بعد “نصر الله والسنوار”.. شكل مختلف للصراع وخبراء يكشفون خيارين أمام إسرائيل
في قلب الصراع المستمر والمتصاعد في الشرق الأوسط، تمثل الاغتيالات أداة مركزية في الاستراتيجية الإسرائيلية لمواجهة حماس وحزب الله. ومع نجاح إسرائيل في اغتيال شخصيات قيادية بارزة، مثل يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بغزة، وحسن نصر الله، زعيم حزب الله في لبنان، تحدث خبراء لـ”وكالة ستيب الإخبارية”، عن إمكانية أن تضعف هذه الاغتيالات من التنظيمات وتؤدي إلى تفكيكها، وبالتالي إعلان “النصر الإسرائيلي”، أم أنها “سلاح” سيقلب المنطقة على إسرائيل ويزيد العداء تجاهها.
البنية التنظيمية للفصائل: قدرة الصمود أمام الضربات
تتميز التنظيمات التي تمتلك أذرع مسلحة مثل حركة حماس وحزب الله، ببنية تنظيمية مرنة وقوية في آنٍ معاً، بحسب الخبراء.
ويمثل هذا التنظيم المتماسك عاملاً رئيسياً في قدرتها على الصمود، رغم فقدان شخصيات قيادية مؤثرة.
يوضح الدكتور منير أديب، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، أن “الصمود الأيديولوجي المتجذّر لدى هذه الفصائل يدفعها للاستمرار وإعادة بناء صفوفها بشكل سريع”، مشيراً إلى أن عمليات الاغتيال رغم تأثيرها الآني إلا أنها لا تستطيع القضاء على البنية الفكرية والهيكلية التي تستند إليها هذه الفصائل.
من جانبه يقول الدكتور مصطفى أمين، الباحث في الجماعات الإسلامية والجهادية، إن “حماس على سبيل المثال، تعمل وفق نظام هرمي وتنسيق بين المستويات القيادية المختلفة، مما يسمح لها بتجاوز الأزمات بسرعة. حتى في حال اغتيال قادة بارزين، فإنها تمتلك القدرة على إعادة تنظيم صفوفها دون التأثير المباشر على عملياتها الميدانية”.
كما يقول: “يختلف الهيكل التنظيمي لحركة حماس عن حزب الله بشكل ملحوظ؛ فحزب الله، كتنظيم شيعي مدعوم من إيران، يتمتع بهيكلية خاصة تختلف عن التنظيمات السنية، التي تعتمد بشكل أقل على القيادة المركزية، وتتبنى هيكلية تناسب طبيعتها المختلفة”
ويتابع: “تُعتبر حماس أقرب في تنظيمها إلى جماعة الإخوان المسلمين؛ فهي تضم مكتبًا إداريًا إلى جانب جناح عسكري. ويتولى قائد عسكري مسؤولية الجناح، حيث يشرف على عدة فصائل موزعة على قطاعات مختلفة في غزة. وتتميز حماس بتطبيق نظام إحلال وتجديد مستمر في صفوف القيادة، مما يسمح بوجود بدائل جاهزة عند غياب أي قائد، وبالتالي لا تتأثر هيكليتها العسكرية بشكل كبير بعمليات الاغتيال أو الاستهداف”.
ويضيف الدكتور مصطفى أن هذه الهيكلية المتينة تعزز من قدرة الفصائل على مواصلة أنشطتها العسكرية في مواجهة أي فراغ قيادي.
وفي السياق ذاته، يعتمد حزب الله على شبكة قوية من القيادات المحلية والدعم الإقليمي، خاصة من إيران. ويشير الخبير إلى أن “إيران تسعى بشكل متواصل إلى بناء كوادر بديلة في حزب الله، لضمان استمراريته وفعاليته على المدى الطويل، تحسباً لأي فراغ قد يحدث جراء عمليات الاغتيال”. وبهذا الدعم، يتمكن الحزب من تجاوز التحديات الناجمة عن فقدان شخصيات قيادية، حيث تُعِد إيران قيادات جاهزة لمواجهة أي طارئ، ما يمنح التنظيم مرونة تعزز من قدرته على الاستمرار.
وتفرض الظروف الجديدة على كلا الجماعتين وجودة ترتيب جديد على مستوى القيادة، فحزب الله الذي فقد معظم قادة الصف الأول والثاني لم يعلن بعد عن اسم خليفة نصر الله رغم مرور أسابيع على مقتله، وأيضاً انتهجت حماس نفس النهج ولم تعلن عن اسم رئيس جديد لمكتبها السياسي بعد السنوار خلافاً لما جرى بعد مقتل هنية حيث جرت مشاورات سريعة واختير السنوار حينها، مما يؤكد أن الترتيب الجديد الذي جاء بتوصيات يعتقد الخبراء أنها إيرانية، يقتضي عدم الاعتماد على قيادي واحد بل مجلس قيادي من عدة أشخاص حتى لا تواصل إسرائيل سياسة الاغتيالات.
التأثيرات لاغتيالات القادة
تمثل عمليات الاغتيال التي تستهدف قادة الفصائل صدمة نفسية ليس فقط على أعضاء الفصائل، بل أيضاً على المجتمعات التي تحيط بهم. إذ تُسهم هذه الاغتيالات في تعزيز شعور المجتمعات المتأثرة بالعداء تجاه إسرائيل.
ويشير الدكتور منير أديب إلى أن “اغتيال القادة لا يُؤثر فقط على البنية العسكرية للفصائل، بل يزيد أيضاً من شعبية الفصائل ويعزز من تلاحمها مع قواعدها الشعبية، حيث يشعر المواطنون المتأثرون بأن هذه الفصائل تمثل خط الدفاع الأول عنهم”.
وتتجاوز تأثيرات هذه العمليات المجال العسكري لتشمل البعد الاجتماعي، حيث يبرز تضامن شعبي قوي مع الفصائل عقب عمليات الاغتيال. ويرى الدكتور مصطفى أمين أن “هذه العمليات تُسهم في خلق مناخ من الغضب والرغبة في الانتقام لدى المجتمعات المحلية، ما يعزز من استعداد الأفراد للالتحاق بصفوف الفصائل والانخراط في المقاومة”.
ويضيف أن مثل هذه الأحداث تستخدم كأدوات تعبئة داخلية، مما يقوي من الروابط بين الفصائل وجمهورها المحلي، ويجعل من الصعب كسر هذا التلاحم عبر عمليات الاغتيال وحدها.
ويتابع:” مع ذلك فإن وجود قائد كَيَحيى السنوار، الذي يتمتع بخبرة أكاديمية وعسكرية، ويملك قدرة عالية على التحكم في هيكلية التنظيم. فضلاً عن خبرته الواسعة في التعامل مع العدو الإسرائيلي، مما يضفي تأثيرًا أكبر على منظومة القيادة، فإن غيابه كان بمثابة ضربة قوية لحماس”.
وعلى الجانب الآخر يرى أنه “رغم شخصية حسن نصر الله التي تتميز بمهارات خاصة في الخطابة، وجذب المزيد من العناصر للحزب، إلى جانب علاقاته القوية والمتجذرة مع إيران التي تعد الداعم الأكبر لحزب الله، فإن تأثير غيابه على الحزب قد يكون محدوداً بسبب محاولات إيران لإيجاد قيادات قوية تتبع لها تحل محل القيادات التي يتم اغتيالها”.
الدور الإيراني في تعزيز استمرارية الفصائل وإعادة بناء القيادات
تعد إيران الداعم الأكبر للفصائل المسلحة مثل حزب الله وحماس، حيث لا تقتصر مساعداتها على الدعم اللوجستي فقط، بل تمتد لتشمل تأهيل وتدريب القيادات لضمان استمرارية الفصائل وعدم تأثرها بعمليات الاغتيال.
ويشرح الدكتور مصطفى أمين أن “إيران تستثمر بعمق في تأهيل قادة جدد، حيث يتم تدريبهم على أعلى مستوى لمواصلة العمل في حال تعرض التنظيم لضربة قيادية”، مما يضمن بقاء الهيكل القيادي للفصائل في حالة تماسك واستعداد دائمين.
ويوضح أن إيران لا تكتفي بتدريب القيادات المحلية، بل تسعى أيضاً إلى بناء شبكات إقليمية من الدعم والتمويل، تشمل لبنان وسوريا والعراق، مما يمنح هذه الفصائل قدرة متزايدة على تحمل الضغوط.
ويقول إن “الهيكل التمويلي واللوجستي الواسع الذي توفره إيران يساهم في تعزيز قدرات الفصائل على البقاء، حيث يتم نقل الخبرات والأسلحة والتدريبات بين هذه الدول بصورة متواصلة”.
وهذا النهج الإقليمي في دعم الفصائل يعكس استراتيجية بعيدة المدى لإيران، مما يزيد من تحديات إسرائيل في القضاء على نفوذ هذه التنظيمات.
ويقول الدكتور” أديب”: “تسعى إيران أيضاً إلى إعادة هيكلة حزب الله بشكل يحافظ على ولاء هذه الميليشيات لها، بحيث يبقى الدعم الإيراني مستمراً وقوياً كما كان في ظل القيادات السابقة، مثل حسن نصر الله وهاشم صفي الدين وغيرهم من القيادات”.
استراتيجيات الحماية والتخفي للقيادات الفصائلية
مع تصاعد وتيرة الاغتيالات، تحرص الفصائل المسلحة على اتخاذ تدابير أمنية متقدمة لحماية قياداتها، بما في ذلك استخدام استراتيجيات التمويه والتخفي.
ويقول الدكتور منير أديب إن “الفصائل تعتمد على تقنيات متقدمة لتأمين قادتها، وإجراءات أمنية مشددة، إلى جانب استراتيجيات التمويه التقليدية”.
ويتابع: “تتبع هذه الفصائل أحيانًا استراتيجيات التخفي وعدم الإعلان عن أسماء القيادات، بحيث يمكن أن يتولى مجلس من القيادات مهمة اتخاذ القرارات، وهذا ما أوصى به قائد حركة حماس يحيى السنوار”.
تضيف هذه الاستراتيجيات تعقيداً أمام أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، التي تجد صعوبة متزايدة في تتبع القيادات المستهدفة، خصوصاً مع اعتماد الفصائل على “لامركزية القيادة وتوزيع الصلاحيات بين عدة مستويات”، كما يوضح.
ورغم ذلك كان الخرق الإسرائيلي كبيراً وتجلّى بالوصول إلى قادة الصف الأول والثاني بحزب الله بسهولة خلال أسابيع فقط من بدء الحرب على جبهة لبنان.
ويؤكد الخبير أن “الأيديولوجيات الدينية والفكرية، سواء تلك المستندة إلى ولاية الفقيه أو إلى الفكر الإخواني، تعتبر المحرك الأساسي لاستمرار هذه الفصائل. وبالتالي، فإن اغتيال القيادات لا يُنهي هذه الأيديولوجيات التي تستمر في تجديد نفسها”.
التداعيات الاستراتيجية والسياسية لعمليات الاغتيال
تمثل الاغتيالات وسيلة فعالة لإسرائيل من الناحية العسكرية، إلا أن آثارها السياسية تبقى موضع نقاش كبير.
إذ يرى المحللون أن هذه العمليات، رغم نجاحها في إضعاف قدرات الفصائل على المدى القصير، إلا أنها غالباً ما تؤدي إلى تصاعد التوترات في المنطقة. ووفقاً لأحد الخبراء، فإن “الاغتيالات تشعل فتيل المواجهات، حيث تؤدي إلى تصعيد في العمليات العسكرية بين الطرفين، ما يُفضي إلى تداعيات قد تخرج عن السيطرة وتؤدي إلى تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة برمتها”.
ويعكس ذلك المخاوف من أن الاغتيالات التي تطال قادة ذوي مكانة شعبية قد تؤدي إلى تعزيز مكانة الفصائل وزيادة التعاطف معها، مما يرفع من احتمالية تصاعد النزاعات بدلاً من تهدئتها. ويرى الدكتور مصطفى أمين أن “هذه العمليات تُزيد من شعبية الفصائل وتؤجج مشاعر العداء تجاه إسرائيل، ما يجعل من الصعب تحقيق استقرار دائم في المنطقة”.
ويقول الدكتور “أمين” : “أؤكد هنا على أن إسرائيل، كدولة تمتلك جيشًا قويًا ومؤسسات أمنية وقضائية وعسكرية متماسكة، لا يمكن أن تتأثر على المدى الطويل سوى من جيوش نظامية قادرة على مواجهتها، كما حدث في حرب أكتوبر عام 1973، حيث استطاع الجيش المصري فرض تحدٍ حقيقي لإسرائيل، مما يثبت أن الفصائل المسلحة بمفردها لن تتمكن من إلحاق خسائر استراتيجية بدولة بمؤسسات قوية كإسرائيل”.