“القرار الذي جعلني أدفع ثمناً باهظاً” – ميركل تكشف عن موقفها من قرار استيعاب اللاجئين السوريين.
لم تُظهر المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل أي ندم على قرارها بفتح أبواب ألمانيا أمام مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في عام 2015، على الرغم من اعترافها بأن هذا القرار شكل “نقطة تحول” في مسيرتها، وكان له دور كبير في قرارها بالتقاعد السياسي، بل وكان قريبًا من أن يسرع بخروجها المبكر من الحياة السياسية.
ميركل تسجل أهم التفاصيل في كتاب “حرية ”
في كتابها “حرية”، الذي صدر يوم الثلاثاء وترجم إلى 30 لغة، تناولت أنجيلا ميركل تفاصيل قرارها التاريخي بفتح أبواب ألمانيا لأكثر من مليون لاجئ سوري، وهو القرار الذي أدى إلى دخول حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف إلى البرلمان لأول مرة منذ هزيمة النازيين.
وفي الكتاب الذي يمتد لـ 700 صفحة، بررت ميركل هذا القرار بأنه كان الخيار الإنساني الوحيد المتاح أمامها، خاصة بعد رؤية صور عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين كانوا يحاولون عبور البحر والبر إلى أوروبا. وأشارت إلى أنه من الناحية القانونية، كان بإمكانها رفض دخولهم استنادًا إلى “اتفاقية دبلن” التي تنظم عمليات اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي، والتي تفرض على الدولة الأولى التي يدخل إليها اللاجئ معالجة طلبه، ما يعني أن العبء كان يقع في ذلك الوقت على إيطاليا واليونان.
ميركل تتحدث عن أزمة اللاجئين طوال عام 2015
في سيرتها الذاتية التي كتبتها بمساعدة سكرتيرتها القديمة وصديقتها بيته باومان، تحدثت أنجيلا ميركل عن كيفية انشغالها بأزمة اللاجئين طوال عام 2015. وروت كيف تلقت اتصالاً في يوم الأحد 19 أبريل من رئيس وزراء إيطاليا ماتيو رينزي، الذي أخبرها بغرق مركب للاجئين قبالة سواحل ليبيا ومقتل مئات الأشخاص. في ذلك اليوم، كان عيد ميلاد زوجها يواكيم الـ66، وكانا يخططان لقضاء يوم هادئ معاً، إلا أن الاتصال من رينزي غيّر كل شيء. كان رينزي يطلب مساعدتها في مواجهة الأزمة، إذ كانت إيطاليا عاجزة عن التعامل مع تدفق اللاجئين، ويستعطفها لعقد قمة مع قادة أوروبا لمناقشة الأزمة. وأكدت ميركل في كتابها أن رينزي كان محقًا في قوله إن الأزمة لم تعد تقتصر على إيطاليا فقط، بل أصبحت أزمة أوروبية تتطلب التعاون لمواجهتها.
استمرت أزمة اللاجئين في التفاقم خلال الأشهر التي تلت ذلك، حيث كانت أعداد الواصلين إلى ألمانيا تتضاعف يوميًا. وفي 4 سبتمبر، تلقت ميركل اتصالاً من مستشار النمسا آنذاك فيرنر فايمان، الذي وصف لها الطرقات السريعة في النمسا الممتلئة باللاجئين العابرين من المجر. كان فايمان يطلب منها تقاسم الأعباء بين ألمانيا والنمسا. وقالت ميركل في كتابها إن فايمان لم يكن يرغب في اتخاذ القرار بمفرده، بل كان يترك المسؤولية لها، وهي كانت مصممة على قبولها، إذ كانت تدرك حجم الكارثة الإنسانية.
وتحدثت أيضًا عن مشاوراتها مع الحزب الاشتراكي الذي كان يشاركها في الحكومة قبل اتخاذ القرار، وكيف لم يعارض الحزب السماح للاجئين بالدخول. لكن ميركل لم تتمكن من الاتصال بوزير داخليتها آنذاك هورست زيهوفر، الذي كان يعارض بشدة قرارها، رغم أنه كان زعيم الحزب المسيحي البافاري، الشريك في ائتلافها الحكومي. وتذكر ميركل في كتابها أنه رغم محاولاتها العديدة للتواصل معه، لم تتمكن من التحدث إليه. وبعد التأكد من قانونية قرار “فتح الأبواب” أمام اللاجئين، أصدرت بيانًا مشتركًا مع مستشار النمسا في حوالي الساعة 11 ليلاً، وأعلنوا فيه عبر فيسبوك أن اللاجئين يمكنهم دخول ألمانيا والنمسا. وقالت ميركل إنهما اختارا نشر البيان على فيسبوك لأنهما اعتقدا أن اللاجئين يعتمدون على التطبيق للحصول على المعلومات.
مناقشة طويلة مع الرئيس الأمريكي أوباما حول استقبال اللاجئين السوريين
روت ميركل أنها ناقشت هذا الموضوع مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي تربطها به علاقة شخصية قوية. وفي نوفمبر 2016، زار أوباما برلين في زيارة وداعية، وأشارت إلى أنهما التقيا في فندق أدلون في 16 نوفمبر على العشاء. خلال اللقاء، أخبرته بأنها تفكر في التقاعد وعدم الترشح مجددًا في العام المقبل. كتبت عن ذلك قائلة: “كنا نجلس معًا فقط، وكان يطرح عليّ بعض الأسئلة هنا وهناك ليعينني على اتخاذ قراري، لكنه لم يعبر عن رأيه شخصيًا. شعرت أنه كان يحاول التأكيد على أهمية استمراري في تحمل المسؤولية… وقال إن أوروبا ما زالت بحاجة إليّ، لكن في النهاية كان عليّ أن أتباع حدسي.”
في النهاية، قالت ميركل إنها قررت الترشح مرة أخرى. وقد فاز حزبها بنسبة 33% من الأصوات، وهو أقل من النسبة التي حققها في الانتخابات السابقة، لكن ذلك كان لا يزال فوزًا كبيرًا. ومع ذلك، استمر قرارها بالتقاعد في ملاحقتها، وظلت الهوة بين حزبها وحزب “المسيحي البافاري” الشقيق تتسع بسبب سياسة الهجرة. وفي نهاية المطاف، اتخذت قرارها بالتقاعد وأعلنته بعد عام من خسائر حزبها في الانتخابات المحلية، التي كانت نتيجة رئيسية لسياسة الهجرة. وكتبت: “لم أعد قادرة على مواصلة العمل كالمعتاد”. ورغم قرارها بعدم الترشح مجددًا لزعامة حزبها، أكدت أنها كانت واثقة بأنها كانت ستنتخب مجددًا لو أنها قررت الترشح، رغم أن ذلك كان سيكون “بأغلبية ضئيلة”.