مرتزقة مصريون في ساحة معركة أوكرانيا.. كيف وصلوا وما هو “الفخ” المجهّز لهم؟
بحثاً عن المال أو جنسية أجنبية تحقق أحلامهم التي تلاشت في موطنهم بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، خرج شباب عرب، من بينهم مصريون، إلى ساحات القتال في أوكرانيا. وهذا الواقع سلطت عليه الضوء وسائل إعلام غربية، مثيرةً موجة جدل حول دوافعهم وطرق وصولهم إلى أوكرانيا. ومع تزايد التساؤلات، تُطرح أسئلة حول موقف السلطات المصرية وأعداد هؤلاء المقاتلين. فيما كشف خبير مصري لوكالة “ستيب” الإخبارية عن سيناريوهات الملف “الخطير”.
المرتزقة المصريون في أوكرانيا
منذ مطلع العام الجاري، ركزت وسائل إعلام غربية، مثل موقع “دويتشه فيله” الألماني، على وجود مقاتلين مرتزقة من مصر يشاركون في الحرب الأوكرانية.
وذكرت تقارير أن عدداً منهم قتل خلال معارك إلى جانب الجيش الروسي، بما في ذلك بمعركة خيرسون.
يقول الباحث المصري عبد الغني عبده لوكالة “ستيب”: “لتأكيد وجود جماعات تقاتل إلى جانب روسيا سواء من مصر أو غيرها، يجب أن يكون هناك اعتراف رسمي من الدولة. وبما أن هذا الاعتراف غير موجود، فإن تلك الجماعات على الأرجح غادرت دون أي تنسيق رسمي. هؤلاء يقاتلون من أجل المال، وغالباً ما وصلوا عبر شركات مرتزقة تنتشر في العالم منذ أن ظهرت أولاً في أمريكا.”
وأشار الباحث إلى أن الحاجة إلى المال هي الدافع الأبرز للارتزاق، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعيشها مصر. لكنه لفت إلى أن الطبيعة المحافظة للمجتمع المصري تحدّ من انخراط أعداد كبيرة في هذا النوع من النشاط.
وفي تحقيق استقصائي نشره موقع مصراوي مطلع العام، أكد وجود مرتزقة مصريين إلى جانب الجيش الروسي.
وبيّن التقرير أن هؤلاء يتم استدراجهم برواتب مغرية وفق عقود مع الجيش الروسي، مع وعود بمنحهم الجنسية الروسية.
وتحدث التحقيق عن طالب مصري انضم إلى القوات الروسية في مقاطعة كالينينغراد بعد أن ترك جامعته بحثاً عن حياة أفضل.
وتلقى الشاب تدريباً لمدة شهرين قبل إرساله إلى الجبهة، حيث انضم إلى مجموعات تضم مرتزقة آخرين من جنسيات عربية كالسوريين والعراقيين والمغاربة.
فرق المرتزقة في الصفوف الأمامية
يوضح عبد الغني عبده أن الجيوش الكبرى عادةً ما تستعين بالمرتزقة لوضعهم في مواقع تكون فيها احتمالية الخسائر مرتفعة، ما يقلل من الخسائر في صفوف القوات النظامية.
وهذا ما أكدته تقارير غربية، حيث أشارت إلى أن المرتزقة يوضعون غالباً في مجموعات استكشافية مجهزة بأسلحة خفيفة لمسح الخطوط الأمامية للقتال. وعادةً ما تتألف هذه المجموعات من أفراد ذوي جنسيات متعددة تحت قيادة ضابط روسي ومساعده.
بالمقابل استعانت روسيا بقوات عسكرية مدربة مثل القوات العسكرية من كوريا الشمالية التي اكتشف تواجدها مؤخراً قرب أوكرانيا.
أيضاً وعلى الطرف الآخر استعانت أوكرانيا بمرتزقة من جميع أنحاء العالم وافتتحت مكاتب تجنيد لاستقطاب المقاتلين بالعديد من الدول الأوروبية، بل صنفتهم ضمن ألوية خاصة داخل الجيش الأوكراني.
معوقات عمل جماعات المرتزقة
رغم استراتيجيات تجنيدهم، فإن المرتزقة يواجهون تحديات عديدة تؤدي في كثير من الأحيان إلى فشل مهماتهم.
وأبرز هذه المعوقات عامل اللغة، إذ لا يتوفر لهم وقت كافٍ لتعلم المهارات اللغوية اللازمة للتواصل مع القيادة. كما أن التدريب العسكري غالباً ما يكون محدوداً.
فخ التلغرام
تشير تقارير إلى أن وسطاء روساً أنشأوا مجموعات على تطبيق تلغرام لجذب المرتزقة بعروض مغرية. ووفق تحقيق مصري، تعرض هذه المجموعات عقوداً برواتب تتراوح بين 800 دولار شهرياً وقد تصل إلى 8000 دولار.
ويحصل الوسيط على نسبة من العقد، مع وعد المقاتل بالحصول على الجنسية الروسية بعد ستة أشهر من القتال.
دوافع الانضمام إلى مجموعات المرتزقة
يقول الباحث عبد الغني عبده: “لا أتوقع أن أعداد المصريين في أوكرانيا كبيرة وفق التقارير الغربية. ومن انضموا هناك يبحثون عن المال، وغالباً ما وصلوا عبر شركات المرتزقة المنتشرة في المنطقة.”
وأضاف: “هناك شركات متخصصة في نقل المرتزقة، مستغلةً الأوضاع الاقتصادية السيئة في دولهم. هذه الشركات أصبحت تعمل بشكل أكثر علنية، وهي مرخّصة في بعض الدول وتملك علامات تجارية.”
وأشار إلى مثال شركات مثل “بلاك ووتر” الأمريكية و”فاغنر” الروسية، التي استقطبت آلاف المـرتزقة حول العالم، وحصلت على امتيازات كبيرة في أفريقيا وغيرها.
هل تعلم مصر بمرتزقتها في أوكرانيا؟
لم تعلّق الحكومة المصرية على التقارير التي تحدثت عن وجود مرتزقة مصريين في أوكرانيا، مكتفيةً بالصمت.
ويرى عبد الغني عبده أن هذا الصمت يعكس عدم رغبة الحكومة في التورط أو خلق مشاكل مع الغرب.
وأضاف أن هناك أنباء غير مؤكدة عن تورط إبراهيم العرجاني، رجل الأعمال المصري ومؤسس “اتحاد قبائل سيناء”، في تسهيل نقل بعض المـرتزقة للقتال مع روسيا.
اشتهر العرجاني بدوره في عمليات تجارية مرتبطة بقطاع غزة، وبرزت مجموعاته في تهريب الأشخاص من القطاع إلى داخل مصر. ومع ذلك، لم تتوفر أي معلومات مؤكدة حول نشاطه خارج مصر.
الوضع الاقتصادي: الدافع الرئيسي
يؤكد عبد الغني عبده أن العامل الاقتصادي هو المحرك الأساسي لانضمام هؤلاء المقاتلين إلى معركة مميتة، دون وجود دوافع دينية أو قومية.
ومع تطور أنماط التجنيد، أصبحت شركات المـرتزقة تقدم المال بشكل مباشر دون الحاجة إلى الترويج لأجندات دينية كما كان الحال سابقاً.
معركة ساخنة
وتبقى معركة أوكرانيا واحدة من أكثر الملفات القابلة للتصعيد والاشتعال أكثر بين روسيا والغرب، لا سيما بعد قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بالسماح لأوكرانيا ضرب العمق الروسي بصواريخ غربية بعيدة المدى، وهو ما تعتبره روسيا “خطاً أحمراً” يمكن أن يدخل ضمن تصنيف الاعتداء على الأراضي الروسية وتشكيل خطر عليها وهو البند في العقيدة النووية الروسية الذي يسمح لموسكو باستخدام السلاح النووي فيما لو تحقق.