حورات خاصة

ماذا يحاك في القرن الإفريقي.. “هدير الدبابات” في الصومال وصداه بالقاهرة وأديس أبابا

تشهد منطقة القرن الإفريقي تصاعدًا في التحركات العسكرية والسياسية بين عدد من دول الإقليم، حيث كانت مصر وإثيوبيا في صدارة هذه التحركات، وسط توترات سياسية متصاعدة بينهما، وصلت حد بدء تقاطر الأسلحة إلى الصومال من قبل مصر، بينما زادت إثيوبيا تواجدها العسكري على حدودها مع الصومال أيضاً التي يبدو أنها ستكون ساحة المواجهة. 

 

وزادت حدة في التوترات بعد توقيع مصر اتفاقية تعاون عسكري مع الحكومة الصومالية، في وقت تواصل فيه إثيوبيا محاولاتها لكسب الدعم الدولي لإقليم أرض الصومال الانفصالي. ما يوحي أن هذه التحركات مقدمة لمواجهة عسكرية شاملة في المنطقة.

 

وفي حديث “لوكالة ستيب نيوز” كشف خبراء تفاصيل الاتفاقيات العسكرية بين مصر والصومال، وأبعاد التوترات الإثيوبية-الصومالية، وتأثير الخلافات المصرية-الإثيوبية على استقرار القرن الإفريقي.

 

1- الاتفاقية والبروتوكول العسكري الجديد بين مصر والصومال

 

شهدت العلاقات بين مصر والصومال تحولًا كبيرًا مع توقيع اتفاقية تعاون عسكري جديدة بين البلدين. تتضمن هذه الاتفاقية بروتوكولاً للتعاون العسكري يشمل تدريب القوات المسلحة الصومالية وتقديم الدعم اللوجستي والتقني لها. 

 

اللواء محمد عبد الواحد، المحلل العسكري والاستراتيجي المصري، قال: “إن الاتفاقية تهدف إلى تعزيز قدرات الجيش الصومالي في مواجهة التحديات الأمنية، وخاصة في ظل قرب انسحاب قوات الاتحاد الإفريقي من البلاد”.

 

وأضاف عبد الواحد: “مصر لن تقيم قاعدة عسكرية في الصومال، بل هو اتفاق على بروتوكول تعاون عسكري يشمل اتفاقيات ثنائية وتعاون مشترك في مجال التدريب ورفع الجاهزية للقوات المسلحة الصومالية، إضافة إلى تدريب كوادر على مكافحة الإرهاب، ومساعدة الدولة على اجتياز التحديات الأمنية التي تواجهها.”

 

وأشار عبد الواحد إلى أن هذا التعاون يأتي في إطار الاستراتيجية المصرية للحفاظ على استقرار القرن الإفريقي ومراقبة الأوضاع عن كثب، موضحًا: “التواجد المصري في هذه المنطقة يكتسب أهمية استراتيجية كبيرة في ظل حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة، سواء من خلال الصراعات الداخلية في السودان وإثيوبيا والصومال، أو من خلال النزاعات الحدودية بين دول المنطقة.”

 

وبالفعل بدأت مصر بإرسال أسلحة وجنود قبل أيام إلى قاعدة عسكرية في الصومال، وهو ما رفع حدة الصراع، لا سيما نع إثيوبيا التي استشعرت خطر التحرك المصري. 

 

2- التحرك الإثيوبي تجاه إقليم أرض الصومال وإثارة غضب الحكومة الصومالية

 

في مقابل التحركات المصرية، تحركت إثيوبيا لتعزيز علاقاتها مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، مما أثار غضب الحكومة الصومالية في مقديشو. الباحث الإثيوبي في الشؤون الإفريقية، موسى شيخو، أشار إلى أن هذه الخطوة تأتي في إطار جهود إثيوبيا للحصول على منفذ بحري يمكنها من تعزيز نفوذها الإقليمي، خاصة في ظل الضغوط المصرية.

 

وقال شيخو: “قرار إثيوبيا الاعتراف بأرض الصومال يأتي ضمن مساعيها الحثيثة للحصول على منفذ بحري سيادي، وهو أمر قد يكون صعبًا في الوقت الحالي إلا عن طريق أرض الصومال، التي أعلنت استقلالها قبل 33 عامًا وبنت نظام حكم ومؤسسات دولة مستقلة لا ترتبط بالصومال الجنوبي.”

 

شيخو أوضح أن سياسات الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود التصعيدية تجاه إثيوبيا ساهمت في تعزيز التحركات الإثيوبية نحو أرض الصومال. وأضاف: “مقديشو انتهجت سياسة التصعيد ضد أديس أبابا منذ اليوم الأول لوصول حسن شيخ محمود إلى السلطة. وإذا واصلت مقديشو تعنتها، فقد تضطر إثيوبيا لاتخاذ خطوات إضافية للحفاظ على مصالحها في المنطقة.”

 

وأضاف شيخو: “إقدام مقديشو على استضافة القوات المصرية يعتبر حدثًا خطيرًا في نظر الإثيوبيين. مصر ليس لديها هدف من الوجود في الصومال سوى مضايقة إثيوبيا والضغط عليها لانتزاع تنازلات في ملف سد النهضة، وهو أمر مستبعد بالطبع.”

 

3- أساس الخلاف والمشكلة بين الصومال وأرض الصومال

 

يمتد الخلاف بين الحكومة المركزية في الصومال وإقليم أرض الصومال إلى أوائل التسعينيات عندما أعلنت أرض الصومال استقلالها من جانب واحد بعد انهيار نظام سياد بري. على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة عقود على هذا الإعلان، لم تعترف أي دولة بشكل رسمي باستقلال أرض الصومال.

 

تشكل قضية أرض الصومال أحد أبرز الملفات السياسية الشائكة في القرن الإفريقي، حيث تسعى مقديشو إلى إعادة توحيد البلاد تحت سلطة مركزية واحدة، بينما تعمل حكومة هرجيسا على تعزيز مؤسساتها الحكومية والعسكرية بشكل مستقل. 

 

هذا الوضع يعكس التحديات المستمرة التي تواجهها المنطقة، حيث يتصارع القادة السياسيون على النفوذ والسيطرة وسط تصاعد التوترات الإقليمية.

 

مصدر صومالي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أشار إلى أن التحركات الإثيوبية الأخيرة قد تسببت في زيادة التوتر بين الصومال وأرض الصومال. وقال: “يبدو أن الاتفاقية الموقعة بين إثيوبيا وأرض الصومال في يناير من هذا العام قد أثارت خلافات سياسية متعددة الأغراض. تسعى أرض الصومال إلى الاعتراف بها منذ 33 عامًا، بينما تسعى إثيوبيا إلى الوصول إلى البحر، لكن كلاهما يواجه تحديات سياسية صعبة.”

 

وأضاف: “إثيوبيا دخلت مؤخرًا في نزاع مع مصر بشأن السد، ومن أجل الرد على إثيوبيا، طلبت مصر من الصومال قاعدة عسكرية لتأكيد سلطتها على إثيوبيا. من ناحية أخرى، وقعت إثيوبيا اتفاقية تعاون عسكري مع القادة العسكريين المغاربة في أغسطس الماضي”. 

 

وتابع: “أن الظروف المحيطة بمنطقة القرن الإفريقي معقدة، والعديد من القوى واضحة للعيان ولكنها يمكن أن تؤدي إلى صراعات في اتجاهات متعددة وتصفية حسابات قديمة.”

4- الموقع الاستراتيجي لدول القرن الإفريقي وأهمية موقع الصومال لدول العالم

 

تتمتع منطقة القرن الإفريقي بموقع استراتيجي بالغ الأهمية، حيث تطل بعض دولها على أهم الممرات المائية الدولية مثل خليج عدن والبحر الأحمر. هذا الموقع جعل المنطقة هدفًا للتنافس الدولي والإقليمي، حيث تسعى العديد من القوى الكبرى لتعزيز نفوذها في المنطقة.

 

الباحث موسى شيخو، أوضح أن البحر الأحمر بات ساحة صراع على النفوذ بين الدول الكبرى والإقليمية، مضيفًا: “منطقة القرن الإفريقي منطقة استراتيجية جدًا لعدة أسباب، أبرزها أن بعض دولها تطل على أهم الممرات المائية الدولية مثل خليج عدن وقناة السويس. وعموماً، أصبح البحر الأحمر منطقة صراع على النفوذ بين الدول الكبرى والدول الإقليمية، خاصة بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة وإقدام جماعة الحوثي على إغلاق الملاحة البحرية بالكامل وتنفيذ هجمات على السفن المتجهة إلى إسرائيل.”

 

كما أشار المصدر الصومالي إلى وجود قاعدة ومطار في مدينة بربرة بإقليم أرض الصومال تحت إدارة الإمارات العربية المتحدة، موضحًا: “أعربت إسرائيل لأرض الصومال عن نيتها في استخدام هذا المطار للدفاع عن السفن المتجهة إلى إسرائيل وضرب الحوثيين من هناك، ولكن حتى الآن لم تتحدث حكومة أرض الصومال عن هذا الشأن.”

 

5- التواجد العسكري التركي في الصومال

 

تركيا تعد من اللاعبين الإقليميين الذين يعززون نفوذهم في القرن الإفريقي، حيث تمتلك قاعدة عسكرية في مقديشو وتقوم بتدريب القوات الصومالية. الدكتور مهند أوغلو، الخبير في الشؤون التركية، أوضح أن تركيا ترى في القرن الإفريقي بوابة لتعزيز نفوذها في إفريقيا والشرق الأوسط.

 

وقال أوغلو: “تركيا تهتم بالقارة السمراء عموماً وبالقرن الإفريقي خصوصاً، لأن من يكون له يد طولى بالخارج يكون له قرار في الملفات الدولية المتشابكة، وبالتالي يضع نفسه بين كبار اللاعبين الدوليين في المنطقة والعالم.”

 

وأضاف: “تركيا لديها هدف استراتيجي بعيد المدى في المنطقة، وقد لا تظهر ثماره ضمن سنوات قليلة، ولكن المحاصيل سوف تجنى بعد عدة عقود كما فعلت تركيا تمامًا في تحالفها مع أذربيجان بشأن إقليم قرة باغ”.

 

 وتابع: “الصومال بلد أفريقي ليس فقيرًا من حيث التموضع السياسي والاستراتيجي في المنطقة، وهو منطقة استراتيجية عسكرياً لإشرافه على طرق برية وبحرية مهمة.”

 

وأكد أوغلو أن تركيا لن تكون طرفًا في أي صراع إقليمي، بل ستسعى للعب دور الوسيط. وأوضح: “تركيا اليوم في مرحلة نسميها إدارة التوترات ولعب دور الوساطات بشكل واسع في كل الملفات الخلافية أو الشائكة. لن تنخرط تركيا في صف أي طرف على حساب الآخر، ولكن ستكون دولة وسيطة حقيقية مع تلويحها بالقوة العسكرية التي تمتلكها، سواء المسيرات أو غيرها.”

 

ورغم رأي أوغلو فإن خبراء آخرين خالفوه حيث يرون أن تركيا يمكن أن تنجر لمواجهة مع مصر بهذا الملف، رغم محاولات أنقرة الحثيثة لتصحيح مسار العلاقات بين البلدين. 

 

 6- علاقة خلافات مصر وإثيوبيا بالتحركات الجديدة في الصومال

 

لا يمكن فصل التحركات المصرية في الصومال عن التوترات المستمرة بينها وبين إثيوبيا حول سد النهضة. المصدر الصومالي أكد أن مصر طلبت من الصومال قاعدة عسكرية لزيادة الضغط على إثيوبيا في هذا الملف.

 

وقال: “مصر طلبت من الصومال القاعدة العسكرية لتأكيد سلطتها على إثيوبيا، في إطار ردها على تحركات أديس أبابا في ملف سد النهضة. وفي المقابل، كانت إثيوبيا تحاول بناء تحالفات مع إقليم أرض الصومال، باعتبار أن هذا الإقليم قد يوفر لها منفذًا بحريًا تفتقده، خاصة وأن النزاع مع مصر حول سد النهضة يزداد حدة.”

 

من جهة أخرى، أكد اللواء محمد عبد الواحد أن إثيوبيا تحاول استخدام الصراعات الداخلية في الصومال لصالحها، بهدف تعزيز نفوذها الإقليمي، مشيرًا إلى أن الوضع في الصومال معقد من خلال التدخلات الإقليمية والدولية. 

 

وأضاف: “إثيوبيا تحاول فرض رأيها وسيطرتها على المنطقة من خلال الملفات التي تتحكم فيها مثل ملف السدود. التصرف الإثيوبي الأخير بإرسال سفير إلى إقليم أرض الصومال الانفصالي بعد دعوة مصر للحوار يظهر بوضوح استراتيجيتها القائمة على توسيع نفوذها بأي وسيلة ممكنة.”

 

احتمالات اندلاع مواجهة عسكرية في القرن الإفريقي

 

مع تصاعد التوترات الإقليمية، بدأت التساؤلات تتزايد حول احتمالات اندلاع مواجهة عسكرية في القرن الإفريقي. بعض المحللين يرون أن المنطقة قد تشهد مواجهة إذا استمرت الأطراف في التصعيد، بينما يرى آخرون أن التوترات الحالية قد تبقى تحت السيطرة بفضل التدخلات الدولية.

 

الباحث موسى شيخو، حذر من أن الأوضاع في المنطقة قد تنفجر إذا لم يتم التعامل مع التوترات بحذر. وقال: “إذا واصلت مقديشو سياسة التصعيد، فقد تضطر إثيوبيا لفعل ما يلزم للحفاظ على مصالحها. نحن نتحدث عن منطقة تعاني من توترات داخلية وأزمات سياسية متشابكة، وإذا لم يتم حل هذه الأزمات، فقد نشهد تصعيدًا عسكريًا في المنطقة.”

 

من جهته، أشار الدكتور مهند أوغلو إلى أن تركيا قد تلعب دورًا رئيسيًا في تهدئة التوترات في المنطقة. 

 

أما اللواء محمد عبد الواحد، فقد أكد أن مصر تسعى للحفاظ على استقرار المنطقة، ولن تدفع نحو التصعيد. وأضاف: “مصر تدرك أن أي تصعيد عسكري في القرن الإفريقي قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على المنطقة ككل، ولذلك فهي تسعى إلى تعزيز التعاون العسكري مع الصومال لتمكينه من مواجهة التحديات الأمنية.”

 

اشتعال المنطقة 

 

تشير التحركات الأخيرة في منطقة القرن الإفريقي إلى تصاعد التوترات بين الدول الإقليمية، خاصة بين مصر وإثيوبيا، اللتين تتصارعان على النفوذ في المنطقة في ظل الصراع المستمر حول سد النهضة. 

 

وتوقيع مصر اتفاقية تعاون عسكري مع الصومال يعكس رغبة القاهرة في تعزيز وجودها في المنطقة، في مقابل التحركات الإثيوبية لتعزيز علاقاتها مع إقليم أرض الصومال الانفصالي.

 

وتزيد التوترات الحالية من احتمالات تصاعد الصراع في المنطقة، خاصة مع وجود العديد من الأطراف الدولية التي تسعى لتعزيز نفوذها في القرن الإفريقي. 

 

في النهاية، يبقى استقرار المنطقة مرهونًا بمدى قدرة الأطراف المعنية على التوصل إلى حلول سياسية للتوترات القائمة، وتجنب التصعيد العسكري الذي قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع بشكل لا يمكن السيطرة عليه، قد يصل إلى حد “إطلاق الرصاص وسماع هدير الدبابات هناك” وفق ما يراه الخبراء. 

 

ماذا يحاك في القرن الإفريقي.. "هدير الدبابات" في الصومال وصداه بالقاهرة وأديس أبابا
ماذا يحاك في القرن الإفريقي.. “هدير الدبابات” في الصومال وصداه بالقاهرة وأديس أبابا

 

إعداد: جهاد عبدالله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى