فراغاً كبيراً ملأته هذه المجموعة بحياكة الدسائس للهيمنة على قرار المعارضة ووضعها في خدمة آستانة-سوتشي وصولاً لعقد الإذعان لنظام الأسد”.
التأثيرات الإقليمية
ويرى الخالدي أن هناك دولاً تدفع الهيئة لتغيير توجهاتها بهدف جعلها ترضخ لشروط إقليمية لحل يجري التحضير له في سوريا. ويقول: “أثبتت تجارب السنوات الماضية ارتهان الإئتلاف وممثليه في الهيئة لإملاءات دول إقليمية بعينها، وقد أتمّت هذه الدول حملة تطهير الإئتلاف من كل الأصوات الوطنية الرافضة للتسليم ببقاء الأسد”.
مستقبل مؤسسات المعارضة
وفيما يتعلق بمستقبل مؤسسات المعارضة، يقول الخالدي: “مستقبل مؤسسات المعارضة في ظل الواقع الحالي هو توقيع قرار الاستسلام لنظام الأسد والتسليم ببقائه رئيساً لسوريا مقابل مكاسب يقدمها الأسد لتركيا وروسيا وإيران. وكل من ينتظر غير ذلك سيجد صدمته أكبر حين يجرّده الأسد من جنسيته السورية ويحرمه حق العودة ولو زائراً يحمل جنسية أخرى”.
ويبدو أن التعديلات الأخيرة في النظام الداخلي لهيئة التفاوض السورية قد فتحت باباً جديداً للجدل والانقسامات داخل صفوف المعارضة السورية، مما يعمق من جمود العملية السياسية السورية ويزيد من تعقيد المشهد السوري الذي لم يعرف الاستقرار منذ أكثر من عقد من الزمن.
ورغم أن بدر جاموس رئيس هيئة التفاوض خرج بلقاءات أكد فيها أن القرار الذي توصلت إليه الهيئة كان بالإجماع، إلا أن اعتراض العديد من المعارضين البارزين يسلط الضوء على خلافات خلف الكواليس، تظهر للعلن بين الفينة والأخرى.
يذكر أن عدداً من الدول العربية أعادت علاقتها بالحكومة السورية، وتبعها عدد من الدول الغربية، آخرها كان إيطاليا التي أعادت فتح سفارتها بدمشق، بينما تسعى تركيا إلى إعادة العلاقات مع سوريا أيضاً في تحول جذري لموقف الرئيس التركي الذي طالما دعا الرئيس السوري بشار الأسد للتنحي، وبل ودعمت أنقرة على مدى سنوات فصائل عسكرية تسعى للإطاحة بالأسد، وتسيطر على الشمال السوري، ولا تخفي تبعيتها المباشرة لتركيا.